يطلب قائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، من الولايات المتحدة (شركائه في القتال ضد تنظيم داعش الإرهابي) الدعم في عمل دبلوماسي يتمثل بإنهاء أي تهديدات عسكرية تركية ضد شمال شرق سوريا.

إن التاريخ المشترك لشمال وشرق سوريا يتجاهل حقيقة واحدة أساسية: محاربة الجماعة الجهادية لم تكن الهدف الأصلي لوحدات حماية الشعب ولا حتى هدفها الرئيسي. فقد تم إنشاء وحدات حماية الشعب، ولاحقاً قوات سوريا الديمقراطية، للدفاع عن شعوب المنطقة وتجربة تقرير المصير التي بدأوها في الأيام الأولى للأزمة السورية.

وشكل ظهور داعش تهديداً وجودياً للشعب وللمشروع على حد سواء. كما أن التنظيم كان تهديداً مباشراً لشمال وشرق سوريا وكذلك مع قوى إقليمية وعالمية. إلا أن التهديد الرئيسي اليوم للمنطقة وأهدافها الطموحة يتمثل بأنقرة، وفق اعتبار موقع مجلة “ناشيونال إنترست”.

قلق مستمر

ومع تهديد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان بشن عملية عسكرية جديدة في شمال شرق سوريا، يطغى القلق على قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا والمليوني شخص الذين يعيشون هناك. حول ذلك يقول عبدي للمجلة الأمريكية وفق ما ترجم موقع الحل نت: “إن المسألة الكردية في تركيا تؤثر على مناطقنا! بغض النظر عن مكان وجود الأكراد، فإن مشاكلهم كلها مرتبطة ببعضها البعض”.

ولعل أحد أسباب صحة ذلك هو الجغرافيا البسيطة؛ فالحدود السورية التركية فُرضت مؤخراً، ولا يتجاوز عمرها قرناً من الزمان. والعائلات الكردية باتت ممزقة بين سوريا وتركيا، وهذه الأخيرة لم تنس هذه الحقيقة. ويوضح عبدي بأن “بعض المدن الكردية تم تقسيمها إلى قسمين، حيث يمكننا أن نرى هذا على الحدود الآن. فهناك مدينة كردية، ويمر خط السكة الحديد في وسطها، ويقسمها إلى مدينتين. كما أن هناك روابط عشائرية، وروابط عائلية بين الأكراد في هاتين المنطقتين”.

اقرأ أيضاً: “قسد” تؤكد مساعيها لخفض التصعيد في شمال شرقي سوريا

ومن هذه الحقيقة الجغرافية تتبع حقيقة سياسية. “عندما يُهاجَمُون الأكراد في تركيا، فإنهم يُهاجَمون الأكراد هنا (في سوريا) أيضاً. وعندما يتصاعد الصراع في تركيا بين الأكراد، الذين يقاتلون من أجل حقوقهم والدولة التركية، تغضب الدولة التركية، وتبدأ في مهاجمة الأكراد على هذا الجانب من الحدود”، يتابع عبدي، في إشارة إلى العمليات العسكرية التركية في عفرين في 2018 ورأس العين في 2019.

وقد دمرت تلك العمليات العسكرية التركية؛ الهدوء النسبي والاستقرار في كلا المنطقتين. ولم تتأثر عفرين سابقاً بالحرب السورية، حيث خضعت لسيطرة وحدات حماية الشعب في عام 2011. كذلك كانت رأس العين موقعاً لانتصار مبكر لوحدات حماية الشعب على جبهة النصرة، الفرع السوري للقاعدة، في عام 2013. وفي كلتا المنطقتين، ازدهرت الهياكل السياسية التشاركية للإدارة الذاتية.

بالإضافة إلى الاحتفاء بالتنوع الديني. وخدم عدد من النساء في القوات المسلحة وقوات الدفاع أكثر من أي منطقة معارضة أو تلك التي تسيطر عليها الحكومة في البلاد.

العلاقات الجيدة هي المخرج الوحيد من الأزمة على الحدود؟

يرى عبدي مخرجاً واحداً واضحاً من أجل أن تقيم تركيا علاقات جيدة مع شمال وشرق سوريا. “عندما انخرط الأكراد في تركيا والدولة التركية في عملية سلام ووقف لإطلاق النار، من 2013 إلى 2016، كانت لنا، نحن أكراد سوريا، علاقات جيدة مع تركيا. وكان سياسيونا يزورون تركيا ويلتقون بمسؤوليهم. وكانت هناك علاقات جيدة بيننا وبينهم خلال فترة عملية السلام هذه.

لذا فإنه إذا ما ضغط المجتمع الدولي على تركيا لإعلان وقف إطلاق النار، والسعي لوقف التصعيد، وبدء عملية سلمية مرة أخرى والعودة إلى طاولة المفاوضات مرة أخرى وبدء حوار مع الأكراد لحل مشاكلهم في تركيا، أعتقد أن هذا هو أحد الخيارات المتاحة لحل المسألة الكردية في تركيا”.

وعندما سئل عبدي عما إذا كان يعتقد أن هذا شيء يمكن للولايات المتحدة، بعلاقاتها الدبلوماسية مع كل من تركيا والأكراد السوريين، أن تفعله، فإن وجهة نظره كانت واضحة، حيث قال: “بالطبع، هذا ما نؤمن به. ولنكون أكثر تحديداً، نحن نعتقد أن الولايات المتحدة وحدها هي التي يمكنها حل هذه المشكلة، لبعض الأسباب التي ذكرتها، وكون الولايات المتحدة تعمل معهم ومعنا”.

ما يطلبه عبدي هو تغيير ملحوظ في السياسة الأمريكية تجاه المسألة الكردية في تركيا. فالولايات المتحدة لم تفعل شيئاً يذكر للانخراط في عملية السلام الأخيرة، بحسب “ناشيونال إنترست”، وفي التسعينيات، عندما كان الصراع في ذروته، زودت الولايات المتحدة تركيا بمستويات قياسية من الأسلحة والمساعدات العسكرية. وحتى يومنا هذا، فإن مخزون تركيا بأكمله من الطائرات المقاتلة أمريكي.

لا تزال الولايات المتحدة تدرج حزب “العمال الكردستاني” على أنه منظمة إرهابية. وفي عام 2018، خصصت وزارة الخارجية الأمريكية مكافآت بملايين الدولارات لمكافحة الإرهاب لثلاثة من قادة الحزب، في خطوة انتقدها الأكراد وحلفاؤهم في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، هناك دلائل الآن على أن إنهاء أطول حرب لا نهاية لها في تركيا، وإعادة النظر في دور الولايات المتحدة، المزعزع للاستقرار، في إطالة أمدها، قد تم تسجيله كسياسة منطقية.

دورٌ للكونغرس الأمريكي؟

وقد أخذ الكونغرس الأمريكي زمام المبادرة، مع تشريع جديد يدين سجن النشطاء المؤيدين للسلام والسياسيين في تركيا ويدعو إلى السلام والديمقراطية في البلاد. وأعرب الأعضاء، الذين يعملون على منع بيع طائرات F-16 وأجزاء الطائرات بدون طيار إلى تركيا، عن مخاوفهم بشأن استخدام هذه التكنولوجيا ضد الأكراد في جميع أنحاء المنطقة. وقال التقرير النهائي لعام 2019 لمجموعة دراسة سوريا إن على الولايات المتحدة “تشجيع استئناف محادثات السلام بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، والتي تنطوي على أفضل احتمالات تؤدي إلى انفراج بين تركيا وقوات سوريا الديمقراطية”.

قد يهمك.. مظلوم عبدي: مرحلة جديدة في شمال شرقي سوريا ومساعٍ لحلٍ سياسي يرضي السوريين

من جانبهم، صرح قادة حزب العمال الكردستاني بأنهم لن يعارضوا تغيير الموقف الأمريكي من نضالهم. وقال جميل بايك في مقابلة صحفية في أيار الماضي”لقد تحدثنا كثيراً عن تأثير الولايات المتحدة على الدولة التركية والدور الذي يمكن أن تلعبه في حل ديمقراطي للقضية الكردية. وإذا لعبت الولايات المتحدة دوراً في منع مذبحة الأكراد، فلماذا نرفض ذلك؟”.

من جانبه، يقول مظلوم عبدي أنه كان واضحاً بشأن الحاجة إلى تحوّل نحو سياسة مؤيدة للسلام مع كبار القادة الأمريكيين. “لقد قلت هذه الجملة للرئيس ترامب نفسه. أخبرته أن الولايات المتحدة هي فقط من يمكنها حل هذه المشكلة، وأنه يجب على الولايات المتحدة أن تشارك في مثل هذه العملية”، يقول مضيفاً أنه سوف يقدم التوصية ذاتها إلى إدارة بايدن.

من خلال إزالة التهديد الأساسي والوشيك للاستقرار والتقدم في شمال شرقي سوريا، يمكن أيضاً لمحادثات السلام الناجحة في تركيا أن تساعد في جعل الحل السياسي للحرب السورية، الذي تشتد الحاجة إليه، أقرب إلى الواقع.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.