أعلنت وزارة الخزانة الأميركية في الـ24 من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، إجراء إعفاءات على عقوبات قانون “قيصر” المفروضة على حكومة دمشق، حيث قضى الإعلان بالسماح للمنظمات غير الحكومية بالتعامل مع شخصيات ومؤسسات من حكومة دمشق، ومنحها مجالاً أوسع في أنشطتها الاستثمارية غير الربحية.

إعلان وزارة الخزانة الأميركية قاد للانقسام حول أهدافه، ففي حين اعتبره خبراء يأتي استكمالا للخطوات التي بدأت لتعويم الأسد منذ وصول جو بايدن إلى الرئاسة الأمريكية من حيث عدم اتخاذ أي خطوات من شأنها أن تدفع الأسد إلى المضي قدما بالحل السياسي، وفق اعتبارهم.

إلا أن الأمريكيين قد حسموا الجدل حول موقفهم أكثر من مرة حيال دمشق، بأن سيف العقوبات سوف يصيب كل من يخرقها، وأن نص قانون قيصر هو قانون طوارئ وطني لا علاقة للخارجية بإدارته وهو يمس الأمن القومي الأمريكي. وإن مقاربة “خطوة بخطوة ” مع الروس ليست أكثر من مقاربة إعلامية لتفسير ما يحدث من مفهوم الصحفيين والمحللين.

اقرأ أيضاً: انعكاسات بوادر أزمة اقتصادية عالمية على الواقع المعيشي في سوريا

لقد أُثبت فشل تلك المقاربة من خلال تفسير نص قانون قيصر وخطواته. فقانون “قيصر” يهدف إلى حرمان الرئيس السوري بشار الأسد من أي فرصة لتحويل النصر العسكري الذي حققه على الأرض إلى رأسمال سياسي لتكريس وتعزيز فرص بقائه في السلطة إلى أجل غير مسمى. وبالتالي يهدف القانون إلى زيادة العزلة المالية والاقتصادية والسياسية للأسد ومحاصرته ومعاقبة حلفائه. أما الهدف فهو إجباره على القبول بالحل السياسي للأزمة السورية على أساس قرار مجلس الأمن 2254.

لا تأثير على المدنيين السوريين

قانون قيصر لم يكن له تأثير مباشر على السوريين كمواطنين، فالأوضاع الاقتصادية في سوريا كانت متردية قبل عام 2010. فضلاً عن التصارع داخل جسم السلطة لاحقاً والعمل على ترتيب البيئة الاقتصادية و إرضاء حلفاء دمشق لاستمرار دعمهم. ولعل ذلك يكون السبب المباشر لما وصلت له حياة المواطنين.

قانون قيصر منذ إصداره راعى الجانب الإنساني، فقد اهتمت بنود القانون 7422 وحتى 7426 بتنظيم العمل الإنساني. إلا أنه ونتيجة انتشار وباء كورونا فقد تغيرت قواعد تعامل الدول كون الوباء بات انتشاره عالمياً. كان لدمشق حصة من تغير سلوك قانون قيصر بالجانب الإنساني الذي أخذته واشنطن بالحسبان. فأعطت الخزانة الأميركية الضوء الأخضر لممارسة “الأنشطة المتعلقة بالتصدير أو إعادة التصدير أو البيع أو الاستيراد، بشكل مباشر أو غير مباشر إلى سوريا، والخدمات التي تتعلق بالوقاية أو التشخيص أو علاج الفيروس”.

الإعفاء الأخير الصادر في العشرية الأخيرة من شهر تشرين الثاني 2021 لم يمس جوهر قانون قيصر بما يخص عزل النظام دوليا ومنع أي مصادر قوة اقتصادية ( قطاع البنوك، إعادة الإعمار، النفط والغاز، الطيران) بالتعامل معه، فجاء قرار الخزانة الأميركية الجديد حول إعفاء المنظمات الإنسانية بهذا السياق والذي يمكن قراءته بأنه تكملة لتنظيم قانون قيصر بما يخص المواد 7522 وحتى 7526. كما يعتبر تكملة للإعفاء الذي صدر في حزيران 2021 بما يخص كورونا.

إعفاء الخزانة الأميركية يأتي كحل لمواجهة الالتفاف الذي كان يقوم به المتنفذين الاقتصاديين المقربين من سلطة دمشق ويسيطروا من خلاله على المساعدات الأممية عبر طرف ثالث، حيث يعطي الإعفاء الأخير للمنظمات الدولية مرونة بالحركة فتتجاوز بذلك وجود كوادر لها أو طرف ثالث بالدول المجاورة وحتى داخل سوريا بما يخص مكاتبها ومستودعاتها والخدمات اللوجستية التي لا علاقة لها بقوائم العقوبات بما فيها قانون قيصر.

كذلك فإن إعفاء الخزانة سيؤدي إلى تجاوز العقبات أمام دعم “الإدارة الذاتية” في شمال شرق سوريا. وتخضع هي الأخرى لقانون قيصر بما أنها القانون يشمل الأراضي السورية بغض النظر عن السلطة المحلية/الإدارية والتنفيذية.

إعفاءات قيصر .. تضييق على دمشق وموسكو

كذلك فإن الإعفاء من شأنه زيادة الرقابة على المساعدات الإنسانية التي شابها الفساد من قبل كل الأطراف والذي انعكس على حالة المواطنين عبر الجغرافية السورية. وهو ما قاد إلى العزوف عن تقديم المنح بعدما بدأت تتوجه لها انتقادات بأنها أحد أسباب استمرار الصراع.

فضلاً عن حصر روسيا ومواجهة ممانعتها باستمرار التجديد للمعابر الانسانية ومراقبة هذه المعابر. لما ستشكل الإعفاءات ورقة ضغط من خلال إيجاد المراقبة عليها.

قد يهمك: بين الشمال والجنوب.. كيف يستفيد المسيطرون على المعابر؟

كذلك فإن تجاوز سلاسل التوريد التي باتت أزمة عالمية تؤرق الدول الكبيرة وليس فقط المساعدات. كما تعتبر طريقة لتوفير فرص عمل للمواطنين لتحرير الاقتصاد من قبضة حكومة دمشق وذلك بخلق فرصة اقتصاد موازي.

ستحاول حكومة دمشق، الاستفادة من هذه الإعفاءات، كون “أمراء الحرب” هم من يملكون السوق الآن سواء بالمنتجات السلعية أو النفطية أو وسائل النقل. فعلى سبيل المثال يعتبر آل قاطرجي الرقم الأول بها فهم يملكون 1200 صهريج و 3000 شاحنة لنقل السلع والمنتجات. لكن “قانون قيصر” ليس هدفه المواطنين وإنما سلطة حكومة دمشق لإجبارها على تنفيذ القرار 2254. وعليه فإن أي خرق سوف يكون “قيصر” له بالمرصاد. فالمعارضة والمجتمع المدني باتوا جزءا من قانون قيصر والعمل على مساعدة هذا القانون بتتبع خروقاته التي تعتبر جزء من القانون حسب البند 7424 منه. وإلا ستكون المعارضة هدف للقانون وهيكلته.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.