“من أجل سوريا” هكذا أوردت الصحيفة الرسمية الفرنسية أبرز جمل المرسوم الرئاسي الذي عيّن بناءً على تقرير رئيس مجلس الوزراء، ووزير أوروبا والشؤون الخارجية، بريجيت كورمي، مستشارة الشؤون الخارجية، مبعوثة خاصة للرئيس الفرنسي (إيمانويل ماكرون) إلى سوريا برتبة سفير.

مساء أمس الخميس، أعلنت باريس تعيين مبعوث جديد في تطور أثار الجدل للمرة الأولى بين أوساط المتابعين للشأن السياسي المتصل بسوريا، رغم أن فرنسا تجري لمرات عديدة تغييرات في هذا المنصب، إلا أن البعض قام بتأويل المرسوم واعتبره تكليفاً لكورمي كسفيرة لفرنسا في دمشق خلال الفترة المقبلة وإن باشرت أعمالها حالياً في باريس، إلا أنها ستكون مرحلة تحضيرية لانتقال السفيرة إلى منصب دبلوماسي أعلى وتسافر إلى دمشق لتباشر أعمالها الدبلوماسية.

آراء أخرى استبعدت هذا السيناريو، معتبرة أن هذا الإجراء هو اعتيادي تقوم به فرنسا، ولكنه قد يدل في الوقت ذاته على عدم وضوح وثبات الرؤية الفرنسية تجاه الملف السوري، ويدفع للتساؤل فيما إذا كانت هناك خطوات فرنسية جديّة للانتقال إلى خطوات مغايرة للتعامل مع الملف السوري قد يكون بمعزل عن التوجهات السابقة التي كانت تجري بتنسيق أوروبي أميركي وباختلاف مع روسيا.

مصادر “الحل نت” في باريس، قالت إنه وحتى الآن لم يجري أي تبديل لوجهة النظر الفرنسية إزاء الأسد والتعامل مع حكومة دمشق، مشيرة إلى أن منصب السيدة كورمي ينحصر في متابعتها لشؤون الملف السوري على الصعيد السياسي، وستباشر مهامها من باريس وتعمل بشكل دائم في في قصر “الإليزيه”.

اقرأ أيضاً: عودة دمشق للجامعة العربية: مكسب سياسي للأسد أم مجرد نوايا عربية محدودة التأثير؟

سياسة جديدة لفرنسا تجاه سوريا؟

الباحث السوري، والأستاذ المحاضر في جامعة “السوربون” في تخصص الفلسفة السياسية، د.خلدون النبواني، قال في حديث خاص لـ “الحل نت”، إن “فرنسا تقوم بشكل دائم بتعيين سفير لسوريا وليس في سوريا، أي أنها لم تترك موضوع السفير خالياً من أجل متابعة الشؤون السورية”.

إلا أنه أشار في سياق مواز إلى أن فرنسا لم تتخلى عن الملف السوري بشكل نهائي، رغم معرفتها أن الحكومة السورية باقية في السلطة.

وأضاف النبواني، بأن فرنسا تعي تماماً بقاء الحكومة السورية في الحكم، وعودتها للاندماج مع بعض الدول (ذاكراً العربية على وجه التحديد)، ولفت بأنها لن تقبل بعودته “بشكل مجاني دون أن يتراجع عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها”.

كما وصف اختيار السفير بريجيت كورمي، بـ “الاختيار المناسب” لمتابعة الملف السوري، مرجعاً ذلك لخبرتها في الشؤون الأوروبية والدولية وذلك “تمهيداً للمرحلة الجديدة” بحسب وصفه.

معلومات خاصة عن كورمي

وحدة الترجمة في “الحل نت” ترجمت المعلومات التي استطاعت الوصول إليها من مصادر فرنسية، حيث يأتي تعيين كورمي سفيرة إلى سوريا بعد ثلاث سنوات قضتها سفيرة لفرنسا في مالطا. وفي دورها الجديد، خلفت كورمي، فرانسوا سينمود، الذي أصبح سفير فرنسا الجديد في بلجيكا.

وتبلغ كورمي من العمر 63 عاماً، وهي طالبة سابقة في معهد العلوم السياسية في باريس والمعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية، حيث حصلت على دبلوم عالي في الأدب العربي. وقد عملت كورمي، في السنوات الأولى من حياتها المهنية كممرضة، قبل أن تصبح باحثة في العلوم السياسية في “مركز دراسات وأبحاث الشرق الأوسط المعاصر” في العاصمة الأردنية عمّان، للفترة 1990-1995. 

كما عملت كورمي كذلك كملحق ثقافي وعلمي وتعاوني في السفارة الفرنسية في القدس حتى عام 1999، ثم عادت إلى فرنسا لتعمل على التوالي كمديرة مشروع ورئيسة مكتب في الإدارة المركزية لوزارة الخارجية الفرنسية (1999ـ2003). ومن ثم مرة أخرى مسؤولة عن البعثة، في نفس المكان حتى عام 2005، حيث تم تعيين كورمي مستشارة ثانية في السفارة الفرنسية في القاهرة. ثم بعد عام، مستشارة ثانية ورئيساً لقسم الصحافة في السفارة الفرنسية في بيروت، حيث عملت هناك لمدة ثلاثة سنوات.

وبعد أن أصبحت المستشارة الثانية ثم الأولى في السفارة الفرنسية في الدوحة بين عامي 2009 و2013، تم تعيين كورمي مديرة مشروع في مركز التحليل والتنبؤ والاستراتيجية في وزارة الخارجية الفرنسية (2013ـ2016). وفي العام 2016، تولت رئاسة السفارة الفرنسية في ليبيا، قبل أن يتم تعيينها بعد ذلك بعامين في آخر مهامها كسفيرة لفرنسا في مالطا، وفق المعلومات التي ترجمها “الحل نت”.

اقرأ أيضاً: أولويات واشنطن في سوريا.. التطبيع العربي أم النفوذ الإيراني؟

موقف فرنسا تجاه الأسد

منذ تسلم إيمانويل ماكرون رئاسة فرنسا، شهد الموقف الفرنسي تذبذباً، إذ صرح في عدة مناسبات، بأنه لا يرى بديلاً شرعياً للأسد، وأن بلاده “لا تعتبر الأسد عدواً لفرنسا بل عدواً للشعب السوري”.

وفي آب/أغسطس 2018، فرانسوا سينمود، ممثلا شخصيا لرئيس الجمهورية لدى سوريا.

وأوضحت الرئاسة الفرنسية في بيان حينها، أنها لا تعيد فتح سفارتها في سوريا، ونوهت إلى أن المنصب الدبلوماسي، هو ممثل شخصي للرئيس الفرنسي، سفيرا في سوريا.

وفي تصريح مناقض لسابقه قام به الرئيس الفرنسي ماكرون في 2018، والذي حذر من خلاله بأن “عودة الوضع إلى طبيعته” في سوريا مع بقاء بشار الأسد في السلطة سيكون “خطأ فادحًا”.

كما هدد الرئيس الفرنسي في العام نفسه، بتنفيذ ضربات في سوريا إذا ثبت استخدام دمشق أسلحة كيماوية ضد المدنيين، وفرض عقوبات على 25 كيانا وفردا من سوريا وفرنسا وكندا ولبنان، اشتبهت بضلوعهم ببرنامج الأسلحة الكيماوية السورية.

عودة العلاقات مع الحكومة السورية؟

وأعلنت وزارة الخارجية الفرنسية في وقت سابق، أنها لا تنوي استعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري.

وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان، في مقابلة مع قناة “BFM” الفرنسية 2019، إن تفعيل العلاقات مع حكومة دمشق “ليس مطروحاً” على الطاولة.

كما صرحت المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية، أغنيس فون دير موهل، في مؤتمر صحفي سابق، بأن إعادة فتح السفارة الفرنسية في سوريا “غير مطروح على جدول أعمال الخارجية”.

وكانت فرنسا قد قطعت علاقتها مع سوريا في عام 2012، وأغلقت سفارتها في دمشق، احتجاجا على سياسة الرئيس السوري بشار الأسد تجاه الاحتجاجات الشعبية، وطالبت برحيله ومحاسبته على “جرائم الحرب” التي ارتكبها وذلك في عهد الرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.