وسط استمرار المعارك والاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” في عدة مناطق بالعاصمة السودانية الخرطوم، ثمة زيارة مرتقبة لقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات “الدعم السريع” الفريق أول محمد حمدان دقلو الملقب بـ”حميدتي”، بهدف استئناف الوساطة السعودية الأميركية لوقف الحرب المستمرة منذ أشهر في السودان.

عدة مصادر سودانية مطلعة قالت، إن هناك تأخيرا في وصول حميدتي إلى جدة، بعد أن طلب تأكيد الدعوة السعودية الرسمية وتأكيد وصول البرهان إلى طاولة المفاوضات. لكن كافة المصادر الصحفية تشير إلى أن الجنرالَين المتحاربَين سيجلسان قريبا على طاولة واحدة للنقاش والتفاهم حول الحلول الممكنة لوقف إطلاق النار، ووضع خارطة طريق سياسية تشمل القوى المَدنية.

لذلك فإن السؤال الذي يطرح نفسه، هل يمكن تلمّس أي جدّية في المفاوضات المقبلة بين طرفي الصراع السوداني، ومن ثم تحديد الخطوط الأولية للتوصل إلى حل سياسي بشأن الحرب الدائرة هناك، وضمانات نجاحها، والعوائق المحتملة التي قد تقف في طريق التوصل إلى اتفاق جَدّي بينهما.

البرهان وحميدتي في السعودية

في السياق، قال مصدر سوداني مطلع لصحيفة “العرب” اللندنية اليوم الجمعة، إن تأخيرا حدث في وصول حميدتي إلى جدة، بعد أن طلب قائد قوات “الدعم السريع” تأكيد الدعوة الرسمية السعودية وتأكيد قدوم البرهان إلى طاولة المفاوضات، فيما تقول المصادر إن قائد الجيش ينتظر أن يصل إلى جدة خلال وقت قريب.

ممثلون عن طرفَي النزاع السوداني خلال توقيع اتفاق جدة في أيار/مايو- “رويترز”

يأتي ذلك في الوقت الذي بدأت فيه الأوساط السودانية تدرك مغزى الظهور المفاجئ لرئيس الحكومة السابق عبد الله حمدوك، وتتأكد من أن مذكّرته التي أرسلها إلى سكرتير الأمين العام للأمم المتحدة تتضمن رسالة تحثّ في مضمونها على السعي لوقف الحرب، وأن الطرفَين المتحاربَين على استعداد للتوصل إلى اتفاق ما.

يبدو واضحا أن البرهان بذهابه إلى المملكة يرغب بالدخول في مفاوضات جادة مع حميدتي، خاصة بعد أن رفضت الرياض استقباله الأيام الماضية ضمن جولات قام بها في عدة دول ثم إلقاء خطاب من على منبر الأمم المتحدة في نيويورك، حيث اشترطت المملكة موافقته على العودة إلى منبر جدّة أولا، والقبول بما يتمخض عنه من نتائج بشكل جَدّي.

الأكاديمي السوداني والأستاذ المساعد بقسم العلوم السياسية لكلية الآداب والعلوم الإنسانيّة بجامعة “منيسوتا” الأميركية، عماد بحرالدين، يقول إن هناك بالفعل عدة مصادر تحدثت عن لقاء يجمع البرهان وحميدتي معا في جدة بالمملكة العربية السعودية، بهدف التباحث عن مخرج لوقف هذه الحرب المستمرة منذ أشهر.

الباحث السياسي السوداني يرى خلال حديثه لموقع “الحل نت” أنه بمجرد جلوس الجنرالَين المتحاربَين على طاولة واحدة، فإن ذلك يدل على جدّيتهما في التفاوض، فضلا عن اهتمامهما بالتوصل فعليا إلى اتفاقٍ لوقف هذا القتال، خاصة وأنهما باتا يدركان أنه لا طائل من استمرار هذا الصراع إلا بجر البلاد إلى تهلكةٍ قد لا يحمل عوائقه ونتائجه أحد.

بالتالي يعتقد الباحث السياسي السوداني أنه سيتم التوصل إلى اتفاق مبدئي يؤدي إلى وقف إطلاق النار، والالتزام الجاد به وعدم تكرار الهُدن السابقة الفاشلة، ومن ثم البدء بمرحلة أخرى، أي رسم خارطة طريق سياسية بما يؤدي إلى إخراج البلاد من هذه الحرب.

على الرغم من حتمية اصطدام ذلك بجملة التعقيدات والعوائق التي تكمن في عوامل وأسباب هذا الصراع، إلا أن وجود وسيط قوي مثل السعودية والولايات المتحدة، قد يدفع بالطرفين إلى إيجاد خارطة طريق للحل السياسي، وذلك سيتم في حال تنحّى أطراف الصراع وباقي العناصر في القيادات باللجنة الأمنية المرتبطة بنظام حكم عمر البشير السابق، وبالتالي استئناف العملية السياسية من المربع الذي رسمه “الاتفاق الإطاري”، وأهم بنوده تسليم الجيش السلطة إلى حكومة مَدنية.

ضمانات النجاح

بحسب التحليلات والمعطيات، يبدو أن الرياض بالتنسيق مع واشنطن غير مستعدة لعودة منبر جدّة دون توافقات مسبقة مع الطرفَين المتصارعَين، وهو ما تم التمهيد له بحزمة من العقوبات الأميركية على الطرفين، ومن خلال محادثات غير معلنة مع قيادات قريبة من الجانبين أسفرت عن موافقة البرهان على التفاوض، حيث لم يمانع حميدتي في ذلك وأبدى استعدادا للتوقيع على اتفاق سلام لوقف الحرب.

من جانب آخر، قال المستشار السياسي لقائد قوات “الدعم السريع”، يوسف عزت، إن لقاء حميدتي بالبرهان، يمكن أن يتم متى ما حدث تقدم في المفاوضات، أو إذا كانت هناك قضايا تستدعي ذلك، مشيرا إلى أن “القضايا محل التفاوض ليست خلافات شخصية مرتبطة بأشخاص، بل هي قضايا تخص مستقبل السودان ووقف الحرب”.

السودان-“وكالات”

تصريح لصحيفة “الشرق الأوسط” يوم أمس الخميس، أشار عزت، إلى أن حميدتي قدّم رؤية للحل الشامل، ضمنها في خطابه للجمعية العامة للأمم المتحدة، ووضع تصورا أكثر وضوحا، ويتبقى الآن على البرهان أن يطرح تصوره للحل إذا كان على قناعة بالتفاوض، ويمتلك رؤية لحل الأزمة السودانية.

كما وأشار إلى أنه يمكن الوصول لوقف إطلاق النار طويل الأمد وفق القواعد المعمول بها دوليا، بما يسمح ببدء مفاوضات شاملة تشارك فيها القوى المدنية وممثلون لأصحاب المصلحة، تطرح فيها القضايا التي تسببت في الحروب المستمرة في السودان، وكذلك قضايا استقرار الدولة وإعادة تشكيلها على أسس العدالة والسلام والديمقراطية المستدامة، مرحّبا بدور السعودية والولايات المتحدة في السعي للسلام.

ضمانات نجاح الاتفاق في حال توقيعه، هي رغبة الطرفين في التوصل إلى تسوية سياسية ومن ثم القضاء على جماعة “الإخوان المسلمين” سياسيا وعسكريا واقتصاديا، باعتبار أن هذه الجماعة “الإخوانية” مثل الأخطبوط متغلغل في الدولة السودانية، ومنهم من نقل استثماراته إلى تركيا، وزيارة البرهان الأخيرة لتركيا ولقائه مع بعض القيادات هناك كان من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن إيقاف الحرب السودانية.

الباحث السياسي السوداني، عماد بحرالدين لموقع “الحل نت”

وكذلك الجهات المانحة والدول الكبرى مثل الولايات المتحدة والسعودية، الذين يدعمون وقف الحرب وإعادة بناء ما دمّرته الحرب خلال الأشهر الماضية، وكل من يدعم وقف الحرب وعدم تأجيجها، هم الضامنون الوحيدون للالتزام بأية اتفاقية توقّع بين الطرفين، وفق ما يحلّله الباحث السوداني.

معوقات وقف الحرب

يوم أمس الخميس استهدفت الولايات المتحدة عبر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية “أو إف أيه سي”، كيانين وفردا واحدا لدورهم في تقويض السلام والأمن والاستقرار في السودان. وأحد المستهدفين، هو علي كرتي وزير الخارجية في عهد الرئيس السوداني السابق عمر البشير، والذي أصبح الآن رئيسيا لـ”الحركة الإسلامية” المعروفة بجماعة الإخوان أو “الكيزان”، ويلعب دورا في تغذية الحرب حاليا، ويعيق الجهود المبذولة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار لإنهاء الصراع السوداني، كما وعارض الجهود المدنية السودانية لاستئناف التحول الديمقراطي المتوقف في السودان.

أما الكيانَين المدرجَين اليوم، هما شركات تابعة لقوات “الدعم السريع” التي تزودها بالأسلحة وتساهم في استمرار الصراع. وقال وكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، بريان إي نيلسون، إن إجراء اليوم يحاسب أولئك الذين أضعفوا الجهود الرامية إلى إيجاد حلّ سلمي وديمقراطي في السودان، مضيفا “سنواصل استهداف الجهات التي تعمل على إدامة هذا الصراع لتحقيق مكاسب شخصية”.

بينما يشير المحلل السياسي السوداني الدكتور عماد بحرالدين، إلى أن العقبات التي تقف في طريق التوصل إلى اتفاق أو نسف أي اتفاق ما، هم جماعة “الإخوان المسلمين” في السودان والقيادات العسكرية المحسوبة على “الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني”.

يعلم الجميع أن هذه “الإخوان المسلمين” ومن يقف خلفها، هم من يغذّون استمرار هذه الحرب، خاصة أنهم قالوا في وقتٍ سابق إنهم ضد “الاتفاق الإطاري”، لأن هذا الاتفاق يُعتبر خصم لهم، طبقا لعماد بحر الدين.

المحلل السوداني، استدرك بالقول، إن جماعة “الإخوان المسلمين” وتغلغلهم في مفاصل الدولة السودانية ومؤسساتها السيادية والعسكرية مثل الجيش، هو السبب في تفجّر الحرب وعدم توقفها حتى الآن، حتى أنه سمع أن المفاوضات التي سبق وأن جرت في جدة، كان سبب نسفها هم “الإخوان”.

مما يدعم هذه الفرضية العقوبات الأميركية الحديثة على علي كرتي، والذي يرأس حاليا “الحركة الإسلامية” وما يعرف بـ”الكيزان”، نظرا لأنه يعيق الأنظمة الديمقراطية والعمليات الديمقراطية. ويؤكد هذا القرار على أن جماعة “الإخوان المسلمين” وعناصر فلول النظام السابق، هم سبب عدم إيقاف الحرب السودانية، وفق تعبير المحلل السوداني لـ”الحل نت”.

كما أشار المحلل السوداني إلى أن هذه الجماعة لديها العديد من التصريحات التي تؤكد فيها، إما أن يكون هناك استسلام كامل أو تدمير كامل، أي أنهم يرغبون باستلام حكومة البلاد بأكملها أو سيدمرون السودان كله. كما فرضت واشنطن عقوبات على شركة تدعم قوات “الدعم السريع” وتزودها بالسلاح.

في العموم، التوصل لحلول أو مقاربة سياسية بين أطراف الصراع قد يكون مدخلا مهما لتحقيق السياقات أو المقدمات التي تبعث بالاستقرار في السودان، لكن التوصل إلى حلّ نهائي بشأن إحلال السلام في السودان من خلال هذه الأطراف المتصارعة لا يمكن الاعتماد عليه بشكل كامل لتحقيق الاستقرار الشامل في البلاد أو حلّ أزماتها جميعا. وهذا يتطلب تكامل وانخراط القوى المدنية والأحزاب المستقلة أيضا، بما يضمن حقوق جميع الفئات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات