تساءلت صحيفة “لوموند” الفرنسية، حول إذا ما كانت باريس ستصبح الملاذ الآمن في أوروبا لمجرمي الحرب السوريين، وإذا ما كان هؤلاء يسيرون في شوارع باريس، دون أن يتمكن ضحاياهم من تحريك أية دعوى على الإطلاق ضد أولئك الذين تسببوا بمقتل أقربائهم.

ووفق ما ترجم موقع “الحل نت” فإن الحكم الذي أصدرته الغرفة الجزائية لمحكمة النقض الفرنسية في 24 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، تجاه رجل الأمن السوري عبد الحميد.س، هو ما يؤشر على إمكانية إفلات مرتكبي الجرائم الحرب في سوريا من خلال تواجدهم في فرنسا.

تشير الصحيفة إلى أن حكم القضاة بأن المحاكم الفرنسية غير مختصة بمقاضاة السوريين الذين يعيشون في فرنسا على جرائم ضد الإنسانية ارتكبت في بلدهم الأصلي، على أساس أن القانون السوري لا يعاقب بشكل خاص الجرائم ضد الإنسانية.

ويتعلق هذا الحكم بأول قضية اتهام في فرنسا باسم الولاية القضائية العالمية أو الاختصاص العالمي في مسائل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. واستهدفت هذه القضية السوري عبد الحميد.س، الذي اعتقل في باريس ووجهت إليه لائحة اتهام في شباط/فبراير 2019 بتهمة “الاشتراك في جرائم ضد الإنسانية”، كونه كان يعمل في جهاز أمن الدولة. وقد تم اعتقاله في إطار تحقيق مشترك في فرنسا وألمانيا في إطار ما أطلق عليه “ملف قيصر”. ففي عام 2013، هرب مصور سابق في الشرطة العسكرية السورية، والمعروف باسم مستعار “قيصر”، من بلاده ومعه 55 ألف صورة لجثث معذبة وتجويع وتعذيب في سجون السلطات الأمنية لحكومة دمشق.

أربع عوائق

فُتح تحقيق في فرنسا عام 2015، بعد إحالة “ملف قيصر” من قبل وزير الخارجية آنذاك، لوران فابيوس، إلى قسم الجرائم ضد الإنسانية في محكمة باريس القضائية. وفي ألمانيا، أدى ذلك الملف إلى محاكمة عميلين سابقين في المخابرات العسكرية السورية، والمعروفين أيضاً باسم “الفرع 215” أو “فرع الخطيب”، في محكمة كوبلنز؛ الأول هو الضابط أنور رسلان، والثاني إياد الغريب. وأدين الغريب بتهمة المساعدة والتحريض على جرائم ضد الإنسانية وحكم عليه بالسجن أربع سنوات ونصف. أما رسلان، فينتظر الحكم في الأيام القليلة المقبلة.

وفي المقابل، في فرنسا، تم القضاء على العدالة، وبالتالي، فإن لائحة الاتهام ضد عبد الحميد، التي أكدتها غرفة التحقيق في كانون الثاني/يناير الماضي، ألغيت بحكم قضاة محكمة النقض. والرجل البالغ من العمر 32 عاماً، والذي تم الإفراج عنه بكفالة بعد عام من الاعتقال، أصبح الآن طليقاً تماماً. وكان عبد الحميد قد دخل فرنسا بشكل غير قانوني في العام 2015، وحصل على اللجوء عام 2018. ويشتبه في قيامه أثناء عمله في أمن الدولة باعتقال المتظاهرين وإرسالهم إلى معتقلات فرع “الخطيب”.

لقد فسرت محكمة النقض بطريقة ضيقة ومقيدة القانون رقم 9 للعام 2010، الذي ينقل نظام روما الأساسي المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية ومفهوم الاختصاص العالمي، إلى القانون الفرنسي.

وتوضح كليمانس بكتارت، المحامية في الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان، أن “هذا القانون يتضمن أربع عوائق تهدف إلى الحد من الاختصاص العالمي للمحاكم الفرنسية ومراقبة استخدامه عن كثب”. فممارسة الاختصاص العالمي هذا بات يحتاج إلى “الإقامة المعتادة” في فرنسا للشخص المتهم (باستثناء مسائل التعذيب والاختفاء القسري)، بالإضافة إلى احتكار الملاحقة القضائية بمكتب المدعي العام، الأمر الذي يمنع تقديم شكوى وتحريك الدعوى من قبل المدعي المدني.

أما الحاجة إلى المحكمة الجنائية الدولية لرفض اختصاصها، فقد تم التخلي عنها بعد تعديل تم اعتماده في عام 2019. وأخيراً يحتاج الاختصاص العالمي إلى “التجريم المزدوج”، باستثناء جرائم الإبادة الجماعية. وتتطلب هذه الفكرة الأخيرة، لكي يكون القاضي الفرنسي مختصاً، أن يكون بلد الشخص المستهدف بالإجراءات من الدول الموقعة على “نظام روما الأساسي”، أو أن التهم الموجهة إليه مجرّمة في قانون بلده. وبناءً على هذا الشرط الأخير، اعتمد قضاة محكمة النقض الفرنسية في إصدار حكمهم هذا. فقد أشاروا إلى أن مفهوم “الجرائم ضد الإنسانية”، غير موجود في القانون السوري!

وتضيف الصحيفة بأنه وبالنسبة للعديد من فقهاء القانون، كان هذا الفشل متوقعاً للعدالة الفرنسية. ولكن بعيداً عن الجدل القانوني، فإن صورة فرنسا، التي تريد أن تكون في طليعة المدافعين عن حقوق الإنسان ومكافحة الإفلات من العقاب، هي التي تضررت بشدة. والأمر الأكثر إثارة للصدمة هو حقيقة أن الحكومة الفرنسية ودبلوماسييها يواصلون العمل وخاصة التحدث علانية على الساحة الدولية، وكأن هذا المأزق التشريعي غير موجود. فقد رعت فرنسا، مساء الثلاثاء الماضي، العرض المقدم لأعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في نيويورك عن فريق عمل الطوارئ السورية، وهي منظمة سورية غير حكومية هدفها السعي لتحقيق العدالة في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت ضد الشعب السوري من قبل نظامه، لمنع وقوع المزيد من الفظائع ومكافحة الإفلات من العقاب.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.