المساعدات الإنسانية للسوريين: هل ما يزال العمل لكسب الرزق مجدياً في الأراضي السورية؟

المساعدات الإنسانية للسوريين: هل ما يزال العمل لكسب الرزق مجدياً في الأراضي السورية؟

باتت المساعدات الإنسانية للسوريين جانباً أساسياً من معالم الحياة الاجتماعية والاقتصادية لكثير من العوائل والأفراد داخل الأراضي السورية. سواء في مناطق سيطرة حكومة دمشق أو غيرها من المناطق. فمن المعروف والملموس أن الحرب السورية تسببت بزيادة نسب العائلات التي فقدت معيلها. وزاد الطين بلة التدهور الذي شهدته قيمة الليرة السورية. وما نتج عنه من ارتفاع في أسعار السلع. بما يفوق حجم القدرة الشرائية للمواطنين أضعافاً كثيرة.

ويتحدث كثير من المختصين عن الظروف الاقتصادية الكارثية، التي يعاني منها السوريون. في ظل تدني الأجور والرواتب التي يحصلون عليها. فدخل الأسرة قد لا يتجاوز ما يعادل ثلاثين دولاراً بالشهر في أحسن الأحوال.

ظروف تدفع بكثيرين إلى البحث عن سبل وطرق تعينهم على حياتهم. وعلى رأسها المعونات الإنسانية للسوريين، التي تقدمها عديد من الجهات الخيرية والمدنية والسياسية. فضلاً عن  انتظار تحويلات المغتربين. وصولاً إلى محاولة الحصول على قروض، رغم صعوبة تحصيلها. فإلى أي مدى تساعد هذه الأساليب في استمرار الحياة على الأراضي السورية؟ وما أثرها على القيم الاجتماعية والثقافية للسوريين؟

هل ما زالت الجمعيات الخيرية المحلية قادرة على تقديم المساعدات؟

قبل تكاثر الجهات المعنية بمسألة المساعدات الإنسانية للسوريين. كانت الجمعيات الخيرية المحلية أساس العمل الإنساني في البلاد. واقتصر نشاطها قبل عام 2011 على تقديم معونات للأسر الفقيرة، في حي أو منطقة معينة. تتكون من مواد غذائية وملابس. أو قد تأتي على شكل مبلغ شهري. تحدده الجمعية المعنية. تبعاً لحال الاسرة، بعد دراسة أوضاعها، والتأكد من حاجتها.

ومن أهم الأمثلة على تلك الجمعيات جمعية “حفظ النعمة” في ريف دمشق، التي بدأت عملها منذ عام 2009. ووصل عدد العائلات، التي تقدم لها المساعدة اليوم بشكل دوري، إلى حوالى ثلاث وأربعين ألف عائلة، بعدما أن كان هذا العدد في عام 2010 حوالى سبعة آلاف وخمسمئة عائلة.

“مأمون قويدر”، مسؤول العلاقات العامة في الجمعية، أوضح لـ«الحل نت»: «قبل الأزمة السورية كان تركيز الجمعية على الأسر الفقيرة، التي كنا نبحث عنها في الأحياء القريبة ضمن مدينة دمشق وريفها. ونذهب إليها لتقديم المساعدات كل شهر. أما اليوم فقد بات التركيز على الأسر المُهجّرة والمتضررة من الحرب، التي علينا مساعدتها بشكل فوري. لتأمين احتياجاتها الطارئة».

وأضاف “قويدر”: «مع زيادة عدد المستفيدين من المساعدات، أصبحنا نعتمد على برنامج الغذاء العالمي، المعني بتقديم المساعدات الإنسانية للسوريين. إلى جانب التبرعات الأهلية، التي يقدمها بعض الميسورين إلى أهالي المناطق المنكوبة بفعل الحرب في محافظات أخرى».

من جهته كشف “محمد الشهابي”، المسؤول الإداري في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية، لموقع «الحل نت» عن أعداد الجمعيات الخيرية المسجلة رسمياً في البلاد. والتي «بلغت 1461 جمعية في مناطق سيطرة الحكومة السورية. بعد أن كانت  نحو 1448 جمعية عام 2010. ويوجد منها في دمشق وحدها 509 جمعية».  

أهم المنظمات الدولية المقدمة للمساعدات الإنسانية

إلا أن الجمعيات الخيرية المحلية، المسجلة في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية، ليست المصدر الوحيد لوصول المساعدات الإنسانية للسوريين. فهنالك أيضاً المنظمات الدولية المهتمة بالملف الإغاثي.

وبعد اندلاع الحرب السورية تتالى حضور المنظمات الدولية لتقديم المساعدات الإنسانية للسوريين.  مثل منظمات “UNFPA”، “UNHCR”، “UNDP”، “FAW”، “OCHA”. إلا أن هذه المنظمات لا تمارس أنشطتها بشكل مباشر. وإنما تموِّل مؤسسات حكومية سورية. أو منظمات غير حكومية محلية. أو حتى منظمات دولية أخرى.

كما حضرت منظمات دولية، لا تتبع للأمم المتحدة، بعد حصولها على التراخيص الحكومية السورية والموافقات الأمنية. لتقديم المساعدات الإنسانية للسوريين. إما بتمويلها الخاص، أو بالمشاركة مع منظمات دولية أخرى. ومنها: “DRC” ،”OXFAM”،”PUI”، “ADRA” والصليب الأحمر الدولي.

وتشهد الساحة السورية تسابقاً في إظهار الدعم للسوريين المنكوبين في مناطق سيطرة الحكومة السورية وخارجها. وتعددت الدول، العربية والإقليمية والغربية، التي ارسلت معونات وطائرات محمّلة بالمواد الغذائية والطبية، والمواد الإغاثية للمُهجّرين والنازحين.

هل المساعدات الإنسانية للسوريين أكثر جدوى من العمل؟

وعلى الرغم من أن المساعدات الإنسانية للسوريين لا تغطي متطلبات كافة المحتاجين، إلا أنها باتت مصدراً أساسياً لحياة كثير من الأفراد والعائلات. وقد أدى هذا إلى نتائج اجتماعية غير متوقعة. فأثار الحرب لم تقتصر على الوضع الاقتصادي الكارثي. بل هناك ماهو قاتل أكثر. في ظل فقدان الأمل الذي خلّفه الدمار والفقر. أي نشوء جيل جديد غير طموح، ولا قناعة له بأن العمل والكفاح يمكن أن يبنيا له مستقبلاً. فيلجأ البعض إلى طرق أخرى لتأمين قوت يومه. أكثرها سوءاً التطوّع في الميلشيات المختلفة، التي تقاتل داخل البلاد أو خارجها. البعض الآخر لا تفكير له إلا الهجرة. فيما يلجأ كثيرون إلى البحث عن المعونات الاجتماعية.

وأكد سوريون تواصل معهم موقع «الحل نت» أن «عناء البحث عن عمل يسد الاحتياجات لم يعد مجدياً. وقضاء ثماني ساعات في دوائر الدولة، براتب لا يعيل الأسرة لأكثر من أيام معدودة، بات آخر الحلول، التي يفكر بها السوري. فيما تتمتع المساعدات الإنسانية للسوريين بجدوى أكبر في مواجهة ظروف الحياة الصعبة. في حال نجحت مساعي الجهة المانحة بوصولها فعلاً لمستحقيها».

“أم مريم”، من سكان ريف حمص، قالت لـ«الحل نت» أنها «تفضّل قضاء الوقت باحثة عن الجمعيات الأهلية والخيرية. وتقصي أخبار المساعدات. بدلاً من معاناتها السابقة للحصول على وظيفة في مديرية الخدمات الفنية، لا تؤمن لها سوى مرتباً لا يكفي لثلاثة أيام».

وتوضح “أم مريم”: «قُتل زوجي في الحرب. وأنا أعيل ثلاثة أبناء. وللأسف لم أجد عملاً آخر الى جانب وظيفتي. وإن وجدت فسيكون براتب قليل.  فسجّلت اسمي في إحدى الجمعيات الخيرية. وهي جمعية “كريم” الواقعة في مركز حمص المدينة. وأحصل منها بشكل شهري على الغذائيات، من أرز وعدس وزيت ومعكرونة ومنظفات. والحقيقة أنا أيضاً مستفيدة من جمعية أخرى هنا في ريف حمص. وسعر المواد الغذائية التي أحصل عليها مساوٍ لراتبي. فلماذا أتكلّف عناء التنقّل والمواصلات، التي لا نجدها؟».

الحوالات مصدر دخل أساسي للسوريين

وإلى جانب المساعدات الإنسانية للسوريين، التي تقدمها منظمات وجمعيات مختلفة. تلعب الحوالات المالية من المغتربين دوراً كبيراً في تأمين احتياجات الناس.  بعد أن هاجر كثير من السوريين القادرين على العمل إلى دول العالم المختلفة.

وأظهرت دراسة لمركز البحوث والسياسات  “opc” ، نُشرت في شهر تموز/يوليو هذا العام، أن «أكثر من ربع سكان العاصمة السورية دمشق يعتمدون على الحوالات المالية من الخارج في تغطية تكلفة معيشتهم. ونحو خمسين بالمئة منهم يعيشون تحت خط الفقر الدولي».

مقالات قد تهمك: الحوالات المالية الواردة للداخل السوري: طوق نجاة مع وقف التنفيذ

يقف “أحمد” في طابور طويل، أمام أحد مكاتب الحوالات في دمشق، ليستلم حوالة من أخيه “رأفت”، المقيم في الامارات العربية المتحدة منذ ثلاث سنوات. شارحاً لموقع «الحل نت» باقتضاب: «يرسل لنا أخي بشكل دوري مابين مئتين إلى ثلاثمئة دولار. هي عنده قد لا تساوي الكثير، لكنه يعلم أنه يقدم بها للأسرة معونة كبيرة. فوالدنا المتقاعد كبيرٌ في السن. وأمي ربة منزل. وعندي أختان».

ويستطرد بالقول: «لا أنكر أني لست مستعداَ للعمل في مهن صعبة وشاقة. لا تؤتي دخلاً كريماً. ولا تكاد تغطي مصاريف المواصلات. وبالتأكيد لن تشكل عائدات أي عمل سأجده سدس المبلغ المرسل من أخي. ما أفعله أني انتظر الفرج، لألحق بأخي في الإمارات. وهناك سأنجو بنفسي وبعائلتي من هذا الفقر».

المعاناة من قلة الأيدي العاملة

وبما أن العمل لم يعد يكفي لتأمين مصاريف الحياة. فيما تلعب المساعدات الإنسانية للسوريين الدور الأساسي لتغطية حاجيات العائلات. يعاني اليوم معظم أصحاب المعامل والورشات من تلكؤ العاملين وتململهم. في ظل ارتفاع الاسعار وانخفاض القيمة الفعلية للرواتب. يضاف لذلك عدم توفّر شباب للعمل. بحسب ما أفاد به “منصور قضماني” لـ«الحل نت»، وهو صاحب معمل قطنيات في إحدى ضواحي دمشق.  

“قضماني” يقول: «نادراً ما نجد عمالاً نضمن بقاءهم بعد تعليمهم العمل. فسرعان ما يتذمّر العامل من قلة المرتب. أو قد تراه ينتظر انتهاء وقت العمل ليلتحق بعمل آخر. فبتنا نعاني من قلة الأيدي العاملة، مع هجرة ألاف الشباب، وهروبهم من البلاد».

قروض المصارف بوصفها مساعدات إنسانية

المساعدات الإنسانية للسوريين والحوالات الخارجية ليست الطريقة الوحيدة للحصول على الدخل ومتطلبات الحياة. فهنالك أيضاً القروض. التي يرى البعض أنها قد تساهم بمساعدة الناس على إنشاء مشاريع صغيرة، تؤمن لهم دخلهم. وتجنّبهم ذل استجداء المعونات,

وتعددت المصارف والمؤسسات المالية، الحكومية والخاصة، التي  بدأت تعلن عن استعدادها لتقديم القروض للمواطنين. ففي أيلول/سبتمبر من العام الفائت 2020، بدأ المصرف التجاري السوري بمنح قروض عقارية. سقفها مئة مليون ليرة سورية. ثم لحقه المصرف العقاري في تموز/يوليو من العام الحالي. بمنح قروض سقفها خمسين مليون ليرة. كما بدأ “بنك التوفير” بمنح قروض سقفها مئة مليون. مطلع آب/أغسطس من العام الجاري.

وبينما تتفاوت شروط الحصول على هذه القروض صعوبةً. من حيث الضمانة العقارية والكفالة المطلوبة. يحتفي الإعلام الرسمي السوري بها. ويتحدث عن إيجابياتها على صعيد الاقتصاد السوري وحياة المواطنين على حد سواء. بما يجافي الحقيقة. فكثير ممن يحصلون على القروض يعملون على الاستفادة منها لتأمين مصاريف الهجرة. واستحصال تأشيرات السفر. بينما يعتبرها البعض مصدراً إضافياً. يساهم، مع المساعدات الإنسانية للسوريين، في تأمين بعض من متطلبات الحياة الأساسية. بحسب ما أكد للموقع عدد من المختصين والمواطنين.

ما الحلول سوى المساعدات الإنسانية والحوالات؟

“عبد اللطيف خليل”، ناشط اجتماعي سوري يقيم في البرازيل منذ سبع سنوات، يمتهن التسويق الإلكتروني، ويرى أن «الأسلوب الأمثل لمساعدة السوريين هو إعانات المغتربين. ولكن ليس فقط عن طريق إرسال الحوالات، أو التبرّع للجهات المعنية بتقديم المساعدات الإنسانية للسوريين. بل بالسعي لتوفير فرص عمل كريم لهم. كي لا يغرق المجتمع السوري بالتكاسل والاتكالية».

ويشرح “خليل” لموقع «الحل نت» وجهة نظره بالقول: «يجب العمل على الموازنة بين المعونات النقدية، التي يضطر المغترب لإرسالها إلى أهله. وبين قيام الميسورون وأصحاب المشاريع، المقيمين في الخارج، بتأمين فرص عمل عبر الإنترنت. وتوظيف الشباب في منصات عمل إلكترونية، وتشجيعهم على هذا النوع من العمل. فالحوالات تعلّم الاتكالية. والحصول على المال السهل».

المغترب السوري يدرك صعوبة تحقيق هذا الحل. في ظل انقطاع الكهرباء وخدمات الإنترنت عن الأراضي السورية، إلا أنه يختتم حديثه بالقول: «أعلم أن شروط العمل عن بعد في سوريا تصطدم بواقع خدمي مرير. لكن لابأس من المحاولة. أقله لتشجيع الشباب على فكرة العمل مقابل الأجر، وعدم الاعتماد فقط على المعونات الإنسانية للسوريين».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.