يضاعف قيام الحكومة السورية باستثمار أراضي مهجري ريفي حماة وإدلب من تنامي النزاعات العائلية، حيث تضغط القرارات المتعلقة بطرح هذه الأراضي للاستثمار مع الإفصاح عن أحقية أقارب المهجرين بالانتفاع بأراضيهم، باتجاه تهشيم ما تبقى من دعامات تقوم عليها الأسرة السورية.

رغم أن عبد الحميد وليد (اسم مستعار)، مالك أراضي وأشجار زيتون وفستق حلبي بخان شيخون جنوبي إدلب، لم يخول ابن عمه الذي لا يزال يقطن في المنطقة بحق التصرف بأراضيه، إلا أن قريبه بات يزرع الأراضي ويجني ثمار الزيتون والفستق كما لو كان يتملكها، ما يجعل عبد الحميد يتميز غضبا من قريبه؛ بحسب ما يؤكد للحل نت.

ويشير عبد الحميد الذي يمتلك 80 دونما بالقرب من خان شيخون إلى أنه ومنذ مغادرته المدينة خلال عام 2019 عشية تمدد القوات الحكومية نحوها، لم يحصل على ليرة واحدة من عائدات محاصيله الكبيرة، فقد استولت الحكومة عليها وبعد ذلك منحت الأرض لابن عمه الذي يستثمرها لجيبه الخاص.

خلال حديث لـ”الحل نت” يقول أيمن عبد النور، مدير موقع “كلنا شركاء”، إن دفع الحكومة السورية باتجاه استثمار أقارب المهجرين لأراضيهم يأتي من “منطلق أنه كلما زادت التفرقة بين قاطني مناطق المعارضة وأقاربهم في مناطق الحكومة السورية، كلما قويت (هذه الحكومة) لأنها ستغدو بمثابة الحكم بين الطرفين”.

دس السم في الدسم؟

من جانبه، كشف موقع “سيريا ريبورت” عن إعلان الأمانة العامة لمحافظة حماة في شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، عن قبول طلبات استثمار الأقارب للأراضي السليخ “غير المزروعة بالأشجار” ولموسم واحد، بحيث تكون الأفضلية في الاستثمار للأقارب حتى الدرجة الثالثة المقيمين في المنطقة. وتضم درجة القرابة الأولى: الوالد والوالدة والزوجة والأبناء، بينما الدرجة الثانية فتضم الجد والجدة والأخ والأخت وابن الابن، والدرجة الثالثة تضم الأعمام والعمات وأبناء الأخ.

وجاء ذلك الإعلان بناء على كتاب من وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي في أواخر شهر آب/أغسطس المتضمن “خطة عمل ضمان الأراضي الشاغر” والمقرر إعلانها للاستثمار الزراعي لموسم 2021-2022.

وبحسب الموقع أشارت وزارة الزراعة، بحسب كتاب صادر عنها أواخر شهر تشرين الأول/أكتوبر، إلى أن الأولوية هي لتنظيم اتفاق الأقرباء فيما بينهم لاعتماد أحدهم لاستثمار الأرض، وفي حال عدم الاتفاق يتم تطبيق درجة القرابة بالأفضلية.

وزارة الزراعة أشارت في كتابها بأن الأراضي المُصادرة تدخل ضمن المزادات العلنية العادية، ولا تنطبق عليها مزادات الأقارب. وعادة ما تشير كلمة الأراضي المصادرة إلى أملاك المُعارضين المتهمين بـ”الإرهاب” أمام “محكمة الإرهاب“، أو الأراضي التي استولت عليها مليشيات موالية للنظام.

بدوره، يشير عبد النور إلى أن الحكومة السورية تحاول تجنب أي مساءلة محتملة حول ممتلكات المُهجرين حيث تعرض أراضيهم للاستثمار دون نقل ملكيتها للمستثمر الجديد باستثناء الأراضي التي تطالها أحكام قضائية أو عقوبات أو غرامات مالية لم يقم أصحابها بتسديدها. “لذلك تحرص على عدم الاستيلاء بشكل مباشر على الأراضي التي ليس عليها أحكام قضائية بل تلجأ للتلاعب ودفع أشخاص موالين للاستحواذ عليها وبالتالي تثير النزاعات بينهم وببن الملاك الأصليين”.

رسائل سياسية؟

أصدرت الحكومة السورية سلسلة من القرارات التي تستهدف بشكل ضمني عقارات المُهجرين بين عامي 2012 و2018. من بينها القانون رقم 40 للعام 2012 الذي ينص على إزالة الأبنية المخالفة مهما كان نوعها وموقعها.

والقانون رقم 10 للعام 2018 الذي يقضي بالسماح بإنشاء مناطق تنظيمية في جميع سوريا، وينص على إبلاغ الملاك الأصليين بتثبيت ملكيتهم للعقار خلال 30 يوما من صدوره وإلا فتستملك الدولة هذا العقار ولن يتم تعويض مالكه بأي مقابل. إضافة للقانون رقم 3 للعام 2018 الذي يتضمن توصيف المنشآت المدمرة والمتضررة، وترحيل الأنقاض وتوزيع نفقاتها وأثمانها على مستحقيها، حيث يعد بوابة لتطبيق القانون رقم 10.

يرى الباحث الاقتصادي يونس الكريم، أن معظم أراضي وممتلكات المهجرين تقع في قلب المشاريع الاستثمارية للحكومة السورية سواء في دمشق وريفها أو في المحافظات الأخرى وبالتالي تؤثر هذه النقطة على نظرة الحكومة لممتلكات المُهجرين وسعيها للاستحواذ عليها.

ويضيف الكريم لـ”الحل نت” أن الحكومة “تستغل فرصة أن قانون الإرهاب فضفاض وغير واضح لبسط سيطرتها على هذه الممتلكات، على غرار ما جرى قبل عقود في منطقة المزة 86”.

إلى الآن، لم يتم تطبيق خطة حكومة دمشق في استملاك أراضي وعقارات المهجرين لاسيما المعارضين المطلوبين لمحكمة الإرهاب على منحى واسع. ويرجح الكريم أن للحكومة السورية غايات أمنية وسياسية من جميع قراراتها المتعلقة بممتلكات المهجرين وهي ترتبط بمحكمة الإرهاب، لذلك يمكن ترجيح الغايات السياسية التي توجه رسائل للمهجرين بأن عودتهم غير متاحة، على الأهداف الاقتصادية التي يمكن اقتناصها من عملية الاستحواذ على الممتلكات.

في نفس السياق، يرجح الكريم وجود خطة ستعمل عليها الحكومة في وقت لاحق لاستملاك أجزاء واسعة من عقارات وأراضي المعارضين.

خرق للدستور السوري

يعتبر غزوان قرنفل مدير “تجمع المحامين السوريين” خلال حديث لـ”الحل نت” أنه “من الوجهة القانونية فإن قيام السلطات الحكومية بطرح ممتلكات المهجرين قسرا للاستثمار هو خرق للدستور الذي نص على حماية حقوق الملكية الشخصية، كما أن هذه القرارات تجاوز على القانون الذي خص المالك وحده بحقه في إدارة واستثمار أمواله” .

ويتابع بأن طرح هذه الأراضي للاستثمار من قبل أقارب أصحابها هو من حيث المبدأ يفترض أن يكون إيجابيا لصالح الملاك لأن أبناء عائلته الأوسع ربما يكونون أكثر حرصا على حسن استثمار تلك الأراضي والمحافظة عليها وخدمتها، “لكن مع الأسف وفي كثير من الحالات كانت النتائج عكسية بالنظر لحجم التذرر والانقسام المجتمعي حتى داخل العائلة الواحدة على خلفية المواقف السياسية من حكومة دمشق” .

نظريا، فإن طرح تلك الأراضي للاستثمار لا يجب أن يحرم أصحابها من غلالها وعائداتها المالية التي يجب أن يتم إيداعها في حساب خاص بمالكيها. لكن ما يحصل -وفقا للمحامي قرنفل- أن “تلك العائدات تستحوذ عليها السلطة لصالح مجهودها الحربي ولصالح الجرحى والمصابين من جيشها الذي استباح حياة السوريين وها هو يستبيح حقوقهم في ممتلكاتهم”.

بينما يرى أيمن عبد النور أن منهج حكومة دمشق يقوم على التفرقة بين كل مكونات الشعب السوري: القبائل، الإثنيات، الأعراق، والمذاهب وانتهاء بالأسرة السورية بحد ذاتها، بهدف إضعافها والسيطرة عليها.

يرى عبد النور بأن تصرفات الحكومة تثير الخلاف والشقاق سواء في الوقت الراهن أو حتى في حال تمكن المهجرون من العودة مستقبلا.

عدا عن قضية إثارة البلبلة وإحداث شرخ اجتماعي بين المهجرين وأقاربهم هناك غايات أخرى -وفقا لعبد النور- وتتمثل في دعم وتقوية الأشخاص المقربين من الحكومة بالسماح لهم بوضع اليد على هذه الممتلكات ما يمتن ولاءهم وتبعيتهم لها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.