هجرة شباب الجنوب السوري: ماذا تستفيد حكومة دمشق وداعموها من تفريغ البلدات الحدودية؟

هجرة شباب الجنوب السوري: ماذا تستفيد حكومة دمشق وداعموها من تفريغ البلدات الحدودية؟

هجرة شباب الجنوب السوري، في محافظات درعا والقنيطرة والسويداء، شهدت ارتفاعاً كبيراً في السنوات الماضية. لدرجة يتحدث بها بعض المراقبين عن إفراغ المنطقة من شبابها.

الهجرة الواسعة انعكست على جميع مظاهر الحياة. وأدت لتبعات اجتماعية واقتصادية خطيرة. فقد أكدت مصادر محلية لموقع «الحل نت» أن الأوضاع الاقتصادية في الجنوب السوري، وخاصة درعا والقنيطرة، تتجه إلى مزيدٍ من التدهور، منذ توقيع اتفاق التسوية، الذي تم التوصّل إليه برعاية روسية في تموز/يوليو 2018، بين فصائل المعارضة سابقاً والحكومة السورية. وذلك نتيجة غياب النشاط الاقتـصادي والاستـثماري عن المـنطقة. وبدورها قدّمت حكومة دمشق تسهيلات أمنية لخروج الشباب من المنطقة الجنوبية.

فلماذا يهاجر الشباب بهذه الكثافة من الجنوب السوري؟ وهل للحكومة السورية مصلحة بذلك؟

أسباب هجرة شباب الجنوب السوري

الناشط السياسي “أحمد مسالمة” تحدث لموقع «الحل نت» عن هجرة شباب الجنوب السوري. قائلاً: «الحكومة السورية تمكّنت من خلق  شرخ كبير في النسيج المجتمعي السوري. عن طريق الضغط السياسي والأمني. وفرض قيود على العمل. والطلب للخدمة الإلزامية. إلى جانب الأوضاع الاقتصادية المتردية، التي يعاني منها الشباب. فلم يبق لهم خيار سوى الهجرة».

ويتابع “مسالمة”: «من بقي في الجنوب السوري معرّض للاعتقال. أو السقوط ضحية الفوضى الأمنية، من اغتيال وخطف. وغيرها من ممارسات العصابات المنفلتة في المنطقة. ومن يتمكّن من وقاية نفسه من كل هذا سيواجه الركود الاقتصادي غير المسبوق. الذي يجعل البطالة هي القاعدة. بعض الشباب لم يبق أمامهم سوى التطوّع في الميلشيات والفصائل المسلّحة، المقاتلة مع مختلف أطراف الصراع. ولهذا فإن الهجرة تبقى الخيار الأمثل لكثيرين. وهكذا أصحبت مدن الجنوب السوري شبه خاوية».   

واعتبر الناشط السوري أنه « بعد هجرة شباب الجنوب السوري بأغلبيتهم، لم يبق إلا نسبة قليلة منهم. تتدبّر أمرها بطرق مختلفة. فبعض من تبقّى وحيد لأهله، وغير مطلوب للخدمة الإلزامية. وآخرون يمارسون حياتهم بشكل سري، لا يستطيعون الخروج للعلن، خوفاً من الاعتقال أو السوق للتجنيد».

ويخلص “مسالمة” للقول إن «حكومة دمشق حريصة على إبقاء ذلك الشرخ الاجتماعي، واستمرار هجرة شباب الجنوب السوري. لأنها تدرك أنه ليس باستطاعتها السيطرة على المجتمع، وفرض هيبتها عليه، إلا بإزالة فئة الشباب بأكملها. لأنها الفئة التي احتجّت ضد ممارسات السلطة السورية. ولو بقت على أرضها فستعود الاحتجاجات يوماً ما. ومن الواضح أن الحكومة السورية تريد السيطرة على المجتمع قبل السيطرة على الأرض. وطريقتها في ذلك تدمير المجتمع نفسه».

إفراع الجنوب من المعارضين

الباحث السياسي “سعد الشارع” يرى أن هجرة شباب الجنوب السوري «جانب من حالة عامة بكل المناطق السورية بعد عام 2018 . ولكن لحالة المنطقة الجنوبية خصوصية عن بقية المناطق. لقربها من لبنان والأردن. مما يسهّل خروج  الشباب منها».

ويتابع “الشارع” في حديثه لـ«الحل نت»: «حكومة دمشق قضت على المعارضة بشكل شبه كامل، بعد أن أجبرت سكان الجنوب على الدخول في مصالحات وتسويات. فتوجّه عدد من الشباب إلى محافظة إدلب في الشمال السوري. وهرب آخرون إلى خارج البلاد. وهكذا استطاعت كسر شوكة مقاومة أي إجراء تتخذه في المنطقة».  

ويشدد الباحث السوري على «أهمية المنطقة الجنوبية، باعتبارها الطريق الوحيد الذي يربط سوريا مع الأردن. ولهذا فإن هجرة شباب الجنوب السوري حققت منفعتين لحكومة دمشق: أولاهما أنها ضمنت السيطرة الكاملة على المنطقة بعد هجرة شبابها. وصار بإمكانها تنفيذ كل المشاريع الاقتصادية، المزمع البدء بها بالشراكة مع الأردن. مثل “خط الغاز العربي” والربط الكهربائي وغيرهما؛ وثانيهما أنها أرضت الميلشيات الموالية لإيران، المهتمة بشدة بالمنطقة الجنوبية، والراغبة بالتوسّع فيها. لتضمن طريق تجارة المخدرات، التي تمر بالجنوب السوري، ثم الأردن. وصولاً إلى دول الخليج العربي، التي تعتبر من أكثر الدول المستهلكة للمخدرات في الشرق الأوسط».

التهجير وإعادة هيكلة الجنوب السوري

“د.فراس شعبو”، المتخصص بالاقتصاد، يركز، في حديثه لـ«الحل نت»، على ربط تجارة المخدرات في المنطقة بسعي حكومة دمشق لتشجيع هجرة شباب الجنوب السوري. قائلاً: «أبدعت الحكومة السورية وحلفاؤها في تصدير المخدرات للعالم. والتقارير الأممية تتحدث عن أن أكبر مافيا للمخدرات في العالم تنشط في سوريا».

ولفت الباحث السوري إلى أن «الدول المارقة، التي تتبع سياسة عنيفة ضد شعبها، دائماً ما تلجأ لاعتماد سياسة تصدير وإنتاج مواد غير شرعية. مثل المخدرات. بسبب عدم قدرتها على استثمار مواردها الطبيعية. وركود اقتصادها. وتوقف عجلة الإنتاج فيه». مرجحاً أن «ما تستطيع وسائل الإعلام الدولية كشفه حول الممارسات غير الشرعية للحكومة السورية وحلفائها، لا يشكّل إلا نسبة ضئيلة مما يقومون به حول العالم من نشاطات، تُدخل في رصيدهم أموالاً طائلة».  

ويعتبر “شعبو” أن «تسهيل هجرة شباب الجنوب السوري من قبل حكومة دمشق جزء من مخطط شامل لإعادة هيكلة المنطقة.  فهي تسعى لإعادة تطبيع العلاقات مع مختلف الدول. مثل الجزائر ومصر والأردن. وهنالك حديث عن عودة معبر “نصيب” على الحدود الأردنية-السورية للعمل. باعتباره وسيلة مهمة لإعادة إنعاش السلطات السورية اقتصادياً. إلا أن هذا لن يعود بالفائدة على الشعب السوري. بل سيكون لمصلحة مسؤولي النظام الحاكم، الذي تحوّل إلى مافيا منظّمة. لا تبالي بحرمان وفقر شعبها».  

دور إيران في هجرة شباب الجنوب السوري

مصدر من داخل محافظة درعا، تحفّظ على ذكر اسمه، أكد لموقع «الحل نت» أن «عمليات التهريب في الجنوب السوري، وخاصة تهريب المخدرات، تتم بالتواطؤ بين مهربين وضبّاط من الفرقة الرابعة، التي يقودها ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري بشار الأسد. والمرتبطة بإيران».

وبحسب المصدر فإن «إيران تعتقد أن هجرة شباب الجنوب السوري تخلي المنطقة من المعارضين لتوسّع نفوذها. وهي لذلك تسهّل عمليات التهريب، تخلّصاً من الذين يشكّلون حجر عثرة أمام تنفيذ مشروعها. الهادف إلى السيطرة عسكرياً واجتماعياً واقتصادياً».

متابعاً: «الجوهر في عملية تسهيل هجرة شباب الجنوب السوري إخلاء المنطقة من أية فئة شبابية قادرة على حمل السلاح. لذلك تم السماح لكثيرين بالخروج من البلاد. عبر منحهم تأجيلاً في أداء الخدمة الإلزامية لمدة عام. وبالتالي يصبحون قادرين على السفر». لافتاً إلى أن «الشباب، الذين خرجوا من البلاد، باتوا في أوضاع أفضل مما كانت عليه حياتهم في مدنهم وبلداتهم. بينما يشعر من تبقّوا بالحرمان والفقر. فلا يفكرون إلا بالهجرة لتحسين أوضاعهم. رغم المبالغ الباهظة، التي قد يضطرون لدفعها».

مقالات قد تهمك: الأردن يستثمر في ملفّ الجنوب السوري بـ”خريطة طريق”

كذلك يشعر سكان الجنوب السوري، بحسب المصدر، بانخفاض كبير في تقديم الخدمات والمساعدات الإنسانية، عما كان الوضع عليه قبل توقيع اتفاقيات التسوية. فقد «غاب دور المنظمات الدولية. واقتصر العمل بشكل محدود على فرعي منظمة الهلال الأحمر العربي السوري في درعا والقنيطرة. مع بعض الجمعيات المحلية، التي يقتصر عملها على الدعم النفسي وإقامة الندوات. وساهم هذا في تراجع حاد في المستوى المعيشي، وانخفاض معدلات الدخل، وتفشي البطالة».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.