أزمات المعارضة السورية: هل ما يزال هنالك دور للمعارضين مع إعادة تعويم الأسد؟

أزمات المعارضة السورية: هل ما يزال هنالك دور للمعارضين مع إعادة تعويم الأسد؟

تتصاعد أزمات المعارضة السورية يوماً تلو الآخر. ولا تتوقف التجاذبات داخل “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” عن تلغيم الصراع الذي بلغ ذروته. متسببا بانشطار الائتلاف إلى نصفين. إثر التباينات الناجمة عن تعديل نظامه الداخلي بنسخته الأولية (المسودة). وتنطبق التناقضات نفسها على إدخال حزمة المستقلين الجدد لهيئة التفاوض السورية.

وكثّفت قوى المعارضة السورية تحركاتها، في الآونة الأخيرة. فقد زار سالم المسلط وأنس العبدة، رئيسا الائتلاف المعارض وهيئة التفاوض، العاصمة القطرية الدوحة. والتقى رياض حجاب، رئيس الوزراء السوري المنشق. مع معاذ الخطيب، الرئيس الأسبق للائتلاف المعارض، للتباحث في الأوضاع الميدانية والسياسية.

ومن المنتظر أن تعقد “ندوة بحثية” في الدوحة، في الخامس والسادس من شباط/فبراير، بدعوة من مراكز أبحاث ودراسات سورية، بالشراكة مع مكتب رياض حجاب. لمناقشة وتقييم المرحلة السابقة في ضوء التحولات الإقليمية والدولية، وتراجع الاهتمام الدولي بالملف السوري، باستثناء الوضع الإنساني، الذي أصبح على طاولة المفاوضات الروسية الأمريكية. منذ قمة رئيسي البلدين في جنيف منتصف العام الماضي. فهل من الممكن تجاوز أزمات المعارضة السورية؟ ولماذا وصلت الأمور إلى هذا الحد من التدهور؟

أسباب أزمات المعارضة السورية

يتفق كثير من المحللين على وجود عدة عوامل، ساهمت في تصعيد أزمات المعارضة السورية. وعلى رأسها المحاصصة الطائفية والحزبية. مما جعل الأجسام السياسية للمعارضة عاجزة عن إيجاد حلول لمشاكلها الداخلية. إضافة إلى الاصطفافات الإقليمية، التي تتمسك بها بعض أطراف المعارضة. من خلال وقوف كل طرف إلى جانب محور إقليمي، والالتزام بـ”توصياته”.

ووصل الحال بالمعارضين السوريين للاختلاف على كل شيء. بما في ذلك المسارات الداعية للحل السياسي. مثل مساري أستانا وسوتشي. اللذين كانا مستهلاً لإصدار الدول المعنية بالملف السوري قوائم بأسماء الشخصيات المفضّلة لها. والتي شّكل كل منها ضلعاً في مثلث وفود “اللجنة الدستورية” (وفد دمشق، وفد المعارضة، وفد المجتمع المدني).

وكانت أعمال اللجنة الدستورية قد انطلقت قبل نحو سبعة وعشرين شهراً، دون أن تتقدم خطوة واحدة باتجاه إنشاء دستور جديد للبلاد. أو حتى إصلاح دستور 2012 المعمول به حالياً في سوريا.

وفي المقابل، وأمام كل أزمات المعارضة السورية، والاتهامات التي تتعرّض لها. يتساءل كثيرون: هل تتحمّل المعارضة وحدها مسؤولية فشل المجتمع الدولي بإنهاء النزاع المسلّح في سوريا. وإجبار جميع الأطراف على الجلوس على طاولة المفاوضات. تنفيذاً للقرار الدولي 2254، الذي بات خارطة الطريق الوحيدة للحل السياسي السوري؟ خاصة في ظل تعارض أجندات الدول المتداخلة بالشأن السوري. وعلى رأسها روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.

«لا حديث عن تغيير النظام في سوريا»

وأدت تصريحات “غير بيدرسون”، المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، إلى تصاعد أزمات المعارضة السورية، وأثارت مزيداً من الارتباك في صفوفها. فقد كان بيدرسون قد صرّح، في العاصمة الإيرانية طهران، أنه «لا يوجد بين الجماعات والأطراف السیاسیة أي حديث عن تغيير النظام في البلاد. في ضوء الوضع الراهن». الأمر الذي دفع أنس العبدة إلى لقاء بيدرسون في الدوحة. مؤكداً أن الأخير «نفى جميع تلك الأقاويل حول أن الأطراف السورية لا تتحدث عن تغيير النظام». مضيفاً أنه «طالب خلال اللقاء بتثبيت أول بند في المحضر حول موقف هيئة التفاوض. القائم على تمسكها بتطبيق كامل القرار الدولي 2254. وتحقيق الانتقال السياسي، الذي يلبي طموحات الشعب السوري».

وكذلك استنكر العبدة «إحجام الأمم المتحدة عن فتح بقية مسارات القرار 2254. والقيام بدلاً من ذلك بطرح منهجيات جديدة غير واضحة وغير محددة. مثل طرح “خطوة بخطوة”، الذي يؤدي إلى تمييع القرار 2254». محذّراً من أن «هكذا سلوك قد يؤدي إلى شرعنة النظام». وداعياً الأمم المتحدة إلى «مراجعة منهجيتها».

موقع «الحل نت» تواصل مع “د.يحيى العريضي”، عضو هيئة التفاوض واللجنة الدستورية، الذي تطابق رأيه مع حديث زميله في الهيئة أنس العبدة حول تصريح بيدرسون. وتمسّك المعارضة السورية بالقرار الدولي 2254.

وأكد “العريضي” أنَّ «أزمات المعارضة السورية تعود إلى التصحّر السياسي، الذي فرضه حكم الأسدين في سوريا على مدى العقود الأربعة، التي سبقت الثورة السورية. واضطرار المعارضين إلى ممارسة العمل السياسي سراً. بينما “المعارضة” حالة سياسية تستلزم وجود أحزاب فاعلة. تمارس نشاطاتها على أرض الواقع، وليس من خارج حدود بلدها».

لكنه في الوقت نفسه لم ينفِ «العوامل الذاتية، التي دفعت المعارضة السورية للوصول إلى وضعها الحالي. بسبب تفضيل البعض لمصالحه الشخصية على حساب المصلحة العامة. وكذلك التدخّلات الخارجية، التي استنفدت المعارضة والقضية السورية».

لا حل لأزمات المعارضة إلا إسقاطها

المعارض السياسي “كمال اللبواني” لديه رأي مختلف حول أزمات المعارضة السورية. إذ قال، في حديثه لـ«الحل نت»، إنَّ «المعارضة الحالية لا تاريخ ولا ماضٍ لها». مضيفاً أن «دولاً خارجية صنعت المعارضة السورية في الفنادق. بعيداً عن أنظار السوريين. دون أية معايير أو انتخابات. وفرضتها بالتدليس والنفوذ والمال السياسي. ما جعل المعارضين مجموعة من الانتهازيين والفاسدين والعملاء، الذين لا علاقة لهم بالثورة السورية. بل يعملون لصالح الدول، التي أرادت سلب القرار السياسي للشعب بهذه الطريقة، لانتزاع إرادته وتزييفها». حسب تعبيره.

وأكد أن «المعارضة بشكلها الحالي تخدم مصالح الدول المتدخلة بالقضية السورية، تحت أسماء ومبررات مختلفة. منها كونها دول جوار أو دولاً عربية أو صديقة. ومعظم هذه الدول يخشى التحوّل الديموقراطي. ويريد الإبقاء على نظام القمع في سوريا. وقتل كل أمل في الحرية لدى الشعوب العربية».

وفي معرض حديثه عن أزمات المعارضة السورية يتساءل المعارض السياسي: «أين آلية اختيار وتجديد الممثلين؟ وأين المنظمات السياسية المزعومة؟ كل الممارسات التي نراها تحت مسمى “المعارضة”، تعود إلى انتهازية أعضائها وطاعتهم. في حين أن كل شخص له رأي وانتماء وموقف، وكل ثوري حقيقي، تم إقصاؤه. وحُرم الشعب السوري المنكوب من تشكيل أحزابه وقواه السياسية بعد تسمية هؤلاء ممثلين له. والشعب السوري منهم براء».

ويرى “اللبواني” أنه لا حل فعلي لأزمات المعارضة السورية. فـ«إسقاط النظام يبدأ بإسقاط هذه المعارضة. ويمرّ بإسقاط مسار التجديد والإبقاء على الأسد. وتغييب العدالة والقصاص ومحاسبة المجرمين، الذي سارت به هيئة التفاوض منذ عام 2013 وحتى اليوم. والذي لم يسفر سوى عن التنازل والتسليم درجة تلو أخرى. ومنطقة إثر منطقة. وما ستجتمع عليه المعارضة في النهاية هو الإبقاء على الأسد، والعدالة التصالحية، التي تقفز فوق حقوق الشعب وتقتل ثورته. فهم معارضة للثورة والشعب، وليسوا معارضة للنظام. بل شركاء وحلفاء».

هل سيحل اجتماع الدوحة أزمات المعارضة السورية؟

وتطرّق “اللبواني” إلى لقاء الدوحة، الذي من المفترض أن يساهم بحل أزمات المعارضة السورية، قائلاً: «قطر تجدد دماء الائتلاف المعارض واللجنة الدستورية، بالدعوة لاجتماع جديد. وتوزيع الأموال والمناصب على كل من يقبلون مهزلة التسليم والتصالح مع القاتل الأسد، والقفز فوق كل جرائمه، وتجاهل موضوع العدالة والعقاب. ويعود السبب إلى أن قطر تريد البقاء في الوسط. وعدم استعداء إيران وتركيا وروسيا».

وأرجع ذلك إلى «سعي الدوحة لتجنّب الانخراط في المحور العربي-الغربي المعادي لإيران. بعد أن فشل محور السعودية- الإمارات في اقناع الأسد بالتخلي عن الإيرانيين. والعودة إلى الحضن العربي».

مبيناً أنّ «الرابح في النهاية هو الأسد، الذي لم يتوقف الدعم العربي له بطرق وأشكال متعددة. والخاسر هو الشعب السوري بدمائه ووطنه وأبنائه. بينما يتمتع مجموعة انتهازيين وخونة بأموال قبضوها من هذه الدولة أو تلك. بعد أن لعبوا دور ممثلي الشعب السوري، لكنهم خانوا قضيته، بل ويعتاشون عليها».

مقالات قد تهمك: إخوان سوريا يكشِفون عن تواطئهم مع حكم الملالي

وفي الوقت الذي تتصاعد فيه أزمات المعارضة السورية. ويتبادل رموزها الاتهامات، تكثّف بعض الدول العربية جهودها لإعادة مقعد حكومة دمشق في مجلس جامعة الدول العربية. مما يضعف دور المعارضة على الصعيد الإقليمي. ويضعها أمام اختبار جديد، في كيفية إنتاج أدوات مختلفة، تعيد للقضية السورية زخمها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.