اختار الإخوان المسلمون في سوريا لحظة القصف الإسرائيلي، الثاني خلال شهر، لميناء اللاذقية، في 28 الشهر الفائت، والذي استهدف شحنات أسلحة تخصُّ إيران ومليشياتها في سوريا، لإعلان موقفهم المتضامن والداعم لإيران.

صحيح أن البيان، وهو الأول من نوعه، أتى بلغة دقيقة ومدروسة و”وطنية” تدين الاعتداء الإسرائيلي الخارجي على الأراضي السورية؛ لكنه جاء في لحظة سياسية قرأها الإخوان جيداً، وقرّروا فتح مدخل أمام المتغيرات السياسية المحتملة، والمتعلقة بالترويج لإمكانية التطبيع العربي مع نظام دمشق، وبالتالي هم يسلِّمون بانتهاء التغيير عبر الثورة، وبقاء النظام في الفترة القادمة، ويراهنون على مصالحته بوساطة إيرانية، كما حاولوا قبل 2011، ورفض النظام حينها، وموقفهم اليوم أكثر قوة، في ظل ضعف النظام وتشتّت تبعيته بين روسيا وإيران؛ تدعمهم إيران، ويقويهم غياب أية تنظيمات معارضة أخرى وازنة في الساحة السورية.

العلاقة المتينة بين نظام ولاية الفقيه وتنظيم الإخوان المسلمين معلنة وواضحة في فروع التنظيم في العالم العربي، فالرئيس المصري السابق محمد مرسي زار طهران في أول نشاط دبلوماسي له بعد توليه الحكم، واستقبل الرئيس الإيراني السابق، أحمدي نجاد، في القاهرة، إضافة إلى شخصيات إيرانية قيادية، وهناك حديث عن دعم مالي إيراني قُدم إلى مرسي، في حين أنّ محاولة مرسي تشكيل جهاز مخابرات خاص بديل عن الجهاز المصري كان شرارة الانتفاضة الشعبية والعسكرية ضدّه، وكانت الفكرة بإشراف إيراني.

موقف قادة حماس هو الأكثر وضوحاً، حيث تُقدم طهران الدعم المالي والعسكري لها، وقد وجه إسماعيل هنية الشكر لإيران وملاليها وحرسها الثوري، وأعلن الحداد على مقتل رئيس الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، قبل عامين، وهو المتوغل في دماء السوريين، ومهندس التخريب الطائفي و الديموغرافي على كامل الأراضي السورية، وكذلك في العراق ولبنان واليمن، بل واعتبره هنية “شهيد القدس”.

يضاف إلى ذلك الموقف الاخواني الداعم للحوثيين في اليمن؛ هذا يعني أن تنظيم الإخوان ونظام الملالي مرتبطان بتبني مشروع الإسلام السياسي للوصول إلى السلطة، فيما علاقة الطرفين مع بعضهما عقدية تاريخية، فيها دعم متبادل.

إخوان سوريا مرتبكون في إظهار موقفهم تجاه نظام الملالي، الداعم والمشارك للنظام السوري في حربه على الشعب منذ 2011؛ فهم في عداء مع نظام الأسد منذ حربه عليهم في الثمانينات، ورفضه المستمر لكل وساطات المصالحة، الإيرانية والتركية. وتحالفوا مع عبد الحليم خدام، بعد انشقاقه عن النظام في جبهة الخلاص، رغم ما يمثله في كونه أحد قادة النظام المشاركين في حرب الثمانينات على الإخوان والموقعين على قرارات الإعدام بحقهم، وأوقفوا هذا التحالف خلال حرب تموز 2006 في لبنان بين إسرائيل وحزب الله، كموقف داعم لحزب الله، وهم لم يحركوا أية دعوة ضد قادة النظام في أوروبا طيلة تواجدهم فيها.

بالتالي، موقفهم الجذري هو إلى جانب نظام الملالي، لكنهم اختاروا التقية بإظهار عدائهم لإيران، خلال الثورة السورية، حين كانوا يراهنون على إمكانية التغيير السياسي، أي عملوا على ركوب الثورة، والسيطرة على نشاطات مجمل المعارضة في الخارج، ومؤسسات الثورة بالعموم، وعبر المال السياسي، بدعم إقليمي وغربي وإيراني وعربي، وهو ما تحقق لهم فعلاً.

خلال الثورة السورية، وضع الإخوان، كل بيضهم في السلة التركية، آخذين معهم غالبية كيانات المعارضة السياسية، والتي أصبح مقرها في تركيا، وكانت هناك زيارات إخوانية متكررة إلى طهران، ونتج عن كل ذلك دفْعُهم للمعارضة في طريق المشاركة في مسار أستانة ومؤتمر سوتشي واللجنة الدستورية، أي السير في الأجندة الروسية، بثقل تركي وإيراني. وبالتالي هم مسؤولون عن كل الانسحابات التي قامت بها الفصائل في اتفاقات خفض التصعيد والمصالحة، لمصلحة روسيا وإيران والنظام.

لاقى بيان الإخوان هذا استنكاراً شعبياً لدى جمهور المعارضة، في ظلّ غياب الهوية الوطنية، وتسخير النظام لكل مؤسسات الدولة، وعلى رأسها الجيش، لقمع الشعب، وتدمير البلاد، وبسبب استدعائه الاحتلالات المتعددة، وأولها الإيراني، الشريك في قتل وتهجير الشعب السوري.

الإخوان لا يعيرون اهتماماً للموقف الشعبي، بعد انتهاء الثورة، وإقصاء جماهيرها عن الفعل؛ وكذلك لأنهم ضمنوا السيطرة على المعارضة السورية، سواء كانوا في واجهتها، أو عبر الدفع برجالاتهم إلى قيادتها. المعارضة التقليدية الليبرالية، بدورها لا تملك برنامجاً سياسياً ثورياً، في حين أن رؤيتها الطائفية للواقع السوري جعلتها تتحالف مع الإخوان قبل 2011، ثم بعده حيث شكلت المجلس الوطني على الأرضية الطائفية ذاتها، بغالبية إخوانية باعتبارهم يمثلون الأغلبية السنية. ولا زالت هذه العقلية مسيطرة على المعارضة، أي التحالف مع الإخوان، باعتبارهم الأكثر تنظيماً والأقوى تمثيلاً طائفياً للشعب، وربما الأحق بقيادة المعارضة بسبب مظلوميتهم التاريخية، بعد التنكيل الشديد الذي ألحقه النظام بهم في الثمانينات.

يتلاقى مشروعا الإسلام السياسي السني والشيعي في أجندة سياسية واحدة، هي السيطرة على العالم العربي ومحيطه التركي والإيراني، والتمدد إلى آسيا الوسطى وإفريقيا؛ وعلاقة تنظيم الإخوان المسلمين بإيران عقدية وعقائدية أيضاً، فنظام ولاية الفقيه هو ربيب حركة الإخوان المسلمين؛ حيث تعود تلك العلاقة إلى ما قبل الثورة الإسلامية الإيرانية في 1979، في الستينيات، حين كانت هناك لقاءات متكررة لمتشددين إيرانيين مع مؤسس حركة الإخوان، سيد قطب، وكانوا في قيادة الثورة الإسلامية لاحقاً، وأصبح منصب المرشد الأعلى للثورة مطابقاً للمرشد العام لدى الإخوان، وحين استلم الخميني الحكم قام بترجمة كتابين لسيد قطب.

الساحة السورية اليوم شبه خالية من القوى السياسية الفاعلة؛ فإضافة إلى الإدارة الذاتية التي فرضت وجودها بحكم الواقع وباستمرار الدعم الأمريكي والغربي، هناك النظام في دمشق، مع غياب البدائل عنه، والدعم الروسي والإيراني له، ورغم تراجع شعبيته لدرجة كبيرة، وهناك أيضاً حركة الإخوان المسلمين، الأكثر حضوراً وتنظيماً في المعارضة، رغم تراجع شعبيتها أيضاً، والتي بدا أنها لا تأبه بها، بل تهتم بالحفاظ على الولاء الصريح لنظام أردوغان، وتراهن على الدعم الإيراني الخفي، لفرض مصالحة مرّة على النظام، الذي ما زال يرفضها، وترفضها روسيا أيضاً.

تعرض الإخوان لقمع شديد في الثمانينات، بسبب معارضتهم للنظام، لأسباب طائفية، ووقتها لم يكن الشعب في وارد الثورة. وفي 2011 حاولوا ركوب الثورة ، وتناغموا ببراغماتية عالية مع الموقف الشعبي المندد بالتدخل الإيراني الميليشياوي، بل وقادوا الصراع إلى مناحٍ طائفية، عبر وسائل الإعلام التي فتحت لهم، ولم يعطوا أهمية لدور الشعب وتمكين الثورة، بل ساهموا مع النظام في تفريغها من جماهيرها وتحويلها إلى حروب لتحرير المدن والقرى، والتي انتهت بالتدمير والتهجير. هم رجال سياسة وليس ثورة، يجيدون اقتناص الفرص في لحظتها، لذلك قرروا مؤخراً كشف عورتهم الإيرانية، حيث لم يعد للشعب ومؤسسات الثورة أية قدرة على إقصائهم وتجاوزهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.