اللجنة الدستورية جولةٌ ثامنة، حفاظٌ على أدوات بناء الثقة للفاعلين ودورانٌ في الفراغ للسوريين.

استأنفت اللجنة الدستورية أعمالها في إطار العملية السياسية السورية في جولتها الثامنة أعمالها في نهاية حزيران/ يونيو، 2022 حيث أقرّت الأطراف من جديد أربعة مبادئ دستورية جديدة لمناقشتها والتفاوض حولها وهي؛ الإجراءات القسرية أحادية الجانب من منطلق دستوري الذي قدمه وفد المجتمع المدني المحسوب على النظام السوري، ومبدأ الحفاظ على مؤسسات الدولة وتعزيزها المقدّم من قبل وفد النظام، بينما قدمت المعارضة مبدأ سمو الدستور وتراتبية الاتفاقيات، كذلك العدالة الانتقالية الذي قدمه وفد المجتمع المدني المعارض.

لكن ومع انتهاء الجولة، لم يتم التوصل إلى أي نتائج عملية تتعلق بإمكانية إحراز تقدم، لذات الأسباب التي لطالما يتحدث عنها وفد المعارضة السورية “تعطيل النظام”. الحقيقة، أنَّ مسار اللجنة  -إن اعتبر مسارًا- من الأساس فقد السوريون الثقة به ولا سيما وأنَّه يراه كثر جزءاً من تفاهمات إقليمية جرّت بين القوى في خضم منصات آستانا وسو تشي، قبل أن تنخرط به الأمم المتحدة معه كأمرٍ واقع عبر تقديم تفسيرات جدلية واستغلال فضفاضية القرار الأممي 2254 (2015) فيما يتعلق بالانتقال السياسي.

لكن، الخرق حصل في التراتبية حول الانتقال السياسي وسلال دي مستورا “المبعوث الأمم السابق”. إنّ تماهي الأمم المتحدة مع المسار يتعلق بعدم وجود جدوى وقدرة على تشكيل ضغط على النظام، مع غياب الفعالية الأمريكية وتسليمها أوراق الملف لروسيا.

كان هناك اعتقاد أنّ التقارب التركي- الروسي، قد يؤصّل لأرضية مهمة في التفاهمات السياسية حول الملف، مع قدرة كلاهما على ترحيل/ تجاوز الكثير من العقبات الأمنية والعسكرية وتعميق التفاهمات الثنائية في إطار اتفاقية سوتشي وبروتوكولاتها.

والحقيقة، أنَّ هذا الاعتقاد كان من الصعب في مكان أن يُطبّق على العملية السياسية من مدخل اللجنة الدستورية التي تعتبر تنازلاً كبيراً قدمته المعارضة في خضم جملة من التنازلات السابقة المترافقة مع حجم القوى المهيمنة على الملف، لسبب جوهري يتعلق بالأهداف، لأنَّ التفاهم السياسي سيؤدي حتماً لإحداث خرق في المنظومة المُشكّلة للدولة السورية، عبر مشاركة المعارضة على الأقل من البعد القانوني وهذا يمثل خطراً كبيراً على إيران بالتحديد أكثر من روسيا التي بدورها تشارك طهران بالاعتقاد.

 فضلاً عن أنَّ إحداث أي تقدم في المسار السياسي قد يرفع أصوات/ طموحات المعارضة بشأن الانتقال/ العودة إلى السلال الأخرى.

 وهذا بالفعل نراه قد يحصل باستمرار ففي الجولة الثامنة التي جرت مؤخراً قدّمت المعارضة مبدأ العدالة الانتقالية في إطاره الدستوري.

 في حين قدم النظام مبدأ الحفاظ وتعزيز مؤسسات الدولة، وكلاهما يمكن فهمهما وفق السياق السوري في إطارهما السياسي وليس الدستوري.

النظام يريد انتزاع الاعتراف بمؤسسات الدولة عبر الخلط بين مصطلحي “الدولة” و “النظام” وإرغام المعارضة على الاعتراف بعدم شرعية عمل مؤسساتها. في حين المعارضة، أرادت أن تُعيد ملف العدالة الانتقالية إلى الواجهة من جديد من خلال المبدأ الدستوري الذي قدمته لسببين الأول؛ إعادة الزخم الشعبي والقبول بالمسار في أوساط الحاضنة الشعبية، وتوجيه رسالة للنظام بأنّ اللجنة جزء من العملية السياسية أي أنّ هناك مسارات أخرى يجيب العودة لها لاحقاً، وعلى هذا الأساس يمكن إدراك حجم الهوّة بين الأطراف.

يبدو أنَّه ثمة توافق يحدث بعيداً عن هذه الخلافات، وهي جراء انعكاسات تفاهمات الفاعلين في مسارات أخرى على رأسها آستانا أو على الأقل يستثمر النظام في الضغط المستمر على المعارضة أو تنازلاتها التي تقدمها وهذا يدفع لربط المسارات السورية ببضعها البعض بشكل مستمر، وربما يلخص مبدأ “الإجراءات القسرية أحادية الجانب من منطلق دستوري” الذي قدّمه المجتمع المدني هذا الاعتقاد بكونه يُطالب برفع العقوبات عن الدولة أي النظام، عبر إنهاء العمل بقانون قيصر أو عقوبات المجلس الأوربي والعقوبات الدولية، بكونهم أتوا في غمار المواقف السياسية دون بحثهم مع الدولة مما يعتبر خطوة “قسرية”.

 واللجنة الدستورية، ليست ببعيدة عن استغلال النظام تذمر الدول الإقليمية من ملف اللاجئين والوعود/ التطمينات التي يقدمها لدول الجوار من أجل إعادة اللاجئين للاستثمار في الملف بغرض إفراغ العملية السياسية من مضمونها التي بالفعل باتت تعتبر انعكاساً مستمراً للتطورات ومساحات عمل ممتازة له، لقوننة مساعيه السياسية التي تتطور باستمرار.

ومن المهم الإشارة إلى أنَّ طلب رفع العقوبات هو استكمال لمخرجات آستانة 17-16 على الأقل اللذان ينصان على ضرورة إنهاء العقوبات على “الدولة” وتوفير البيئة الآمنة والمحايدة والتحضيرات لمؤتمر اللاجئين الذي تحضر له دول اللجوء.

مع ذلك، يمكن القول إنَّ مسار اللجنة الدستوري، لا يمكن اعتباره إلّا مجرد ملء للفراغ السياسي في إطار العملية السياسية كأداة لتعزيز الثقة بين الأطراف الإقليمية خوفاً من انهيار التفاهمات المشتركة أمنياً وعسكرياً.

لذا، الحفاظ عليه يمثل أولوية مهما كان عبثياً دون أن يكون هناك اهتمام بمدى فعاليته.

 بالتالي، عند تقديم فرضيات عن آليات تحقيق تقدم في العملية السياسية لا يجب اعتبار القرار الأممي 2254 أو اللجنة الدستورية _إن اعتبرت مجازاً ضمنه_ وسيلة لذلك، تمر عبرها الحلول للملف، بل مجرد أداة، لأنَّ الوسيلة الوحيدة بشأن تنفيذ المقررات الدولية تمر عبر تقليل حجم الفجوة بين الأطراف الفاعلة في الملف السوري مثل؛ تركيا، روسيا، أمريكا، على الأقل وأي تفاهم بين تلك الفواعل سينعكس بطبيعة الحال على المسار السياسي.

 وعند قراءة المشهد السوري هذه الآونة نرى أنَّ حجم التباعد يرتفع باستمرار، وما زالت الخريطة متبدلة، خاصةً في ظل “الحرب الأوكرانية” وتعطيل مسار “المفاوضات النووية” الإيرانية الغربية، مما فرض معطيات جديدة متعلقة بإيران وروسيا وإسرائيل، وتركيا وأمريكا، وروسيا وتركيا.

وعلى هذا الأساس كما هو متوقع، أنهت اللجنة الدستورية أعمالها في الجولة الثامنة دون أي نتائج جديدة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.