من جديد تستثمر روسيا الوقت الضائع في الملف السوري، جراء تدخلها المعطل للحل السياسي في سوريا، حيث تسعى لإعادة إنتاج أدوات تساعدها على المماطلة وكسب مزيد من الوقت على حساب استثمار الملف السوري لمصلحة نزاعاتها في باقي الملفات الدولية التي تتدخل فيها من أجل تحقيق مكاسبها الخاصة.

وزارة الخارجية الروسية، أعلنت أن موسكو ستعقد لقاءات متعددة مع كل من وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، والمبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسن، خلال الأسبوع المقبل، وفق ما نقله موقع قناة “روسيا اليوم” باللغة العربية.

وقال نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين، في تصريحات للصحفيين: “نضع في اعتبارنا إجراء اتصالات ومحادثات في موسكو الأسبوع المقبل، بما في ذلك مع وزير الخارجية السوري المقداد، ثم مع المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لسوريا بيدرسن”.

وستجري لقاءات كل من المقداد، وبيدرسن، بشكل متتابع،حيث يكون لقاء المقداد مع الخارجية الروسية في 21 شباط/فبراير الحالي، وبيدرسن في 23 شباط/ فبراير.
إقرأ:روسيا تطالب بإدخال الأكراد في العملية الدستورية.. ماذا تريد موسكو؟

هل ستقدم هذه الاجتماعات أي جديد للملف السوري؟

جرت العديد من الاجتماعات خلال الفترة الماضية، بين المسؤولين السوريين، مع الروس، ومع المبعوث الأممي بيدرسن، وتناولت العديد من المواضيع العالقة في الملف السياسي السوري، لكن ذلك لم  ينتج أية بوادر لانفراجات مقبلة، وهذا ما كان متوقعا من الدور الروسي السلبي في سوريا، والذي يسعى فقط لتحصيل مكاسب موسكو ولو كان ذلك على حساب ملايين السوريين، ولما ذلك من تبعات سلبية على ملفات أخرى تتصل بها المسألة السورية.

ويرى بعض المراقبين، أن هذه الاجتماعات تأتي على خلفية زيارة وزير الدفاع الروسي، شويغو، إلى دمشق ولقائه بالرئيس السوري، بشار الأسد، مؤخرا، والزيارة الأخيرة لبيدرسن إلى دمشق والتي التقى خلالها الوزير المقداد.

لكن الباحث في الشأن الروسي، سامر الياس، يرى في حديثه لموقع”الحل نت”، أن زيارة شويغو، ولقاءه بالأسد أمر بروتوكولي، وغير مرتبطة بالملف السياسي، وإنما ترتبط بالأوضاع العسكرية، ووضعية القواعد الروسية في سوريا، ومناقشة الأزمة الأوكرانية.

ويضاف إلياس، أن اللقاءات المرتقبة في موسكو، ستكون للتركيز على وضع خطة عمل تتعلق بعمل اللجنة الدستورية المصاب بالجمود، والتركيز على إظهار أن دمشق لا تقوم بتعطيل الحل السياسي، بحسب الدعاية الروسية.

من جهته، يقول ديمتري بريجع، الباحث المختص بالشؤون الدولية، لموقع “الحل نت”، أن “موسكو تسعى لجعل الاجتماعات في أرضها وتحت رعايتها لكي لا يترأس الغرب والأمريكان الملف السوري، ويضغطون بورقة بالتواجد الروسي على الأراضي السورية، وجعل تواجدهم محورا للحدث، فالملف السوري بالنسبة لموسكو، محسوم لصالح الرئيس بشار الأسد، لأن حكومته قادرة على ضمان بقاء روسيا في شرقي المتوسط على المدى البعيد، وفق الرؤية الروسية”.

وأضاف بريجع، أن روسيا تعمل منذ تدخلها في سوريا، على تضييع الوقت، وتقوم بنشر ادعاءات أنها تسعى لتطبيق القرار 2254، وأنها تضغط على الحكومة السورية لتطبيقه، في حين أنها المستفيد الأول من بقاء الوضع السوري على ما هو عليه الآن.

ولفت بريجع، إلى أنه، أي اجتماع يكون الروس ضامنين فيه لن يحمل أي تقدم حتى لو كان ملحوظا نوعا ما، لأن دمشق غير جادة بالتعامل مع المسار السياسي، ولا تملك إلى حد كبير صلاحية في البت فيه، “روسيا أدخلت المعارضة السورية في مأزق حقيقي بوجودها ضمن مفاوضات الحل السياسي، والمعارضة نفسها أوقعت نفسها في هذا المأزق عندما وافقت على المصالحات والحوار والتعاون مع روسيا”.
قد يهمك:لماذا لن تنجح سياسة “خطوة مقابل خطوة” في حل الصراع بسوريا؟

روسيا تستغل الملف السوري لمصالحها

لم ينتج عن التدخل الروسي، والمفاوضات والمؤتمرات التي رعتها روسيا، تحت اسم حل الأزمة السورية أي نتائج إيجابية حتى الآن، وليس هناك أي مؤشرات على الأرض، أو في المستقبل تدل على أن روسيا ترغب بإيجاد حل حقيقي للملف السوري.

ويشير ديمتري بريجع، لموقع “الحل نت”، أن الملف السوري، مهم لروسيا، ولكن من أجل مصالحها، مستغلة سوريا في العديد من الاتجاهات، “مثلا التجارب التي قام بها الجيش الروسي لأسلحته الحديثة هي إحدى هذه الاتجاهات، وقد صرح وزير الدفاع الروسي عدة مرات بالنجاح بجعل سوريا أرضا لتجربة الأسلحة الحديثة.

وأوضح، أن روسيا تعمل منذ دخولها إلى سوريا، على بناء قواعد عسكرية تجعل لها أهمية في المنطقة، بحجة مكافحة الإرهاب، ولكن في الحقيقة تستغل روسيا هذه القواعد لفرض هيمنة جديدة في المنطقة، ولعقد صفقات لبيع الأسلحة من خلال أسلحتها الموجودة في هذه القواعد، فروسيا تاجر سلاح قوي في المنطقة منذ عقود، كما أنشأت روسيا مركزا للاستثمارات الاقتصادية في دمشق، ودفعت دمشق لإبرام عدة اتفاقات مع دول غير معترف فيها دوليا، كالاتفاقات مع شبه جزيرة القرم، وأوسيتيا الجنوبية”.

الدور الروسي في سوريا دور سلبي

تعمل روسيا على الاستفادة من كل نقاط الملف السوري لصالحها، فقد ساعدت دمشق على السيطرة على معظم الأراضي السورية، كما تعمل على تعويم دمشق من خلال استعادة علاقاتها ببعض الدول العربية، لكن كل ذلك دون أن يكون هناك أي تغيير في الوضع السياسي.

وقد تأكد الدور السلبي لروسيا، من خلال إدعاءاتها العديدة بمساعدة الحكومة السورية في تحسين الوضع الاقتصادي، لكن أي من ذلك فشل في هذا الاتجاه، حيث تزداد معاناة سوريا بعد تراكم الأزمات الاقتصادية الخانقة، التي انعكست مؤخرا بشكل واضح على المواطنين السوريين.

وختم بريجع، في حديثه لموقع “الحل نت”، إن الدور الروسي ووجوده في الملف السوري وفي داخل سوريا، هو دوره سلبي فقط وهدفه الحقيقي هو عرقلة أي نتاج توافقي سياسي أو تطبيق للقرار 2254، “روسيا عندما دخلت إلى سوريا دخلت لتطيل مدة الحرب، ولتستطيع إبقاء سفنها الحربية في المتوسط، ولتجعل كل الدول الأوروبية تحت مرمى نيرانها، وستقوم بفعل أي شيء للبقاء في المنطقة”.
إقرأ:خطة بيدرسون “خطوة بخطوة” لماذا ترفضها المعارضة وتقبلها دمشق؟

الجدير بالذكر أن روسيا تسعى لإبقاء الملف السوري عالقا، للاستفادة من تواجدها في المنطقة، بالتعاون مع الحكومة السورية التي تسعى للبقاء في السلطة بصرف النظر عن النتائج السلبية على سوريا وشعبها، بالتزامن مع وجود معارضة سورية تسمي نفسها بـ”المعترف فيها رسميا” من قبل دول إقليمية متدخلة في الشأن السوري، قد باتت تميل للضعف بعد أن خسرت معظم أوراقها للضغط لإيجاد حل حقيقي في سوريا. يأتي كل ذلك في ظل عدم اهتمام دولي لاسيما غياب رؤية واضحة وتوافقية دوليا، من أجل الضغط على دمشق وموسكو لإيجاد حل سياسي شامل وعادل لهذه الأزمة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.