قديما ومازالت، تسعى مصر إلى لعب دور فاعل ونشط في مختلف قضايا القارة الإفريقية، علاوة عن محاولاتها حفظ مصالحها المتركزة بشكل أكثر من غيره في حوض النيل، حيث تحرص على أن يكون لها حضورا فاعلا من خلال تشبيك علاقاتها في دول القارة السمراء، وتقديم يد العون في مجمل المجالات، وهو ما حاول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تجسيده من خلال قيامه بعدد من الزيارة المتوالية والتي شهدت توقيع العديد من الاتفاقيات الثنائية مع الدول الإفريقية.

في سياق ذلك، أجرى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، جولة خارجية إفريقية شملت زيارة 3 دول؛ هي أنغولا وزامبيا وموزمبيق، في الوقت الذي يرى فيه مراقبون أنها تستهدف بالأساس التركيز على عدد من الملفات البارزة على رأسها بحث مستجدات الأزمات بالقارة، إضافة إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري.

السيسي، وصل مساء الثلاثاء الماضي، إلى العاصمة لواندا، كأول رئيس مصري يزور أنغولا، في المحطة الأولى لجولته التي تأتي في إطار حرص مصر على تكثيف التواصل والتنسيق مع أشقائها الأفارقة، ومواصلة تعزيز علاقاتها مع دول القارة في مختلف المجالات، لاسيما عن طريق تدعيم التعاون المتبادل على الأصعدة الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، بحسب بيان أوردته الرئاسة المصرية لموقع “الحل نت”.

مضامين جولة الرئيس المصري للجنوب الإفريقي

الجولة تؤكد الأولوية المتقدمة التي تحظى بها القضايا الإفريقية في السياسة الخارجية المصرية، حيث عقد الرئيس المصري خلال جولته، سلسلة من المباحثات الثنائية مع زعماء الدول الإفريقية، بهدف بحث آليات تعزيز أوجه التعاون الثنائي مع مصر، وكيفية التعامل مع مشاغل القارة الإفريقية.

كما ناقشت مستجدات القضايا والملفات الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، بحسب البيان، وكذلك سبل التعاون لبلورة أطر العمل الإفريقي المشترك، بهدف دفع عملية التنمية وتعزيز الاندماج الاقتصادي في القارة، وعلاوة على ذلك، شارك السيسي خلال زيارته إلى العاصمة الزامبية لوساكا، في أعمال القمة الـ 22 للسوق المشتركة للشرق والجنوب الإفريقي “كوميسا”، والتي شهدت تسليم الرئاسة الدورية للتجمع من مصر إلى زامبيا.

إلى ذلك، تعودت مصر في السنوات الأخيرة أن تقصد بعض الدول الإفريقية التي لها مصالح حيوية مباشرة معها، خاصة في منطقة حوض النيل التي زادت أهميتها في السياسة المصرية عقب تصاعد حدة الخلاف مع إثيوبيا بشأن “سد النهضة”، ما خلق انطباعات بأنها لا تولي اهتماما كافيا بما هو أبعد من هذه المنطقة، لتأتي جولة السيسي الحالية لتفند ذلك، وتؤكد على حرص مصر في ممارسة دورها التاريخي في القارة السمراء عموما.

تشير هذه الجولة إلى إعادة ترتيب الأوراق بالشكل الذي يمنح مصر قدرا من التنوع، والسعي إلى استدعاء فترة رواج سابقة عاشتها القاهرة في مراحل سابقة، حيث العاصمة المصرية قبلة لغالبية القادة الأفارقة بلا تفرقة بين شمال وجنوب، وشرق وغرب القارة.

تعليقا على ذلك، شرح مساعد مدير المخابرات الحربية المصرية الأسبق، اللواء أحمد كامل، أبعاد جولة رئيس بلاده، بالقول إن الزيارة لجنوب شرق القارة الإفريقية، بخاصة لدولة زامبيا كان بغرض تسليم قيادة تجمع “الكوميسا”، من مصر الرئيسة السابقة، إلى زامبيا الرئيس الحالي للتجمع في دورته الـ22، فضلا عن تقديم تقرير عن نتائج ما قامت به مصر خلال الدورة السابقة، والتأكيد على التعاون والتكامل والتنسيق المتبادل بين دول التجمع لتحقيق المصالح العليا والرفاهية لشعوب التجمع، ولتعزيز التعاون بين مصر وجميع دول القارة الإفريقية.

“سد النهضة” ضمن الأولويات

فيما أشار إلى أن زيارة السيسي إلى أنغولا وموزمبيق بعد انتهاء قمة “الكوميسا”، هي للتأكيد على الدور المحوري المصري، وذلك لتعزيز التعاون والشراكة مع جميع الدول الإفريقية في كافة المجالات؛ الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، الصحية، والسياسية، وكذلك للتأكيد على التوافق مع الرؤية المصرية من مشكلة “سد النهضة”، وأهمية التوصل إلى اتفاق مُلزم باتفاقية تشغيل السد، بما لا يضر بدولتي المصب، السودان ومصر، من خلال المفاوضات.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال وصوله إلى العاصمة الأنجولية/ إنترنت + وكالات

اللواء كامل، لفت إلى أن الجولة جاءت أيضا لبحث الوضع في السودان، وأهمية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار دائم بين الطرفين، المتمثلين بالجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”، لتحقيق الأمن والاستقرار بهذا البلد الشقيق، مشيرا إلى أن ذلك يصب في صالح أمن واستقرار منطقة القرن الإفريقي، ودول الجوار الجغرافى للسودان.

إن جولة الرئيس المصري إلى الجنوب الإفريقي، تأتي في إطار التأكيد على أن السياسية الخارجية المصرية تجاه جميع الدول الإفريقية؛ هدفها التعاون المشترك وتحقيق التنمية الشاملة والأمن لجميع دول القارة، وليس التصادم وتفضيل المصالح الفردية على المصالح المشتركة، بحسب كامل، الذي أشار إلى أن الرئيس المصري يسعى من خلال جولته إلى حشد رأي عام مؤيد وداعم للموقف المصري من مشكلة “سد النهضة”، وتعزيز التعاون الاقتصادي والتنمية المشتركة بين دول تجمع “الكوميسا”.

يذهب مع ذلك بالرأي المحلل السياسي المصري، محمود أبو حوش، حيث يرى أن أهداف زيارة الرئيس المصري لجنوب القارة الإفريقية، ولا سيما أنغولا وزامبيا، تأتي في سياق تفعيل الدور المصري في القارة السمراء وتعزيز المزيد من العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية.

أبو حوش وفي حديث مع موقع “الحل نت”، يرى أيضا، أن الزيارة مهمة وجاءت في توقيت مهم، وذلك بإطار قيادة دور مصري ريادي في القارة الإفريقية على المستوى الدبلوماسي، مبيّنا أن أهمية الزيارة تكمن بأنها تعزز هذا الدور وتضع مصر ضمن أولويات الدول الإفريقية بالعديد من المجالات الاقتصادية.

دور مصر المحوري

المختص في الشأن السياسي المصري، يردف أن انعكاس الزيارة على جنوب إفريقيا أمر مهم جدا، بما يخص تفعيل الدور المصري في هذا الجزء من القارة، كونه يعتمد على عملية تبادل المنافع في إطار التعاون المصري الإفريقي، وبالتالي فإن انعكاس هذا التعاون على الدول الإفريقية سيكون إيجابيا، وأيضا على الجانب المصري سيكون محفزا بأكثر من اتجاه، كونه سيدفع بمزيد من الشبكات الاستراتيجية ما بين مصر ودول جنوب القارة الإفريقية.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته قمة “كوميسا” الثانية والعشرين/ إنترنت + وكالات

هذا وعقد الرئيس السيسي جلسة مغلقة مع رئيس أنغولا جواو لورينسو، الأربعاء الماضي، أعقبتها مباحثات موسعة بحضور وفدي البلدين تناولت القضايا ذات الاهتمام المشترك، خاصة أن أنغولا تلعب دورا مهما في تسوية النزاعات الإقليمية من خلال مؤتمر دول البحيرات العظمى ومنطقة الجنوب والوسط في القارة.

في حين شارك الرئيس المصري خلال زيارته لوساكا، في أعمال القمة الثانية والعشرين لتجمّع السوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا “كوميسا”، أمس الخميس، والتي شهدت تسليم الرئاسة الدورية للتجمع من مصر إلى زامبيا، حيث تركز على سُبل دفع عملية التنمية وتعزيز الاندماج الاقتصادي والتجاري بين الدول الأعضاء بالتجمع.

جدير بالذكر، أن الزيارة تأتي لتعزز جهود تحركات منسقة سابقة، تعكس الدور الريادي لمصر في القارة، والتي توجت برئاسة السيسي “الاتحاد الإفريقي” في عام 2019، حيث واصلت مصر التعاون على المستوى الثنائي مع كافة دول القارة الإفريقية، كما تابعت وتفاعلت بإيجابية مع التطورات في القارة؛ الأمر الذي انعكس على حجم الزيارات المتبادلة واللقاءات رفيعة المستوى بين مصر والدول الإفريقية. 

رؤية مصر لتعزيز دورها في القارة الإفريقية، تعتمد على خمسة محاور؛ تتضمن الحاجة لمراعاة تأثير الأزمات الدولية على اقتصاديات دول القارة، بخاصة الدَّين الخارجي، ما يفرض وضع آليات لتخفيف عبء الديون عبر الإعفاء أو المبادلة أو السداد الميسّر، فضلا عن تكثيف الاستثمارات الزراعية الموجّهة إلى إفريقيا لتطوير القدرات الإنتاجية والتخزينية لدولها عبر توطين التكنولوجيا الحديثة بشروط ميسّرة، وذلك بالإضافة إلى ضرورة الحفاظ على انفتاح حركة التجارة العالمية، والتأكيد على أن اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية توفر إطارا لتعزيز التكامل بين دول القارة، حيث تأمل في دعم الدول الكبرى لدول القارة، لتعظيم الاستفادة منها بالاستثمار في البنية التحتية والمشروعات الزراعية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات