على مدى ثلاثين عاما، ساهم نزاع الصحراء الغربية إلى حدّ كبير في تعميق هوة الخلاف بين المغرب الذي يطالب بالسيادة عليها، والجزائر التي تدعم الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب “البوليساريو” التي تطالب باستقلال المستعمرة الإسبانية السابقة عن المملكة.

وبعد أن كان الخلاف بين الرباط والجزائر محصورا في حرب دبلوماسية من خلال محاولات التأثير في قرارات الدول حول النزاع وفي المحافل والمنظمات الدولية وعبر جماعات الضغط، اتخذ في الآونة الأخيرة أشكالا أكثر حدّة وبدا أنه يسلك مسارا موسوما بالتهديد من كلا الجانبين.

آخر مظاهر التوتر بين البلدين والذي دفع بالعودة إلى الحديث من جديد عن سيناريو مغاير في المنطقة، هو سباق التسلح بين الجانبين، حيث أصبحت المنطقة وجهة مهمة لصادرات الأسلحة التقليدية والمتطورة، وفقا لبيانات معهد “ستوكهولم الدولي لبحوث السلام“.

إذ أصبح البلدان المستوردان الرئيسيان للأسلحة في المنطقة وفي كل القارة الإفريقية، حيث احتلت الجزائر المرتبة الأولى إفريقيا والرابعة والعشرين بين أكبر مستوردي الأسلحة في العالم، فيما احتل المغرب المرتبة الثانية إفريقيا والأربعين في الترتيب العالمي.

لقد تنافس المغرب مع الجزائر على التفوق في التسلح لفترة طويلة، وغالبا ما تحافظ الجزائر على هيمنتها الكمية في هذا المجال، ويبدو أن وراء ذلك آمال متعددة يمكن من خلالها تفسير اقتناء الجزائر والمغرب لمعدات الدفاع بوتيرة مرتفعة ومتسارعة، من الاعتبارات الأمنية الداخلية مرورا بمسألة الهيبة الوطنية وصولا للتنافس الإقليمي وغيرها.

اقرأ/ي أيضا: مركز متقدم للمغرب في مؤشر الطاقة المتجددة.. ما دوره في مواجهة أزمة البلاد النفطية؟

سباق التسلح

ما يعزز فرضية التسابق نحو التسلح بين البلدين، توجه الجزائر نحو مضاعفة ميزانية وزارة الدفاع للعام المقبل، فبحسب مشروع قانون المالية لعام 2023، الذي أقره مجلس النواب الجزائري فإن ميزانية وزارة الدفاع الجزائرية بلغت أكثر من 22 مليار دولار، بعد أن كانت في العام الحالي أقل من تسعة مليارات دولار، لتحل ميزانية الوزارة في المركز الأول في بنود الموازنة العامة للجزائر، وفقا لصحيفة “اندبندنت عربي“.

الصحيفة البريطانية أشارت أيضا، إلى أن الحكومة المغربية رفعت كذلك ميزانية وزارة دفاعها لعام 2023 ليصل حجمها إلى نحو 17 مليار دولار ما يمثل 3.5 من الناتج المحلي الخام للبلاد، وذلك بهدف شراء أسلحة لتجديد الترسانة العسكرية.

وتعليقا على ذلك قالت صحيفة “هسبريس” المغربية في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، إن هذا الرفع يأتي وسط رغبة المغرب لأول مرة في تخصيص أموال لفائدة الصناعات الدفاعية، إلى جانب اقتناء الأسلحة من دول أخرى.

في مقابل ذلك، يبدو أن الجزائر لن تجد صعوبات في طريق توفير الموارد المالية للزيادة الكبيرة لوزارة الدفاع مستفيدة من عائدات المحروقات في ظل الارتفاع المستمر لأسعارها على الصعيد الدولي، بحسب “اندبندنت عربي“.

في غضون ذلك، يعتقد خبراء عسكريين، أن توقيع الجزائر لاتفاقيات عدة أخيرا، مع دول أوروبية على غرار إيطاليا من أجل تزويدها بالغاز، قد يساعد ويفتح الباب أمام إبرام الجزائر صفقات أسلحة جديدة وسط سعيها إلى تنويع مصادر أسلحتها، فيما يتوقع أن تكون هناك عقود جديدة مع مورّدي الأسلحة، إذ أن الجزائر تستعد لإبرام عقود تسليح جديدة.

اقرأ/ي أيضا: بسبب الضائقة المالية.. تونس مقبلة على أزمة دواء؟

الجزائر ومحاولات التسلح العدائية

لطالما اعتمدت الجزائر في وارداتها من السلاح على روسيا وسط تقارب قوي بين البلدين على المستوى العسكري، كان أحدث مؤشراته المناورات المشتركة التي أجراها البلدان أخيرا، وفقا لتقرير “اندبندنت عربي“، الذي أشار إلى أن الجزائر تتجه أيضا إلى الانفتاح على قوى أخرى من أجل استيراد الأسلحة على غرار الصين وتركيا، لا سيما في ظل بروز الطائرات المسيّرة كأحد أبرز الأسلحة في السنوات الأخيرة في النزاعات التي عرفتها عديد من مناطق العالم.

التقرير لفت إلى أنه، إذا كان للمغرب ما يبرر نفقاته العسكرية حيث يواجه حركة انفصالية لها ارتباطات مع جماعات إرهابية تنشط في منطقة الساحل والصحراء، إضافة إلى حدوده الطويلة التي تستلزم توفير الحماية في مواجهة الإرهاب والانفصال والاتجار بالأسلحة والهجرة غير الشرعية، فإن الجزائر التي تخصص جزءا كبيرا من ميزانيتها للتسلح على حساب المجهود التنموي، ليس له ما يبرره، إلا إذا كان ثمة ما تحاول الجزائر تصويره على أنه تهديد من جانب الرباط، لاسيما بعد إعلان المغرب على أعلى مستوى، أنه لن يطال الجزائر أي سوء من جانبه.

وكانت الجزائر قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط في أغسطس/آب 2021، في خضم الخلاف في شأن الصحراء التي تسيطر المغرب على نحو 80 بالمئة من مساحته، وبدأ النزاع في شأن الصحراء في السبعينيات عندما نظمت المغرب “المسيرة الخضراء” تجاه الصحراء في عام 1974 قبل أن يتم الإعلان عن قيام ما يعرف بـ“الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” بدعم من الجزائر في عام 1976.

وسط ذلك، توقّع تقرير لموقع “بريكنغ ديفينس” المتخصص في القضايا العسكرية أن يزيد إنفاق المغرب والجزائر على التسلح في السنوات القليلة المقبلة، ويشير التقرير إلى احتمال أن يشتد سباق التسلح بين البلدين وخاصة الجوي منه، ورجح أن تقدم روسيا عروضا مغرية للجزائر، لدفعها لشراء مقاتلات “سو 57″، ضمن سعي موسكو لتعويض خسائرها من الحرب.

في هذا السياق، وبالأرقام، ورغم تراجع إنفاق الجزائر على السلاح العام الماضي بنسبة 6.1 بالمئة، إلا أنها ظلت الأكثر إنفاقا على التسلح في القارة الأفريقية، حيث بلغ مجموع ما رصدته للدفاع 9.1 مليار دولار.

اقرأ/ي أيضا: العلاقات المصرية التركية على مفترق طرق.. ما علاقة أمن البحر المتوسط؟

سباق التسلح بالأرقام

بدوره، خصص المغرب لجيشه نحو 5.4 مليار دولار عام 2021، إذ زاد حجم انفاقه على الدفاع بـ 3.4 بالمئة، مما يعني، وفق معدّي التقرير، أن ما تخصصه الرباط للدفاع يزيد بكثير عما ينفقه بعض أعضاء حلف “الناتو” على السلاح.

إضافة إلى ذلك، أشار التقرير إلى سعي المغرب مؤخرا إلى بناء منصة إقليمية لصيانة طائرات “إف 16” و “إس-13 أو سي” الأميركيتين، وإلى إبرامه لصفقات مع الولايات المتحدة الأميركية لتحديث ترسانته العسكرية.

وفي سياق هذا التنافس العسكري، استعرضت دراسة لمركز “الجزيرة” للدراسات مراحل التسلح بين البلدين، مبينة أن التنافس حول التسلح بين الجزائر والمغرب ليس جديدا، بل انطلق منذ أوائل الستينات، منذ حرب الرمال، ثم من عام 1975 حتى نهاية الثمانينات، عندما هدد الصراع في الصحراء بالتطور إلى حرب مفتوحة حيث تضاعفت النفقات في هذا المجال بين الطرفين بين عامي 1974 و1986 من 1.03 إلى 2.43 مليار دولار للجزائر.

ومن 887.48 مليون دولار إلى 1.57 مليار دولار بالنسبة للمغرب بعد أن شهدت فترة من الاستقرار خلال التسعينات وأوائل القرن الحادي والعشرين، بسبب المناخ الدولي السلمي بعد سقوط جدار برلين والحرب الأهلية التي ضربت الجزائر، لكن سرعان ما استؤنفت المنافسة المحمومة انطلاقًا من عام 2006.

وبوتيرة متزايدة عام بعد عام، فقد ارتفع الإنفاق العسكري الجزائري بين عامي 2006 و2010، من 3.4 مليارات دولار إلى 5.3 مليارات دولار، مقابل ذلك ارتفع الإنفاق العسكري المغربي، من 2.3 مليار دولار إلى 3.09 مليارات دولار خلال نفس الفترة.

اقرأ/ي أيضا: اشتعال التوترات بين إيران وأذربيجان.. ما علاقة المكاسب الجيوسياسية الأذربيجانية والتركية؟

استقرار مغربي وشراهة سلاح جزائرية

في حين أنه منذ العام 2010، وفي الوقت الذي ازداد الإنفاق المغربي على التسلح بشكل طفيف من 3.09 مليارات دولار إلى 3.5 مليارات دولار سنة 2016، انتقلت ميزانية التسلح الجزائرية إلى الضعف من 5.3 مليارات دولار إلى 10.5 مليارات دولار في عام 2016؛ حيث برزت الجزائر باعتبارها الدولة الإفريقية التي تكرس أكبر قدر من الموارد المالية للأنشطة العسكرية.

أثناء ذلك، شهد الإنفاق العسكري الجزائري انطلاقا من سنة 2016، انخفاضا طفيفا حيث بلغ 9.9 مليارات عام 2017 و9.5 في 2018، فسرعان ما عاد للارتفاع في سنة 2019 ليصل 10.3 مليارات دولار، كما أنه لا يزال مرتفعا جدا إذا ما جرت مقارنته بحجم الإنفاق لدى المغرب؛ حيث يُلاحظ أن الإنفاق على التسلح لدى هذا الأخير قد تميز بنوع من الثبات حيث انتقل فقط من 3.5 مليارات دولار في 2016 إلى 3.7 مليارات فقط في 2019.

وحتى عام 2020، تصدرت الجارتان قائمة الدول التي تنفق أكثر على الأسلحة في القارة الإفريقية، وفقا للتقرير الأخير لقياس “اتجاهات الإنفاق العسكري العالمي، 2020″، الصادر عن معهد “ستوكهولم للسلام“، بلغ الإنفاق العسكري الجزائري 9.7 مليارات دولار، بانخفاض قدره 3.4 بالمئة مقارنة بعام 2019، لكنه ظل إلى حدّ بعيد أكبر منفق في شمال إفريقيا وإفريقيا ككل،

حيث كان لانخفاض أسعار النفط، بدءًا من عام 2014 وما تلاه من انخفاض في عائدات النفط الجزائرية، تأثير ملحوظ على الإنفاق العسكري الجزائري بحلول نهاية عام 2016، فخلال الفترة 2017-2020، انخفض الإنفاق الجزائري كل عام باستثناء عام 2019، عندما انخفض الإنفاق العام بنسبة 5.3 بالمئة.

من ناحية أخرى، ذكر التقرير أنه خلال عام 2020، بلغ الإنفاق العسكري المغربي 4.8 مليارات دولار، بزيادة قدرها 29 بالمئة مقارنة بعام 2019، و54 بالمئة عن الإنفاق العسكري للمملكة في عام 2011.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.