العلاقات بين مصر وتركيا، تمر هذه الفترة بمرحلة شديدة الدقة بحسب وصف مراقبين من الجانبين، لا سيما وأن كل فرصة لعودة العلاقات التي بقيت سنوات في مرحلة الفتور، برزت القضايا الشائكة والخلافية بينهما، كحواجز في مسار التطبيع التركي المصري.

دعم جماعة “الإخوان المسلمين” وقضية أمن المتوسط، هما من أبرز القضايا الخلافية بين الجانبين، كذلك شكل التواصل بين مصر واليونان للتنسيق على الأوضاع الأمنية في البحر المتوسط، سببا في تصعيد التصريحات من الجانب التركي، الذي يمتلك علاقات متوترة كذلك مع اليونان بسبب المتوسط.

تواصل مصري يوناني

الحكومة المصرية أعلنت الأربعاء، توقيع مذكرة تفاهم في مجال البحث الجوي والبحري مع اليونان، الأمر الذي أثار حفيظة المسؤولين في أنقرة، مطالبين القاهرة بـ “تغيير أسلوبها” تجاه وضع أنقرة في البحر المتوسط.

المذكرة التي وقّعتها القاهرة مع اليونان، جاءت بحسب ما نقل موقع “سي إن إن عربي”، ضمن إطار البحث والإنقاذ الجوي والبحري بين الجانبين، إذ أشار المتحدث العسكري باسم القوات المسلحة المصرية غريب عبد الحافظ، أن المذكرة “نصت على تقديم كافة أوجه الدعم بين الجانبين بما يحقق التكامل في مجال البحث والإنقاذ الجوي والبحري“.

أنقرة اعتبرت من جانبها، أن توقيع المذكرة “تناقضا خطيرا“، من جانب اليونان، في الوقت الذي تدفع أثينا طالبي اللجوء الأبرياء إلى بحر إيجة معرضة حياتهم للخطر في انتهاك للقانون الدولي، حسب بيان للخارجية التركية.

ملف أمن المتوسط شكّل عائقا واضحا أمام عودة العلاقات بين مصر وتركيا، وذلك على الرغم من الجهود العديدة للتطبيع من قِبل الجانبين، وقد قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يوم الإثنين، إن “مطلبنا الوحيد” من مصر، لتطبيع العلاقات، أن تقول لمن يتخذ مواقف معادية ضدنا في البحر المتوسط نريد إرساء السلام في المنطقة” في إشارة إلى موقف مصر من اليونان.

الرئيس التركي، تابع أنه يريد أن تكون الاجتماعات مع مصر على مستوى أعلى، في سياق الاتجاه نحو تطبيع العلاقات، مؤكدا أن الروابط القائمة في الماضي بين الشعبين التركي والمصري مهمة جدا بالنسبة لتركيا، حسب قوله.

عوائق تطبيع العلاقات

الجانبين المصري والتركي، عقدوا خلال الأشهر الماضي جولات محادثات عدة في القاهرة وأنقرة على الترتيب، لاستكشاف إمكانية تطبيع العلاقات بين الجانبين، لكن تلك المباحثات لم تصل حتى الآن إلى تسوية لنقاط الخلاف القائمة بين البلدين.

الصورة التي أظهرت المصافحة بين رجب طيب أردوغان ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي، كانت مؤشرا على بدء عودة العلاقات، وعلّق عليها أردوغان بالقول، إن المصافحة التي جرت بينه وبين نظيره المصري عبد الفتاح السيسي في قطر يوم الأحد، كانت خطوة أولى نحو مزيد من التطبيع في العلاقات بين البلدين، مضيفا أن تحركات أخرى ستلي تلك الخطوة الأولى من أجل تطبيع العلاقات بين القاهرة وأنقرة.

تصريحات متبادلة من الطرفين، تثير تساؤلات حول مدى جدّية تركيا بشكل خاص في التقارب مع مصر، وتأثير ما تقوم به تركيا خاصة تدخلاتها في ليبيا وشرق المتوسط على هذه العلاقة.

ذروة توتر العلاقات بين أنقرة والقاهرة تعود إلى عام 2013، عندما تبادل الجانبين سحب السفراء، وذلك على أثر الموقف التركي من سقوط حكم تنظيم “الإخوان” في مصر، ودعم أنقرة للجماعة التي أعلنتها السلطات المصرية “تنظيما إرهابيا“.

لاحقا خلال المضي في مسار الجولات الاستكشافية للعلاقات بين الطرفين، قيّدت تركيا بعض القنوات الداعمة لـ“الإخوان” التي تُبث من إسطنبول، ومنعت بعض برامجها الرئيسية من الاستمرار، وعدت القاهرة ذلك إيجابيا.

قد يهمك: باتريوت ألمانية في أوكرانيا.. هل تحل نقطة الضعف العسكرية لكييف أمام روسيا؟

محللون ومراقبون لوضع العلاقات المصرية التركية، يرون أن العلاقات بينهما حاليا، بحالة توتر شديدة، حتى على الرغم من كسر العزلة ومحاولة وجود وفود ومباحثات، ولكن كانت هناك علامة استفهام حول تغيير تركيا لسلوكها مع مصر، هل هو استراتيجي أم تكتيكي.

مصر تريد معرفة هذه النقطة ومع تطور الأحداث وجدت مصر أن تركيا أبدت بعض التعاون معها بملف “الإخوان المسلمين” والمعارضة المصرية الموجودة بتركيا، ومن هنا كان هناك بعض المؤشرات الإيجابية، وكان هناك أيضا رفض تركي لتسليم بعض الشخصيات المعارضة، لكنها قامت بالنهاية بتقليل حدة الهجوم وحدة الخطاب، وتوقفت عن شن الهجوم ضد النظام المصري، فهذه المسألة كان فيها تقدم ملحوظ لكنه ليس شاملا وكاملا.

الملف الليبي وغاز المتوسط

الحكومة التركية، والحكومة التي يقودها عبد الحميد الدبيبة في ليبيا، والتي تقول مصر إنها منتهية الولاية، وقّعتا الشهر الماضي، اتفاقا لاستكشاف الغاز والنفط أمام السواحل الليبية، وهو ما رفضته مصر واليونان رسميا، واعتبراه متعارضا مع المبادئ الأممية، بسبب سحب مجلس النواب الليبي للثقة من حكومة الدبيبة.

من هذه الزاوية، يرى مراقبون أن محددات الموقف المصري، فيما يتعلق بالأمن القومي واضحة ولا يمكن الحياد عنها، وبالتالي فإن كل تحرك تركي ترى معه القاهرة أنه لا يتوافق مع أمنها سينعكس على مسار العلاقات مع أي طرف.

يبدو أن الجانب المصري أدرك، عدم وجود نية حقيقية تركية للاتجاه نحو سياسة صفر مشاكل مع القاهرة، ذلك مع وجود نقطتين أساسيتين لهما أولوية بالنسبة لمصر، الأولى هي الملف الليبي والمسار الانتقالي وتعطيل تركيا للعملية الانتقالية والانتخابات الليبية، وبالتالي هذه كانت نقطة الخلاف الكبيرة لأنها تمس الأمن القومي المصري.

أما النقطة الثانية، فهي تتعلق بملف الغاز وشرق المتوسط، وترسيم الحدود البحرية ومحاولة تركيا وضع نفسها عنوة مع عدم رغبة بعض الدول كمصر وقبرص واليونان وإسرائيل، التي وقّعت اتفاقا لإسالة الغاز في مصر وتصديره لأوروبا في الفترة القادمة، أي أن تركيا تريد إقحام نفسها في أي ترتيبات اقتصادية للطاقة، وأيضا محاولة التنقيب عن النفط والغاز في مناطق قد تكون خلافية بالنسبة للحدود البحرية، وبسط نفوذها في الإقليم ما يؤدي إلى الارتباك والأزمات وهذا ما يمكن اعتباره حرب خفية على الغاز.

مستقبل العلاقات

العديد من المراقبين يرون أن الدبلوماسية التركية تعتمد الصياغات البراقة التي تحث على الرغبة في التواصل وتصفير المشكلات، من دون أن ينعكس ذلك في سياسات تنفيذية تراعي مصالح مصر ولا تؤثر على أمنها، كما أن مصر ترى أن الوجود التركي السلبي في عدد من الدول العربية كليبيا وسوريا والعراق، يهدد الأمن القومي العربي والمصري، ولن تغض الطرف عن تلك المهددات.

قد يهمك: رفضتها معظم الأطراف الدولية.. هل تطلق أنقرة عملية عسكرية شمالي سوريا؟

في هذا السياق، رأى الباحث السياسي هاني سليمان، أن مستقبل العلاقات بين الطرفين يعتمد على طبيعة السلوك التركي في المرحلة القادمة، معتبرا أن ما يشهده العالم من مشاكل اقتصادية ومسائل إمداد الغاز، سيشكل واقعا لمراجعة بعض الدول لسياساتها، ووجود نوع من خط التفاهم والتقارب، خاصة في ظل الخط التركي مع السعودية والإمارات.

لكن في النهاية ربما تدفع أزمة الغاز والطاقة تركيا للحصول على بعض المكتسبات، وانتهاز هذه الفترة الحرجة في أوروبا للحصول على مكاسب سياسية واقتصادية سواء بالنسبة للدخول في الاتحاد الأوروبي مع منافع أخرى، ما سيزيد من رغبتها للحصول على حصص أكبر من الغاز والنفط خاصة في شرق المتوسط، وهذا ما يمكن أن يوتر الأجواء، بحسب سليمان.

سليمان أضاف أيضا في حديث سابق مع “الحل نت“، أن هناك خطّاً إيجابية للعودة في ظل الخط الجامع للأزمة العالمية ولكن بالنهاية السلوك التركي الأحادي، ربما يدفع بمزيد من الطمع التركي ومزيد من توتر الأجواء، وبالنهاية العلاقات ستعود بين الطرفين إلى التقارب لكن ليس في المستقبل القريب.

في حين يرى بعض المراقبون، أن المشاورات المصرية التركية تدخل في نفق مظلم، ولن تصل إلى المستوى المطلوب، خاصة أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، صرح مؤخرا أن هناك تقاربا بين البلدين على المستوى الاستخباراتي، ولكن تركيا بحاجة لرفع مستوى العلاقات خاصة على المستوى الوزاري الدبلوماسي.

توتر وعدم وجود قنوات من شأنها حل الملفات الخلافية بين دولتين مهمتين على الصعيد الإقليمي، قد يمنع أو يؤخر عودة العلاقات بينهما، في ظل سعي كل منهما لضمان مصالحه وأمنه القومي كما يراه، قبل الغوص جدّيا في ملف التقارب والتطبيع.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة