التعليم في إدلب: هل يمكن للمعلمين ممارسة مهنتهم وسط شح الدعم والفوضى الأمنية؟

التعليم في إدلب: هل يمكن للمعلمين ممارسة مهنتهم وسط شح الدعم والفوضى الأمنية؟

يواجه قطاع التعليم في إدلب كثيرا من المتاعب. فقد أغلقت عديد من المدارس أبوابها، وزادت نسبة تسرب الطلاب بشكل كبير جدا. فيما يتحدث كثير من المتابعين عن مزيد من التدهور المرتقب للعملية التعليمية برمتها، في المنطقة الخاضعة لسلطة ما يسمى “حكومة الإنقاذ”، التابعة لهيئة تحرير الشام

ورغم جهود بعض المنظمات المدنية في سبيل استمرار قطاع التعليم في إدلب، وسط الظروف السياسية والأمنية الصعبة، وفوضى الجهات والجماعات المتحكمة بالمنطقة، إلا أن ضعف الإمكانيات وشح الدعم يهدد بتوقف كامل للتعليم في المحافظة. ما يجعل مصير آلاف الطلاب مجهولا.

التعليم في إدلب يدخل نفقا مظلما

مصدر من داخل المجمع التربوي بمدينة أريحا شرح لموقع “الحل نت” واقع التعليم في إدلب، وطريقة اختيار وتوظيف المدرسين، والعوائق التي تقف أمام متابعة نشاطهم في السلك التدريسي.

يقول المصدر، الذي رفض الكشف عن اسمه: “يدخل الخريج الجامعي ضمن سلك التعليم في إدلب، عقب  نجاحه في مسابقة تجريها مديرية التربية في حكومة الإنقاذ. ثم يضع نفسه تحت تصرف المجمعات التربوية، في انتظار أي شاغر وظيفي. وتشمل المجمعات التربوية مجمع إدلب، وأريحا، وجسر الشغور، والدانا، ومعرة مصرين، وحارم، ومجمع المخيمات. ويتم تعيين المدرس وفقا للشواغر المتاحة، بغض النظر عن تخصصه الجامعي”.

وهنا يشير المصدر إلى “وجود دور للواسطات والمحسوبيات بالنسبة لتعيين المدرّس ضمن المدارس المدعومة، وهي التي تحظى بدعم كامل من قبل المنظمات الإنسانية. أو لدى تكليفه بالتدريس بوصفه متطوعا في المدارس غير المدعومة”.

وتحظى المدارس غير المدعومة جزئيا ببعض الدعم الأهلي، خارج نطاق الدعم الرسمي. لكن الأموال الممنوحة لهذا النوع من المدارس لا يناسب حجم الكادر التدريسي والإداري والخدمي. لذلك فإن المدرسين لا ينالون رواتب كافية. في حين يمكن الحديث عن مدارس غير مدعومة بالكامل، ما يعني أن المدرسين العاملين فيها متطوعون بشكل تام. وهذه المدارس معرضة أكثر من سواها للتوقف عن العمل التعليمي.

وتعد منظمة “مناهل” الداعم الأساسي لمدارس الحلقة الأولى ضمن نظام التعليم في إدلب، التي تشمل الصفوف التعليمية من الأول وحتى الرابع. فيما يتم دعم الحلقات التالية من منظمات عديدة دعما متقطعا. ما يفسر كثافة المدارس المدعومة، المندرجة ضمن الحلقة الأولى، مقابل ندرة المدارس المدعومة ضمن الحلقة الثانية.

ويحصل المدرس المثبت ضمن المدارس، التي تدعمها منظمة “مناهل”، على مرتب قدره مئة وخمسين دولارا لخريجي المعاهد، ومئة وستين لخريجي الكليات، ومئة وسبعين للحائزين على دبلوم التأهيل التربوي، ومئة وثمانين لحملة شهادات الماجستير.

مدرسون بلا دخل بقطاع التعليم في إدلب

وعلى الرغم من أن منظمات إنسانية مثل بنفسج، شفق، قبس، وغيرها، تساهم في دعم التعليم في إدلب، لكن الدعم غير كاف على الإطلاق، بحسب ما يشير مصدر “الحل نت” من داخل مجمع أريحا التربوي. إذ “تلجأ هذه المنظمات عادة لسياسة انتقائية، وتختار بضعة مدارس في مدن وبلدات متفرقة. بينما تواجه مئات المدارس الأخرى متاعبها المالية دون عون يذكر من أية منظمة. وهذا ما أدى لزيادة عدد المدرسين المتطوعين، الذين لايتقاضون سوى مبالغ زهيدة، لا تتجاوز ستمئة ليرة تركية كل شهر أو شهرين. أو لا يتقاضون أي مرتب، الأمر الذي يجعلهم يهجرون التدريس”.

سعيد أحد المدرسين المتطوعين في قطاع التعليم في إدلب، كان ممن تركوا التدريس بسبب العوائق المادية، وأكد لـ”الحل نت” أنه “عقب تخرجه من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة إدلب عمل مدرسا في الحلقة الثانية، خلال فصل دراسي كامل، مع وعود من قبل إدارة المدرسة بتقديم منح مالية له، تصل إلى مئة دولار عن كل شهر. إلا أنه تفاجأ مع صرف المنح بأن راتبه لا يتجاوز ستمئة ليرة تركية، أي ما يعادل أربعين دولارا. ما اضطره للاستعفاء من التدريس، والبحث عن عمل آخر، يضمن له دخلا مقبولا”.

ترك العمل بقطاع التعليم في إدلب لا يشمل المدرسين المتطوعين أو المنقطعين فحسب، بل يتجاوزه إلى المدرسين الذين يحصلون على رواتب مدعومة. وذلك بسبب غياب الدعم الحقيقي، الذي يجعل المدرّس يحظى بمستوى معيشي معقول.

جهاد، وهو أحد المدرسين في مجمع إدلب، قال لـ”الحل نت” إن “أعلى راتب للمدرّس لا يصل إلى مئتي دولار. وهو مبلغ محدود وغير متناسب مع الواقع المعيشي في إدلب”. ويتابع بأن “معظم من يعرفهم من المدرسين يمارسون عملا إضافيا خارج التدريس، بينما يقتنص بعض المدرسين فرصة حصولهم على وظيفة في المنظمات الإنسانية لهجر التدريس بشكل تام، بحثا عن معيشة أفضل”.

مقالات قد تهمك: “الدعم النفسي” قبل الخبز والدواء والتعليم: هل تتجاهل المنظمات المدنية الحاجات الأساسية لأهالي إدلب؟

رسوم “مديرية التربية”

وأمام دعم المنظمات المدنية شبه التام للحلقة التعليمية الأولى في إدلب، والدعم المتفرق للحلقة الثانية، تبدو مساهمة ما يعرف بـ”حكومة الإنقاذ” في الإنفاق على التعليم في إدلب محدودة للغاية، وشبه مقتصرة على مراقبة العملية التعليمية.

فضلا عن هذا تنال مديرية التعليم في تلك الحكومة ثلاثين بالمئة من الأموال، التي تجمعها المدارس من الطلاب مع بداية كل سنة. إذ يلزم كل طالب في الصف الأول بدفع مبلغ عشرين ليرة تركية، فيما يدفع طلاب الصفوف الانتقالية مبلغ خمس عشرة ليرة تركية.

إضافة لهذه الرسوم تحصل مديرية التربية على قسم من الأموال التي تجبيها المعابر التجارية، على شكل رسوم تربية وتعليم. إضافة للرسوم المتفرقة، التي تفرضها لقاء تنظيم الدورات التكميلية لطلاب الشهادات الأساسية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.