الأزمة السياسية في العراق: هل يصبح سعر الدولار أحد أسلحة الحرب بين الصدر وخصومه؟

الأزمة السياسية في العراق: هل يصبح سعر الدولار أحد أسلحة الحرب بين الصدر وخصومه؟

تصاعدت مؤخرا الأزمة السياسية في العراق. خاصة بعد عدم اتفاق التيار الصدري، الفائز الأبرز في الانتخابات العراقية؛ وقوى الإطار التنسيقي، الذي يمثل الفصائل الموالية لإيران، على شكل الحكومة المقبلة. إذ يتمسك التيار الصدري برغبته في تشكيل حكومة أغلبية نيابية، ويعارضه في ذلك الإطار التنسيقي، المطالب بحكومة توافقية، تؤمّن له مشاركة فاعلة في حكم البلاد.
وعلى الطرف الآخر تعلن القوى السنية حيادها، رغم زياراتها المتكررة لمقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري. بينما أعلنت الأحزاب الكردية دعمها للصدر في تشكيل حكومته.
وعلى مدار الشهرين الماضيين، تنوّعت أشكال الصراع بين المتنافسين، بدءا من تبادل التهديدات، وصولا إلى حملة الاغتيالات المنظّمة، التي حدثت في محافظة ميسان جنوبي البلاد. الجديد هنا دخول العامل الاقتصادي إلى حلبة الصراع السياسي بين مختلف الفرقاء. ما يشعل الأزمة السياسية في العراق إلى درجات غير مسبوقة.

أسباب زج الإقتصاد في الأزمة السياسية في العراق

أخذت الأزمة السياسية في العراق شكلا جديدا، بعد تغريدة الصدر، التي دعا بها إلى “خفض أسعار تصريف الدولار مقابل العملة المحلية، وفرض الرقابة على البنوك، ومحاسبة المتورطين في عمليات تهريب العملة الأجنبية”.

وتهدف هذه التغريدة إلى “تبرئة التيار الصدري من تهمة ضلوعه في الأزمة الاقتصادية، التي وُجّهت له دائما، باعتبار أن محافظ البنك المركزي محسوب على الصدر، وهو من أبرز المؤيدين لرفع أسعار الصرف”، بحسب ما قاله لـ”الحل نت” الباحث السياسي عثمان الموصلي.
المحلل السياسي محمد العزي يتفق مع الموصلي في هذا الشأن، مضيفا، في إفادته لـ”الحل نت”، أن “الصدر يرغب أيضا في إضعاف قدرة خصومه المالية. نظرا لعلاقتهم المباشرة بعدة مصارف، ذكرها الصدر في تغريدته. مثل مصرف الشرق الأوسط القابض ومصرف الأنصاري”.
ويعتقد العزي في الوقت ذاته أن “الصدر يحاول كسب تعاطف الشعب العراقي من خلال إيهامه بقدرته على حل الأزمة الاقتصادية، الأمر الذي يعتبر أبرز المطالب الشعبية. وبالتالي كسب تحالفات سياسية مع الكيانات القريبة من المواطن، مثل المستقلين والقوى التشرينية، ما يزيد من ثقله السياسي داخل البرلمان، ويساعده على حسم الأزمة السياسية في العراق”.
موقع “الحل نت” تواصل مع مصدر مقرّب من التيار الصدري، فضّل عدم نشر اسمه، أكد “عدم حاجة التيار الى كسب تعاطف الجماهير، نظرا لحجم قاعدته الشعبية، التي مكنته من رفع نفوذه داخل البرلمان بشكل تصاعدي منذ عام 2011”.
مستدركا أن “الهدف من تغريدة الصدر هو إثبات مساعيه الرامية الى الإصلاح وملاحقة الفاسدين. ومن ضمنهم الفاسدين المرتبطين به”.

حرب الدولار والاستجوابات بين الصدر وخصومه

من جانب أخر أفاد الباحث السياسي سلام العزاوي لـ”الحل نت” أن “الصدر يسعى الى تحجيم نفوذ منافسيه، من خلال تأجيج الشارع ضدهم. ردا على إستبعاد حليفه هوشيار زيباري من الترشح إلى منصب رئاسة الجمهورية، بسبب طعون شارك بتقديمها الإطار التنسيقي الى المحكمة الإتحادية العراقية، تتعلق بارتباطه بملفات فساد”.
وأردف العزاوي أن “الإطار قد أدرك مساعي الصدر في إضعاف نفوذ منافسيه، وسارع إلى الإعلان عن جهوده لتغيير أسعار صرف الدولار في موازنة العام الجاري”.
ومن أهم فصول تصاعد الأزمة السياسية في العراق قيام “حاكم الزاملي”، النائب الأول لرئيس مجلس النواب العراقي، وعضو التيار الصدري، باستدعاء وزير المالية العراقي علي عبد الأمير علاوي للاستجواب. وعلاوي هو ابن اخت السياسي الراحل أحمد الجلبي، أحد مؤسسي “البيت الشيعي”، أي الإطار السياسي للقوى السياسية الشيعية، الذي ظهر قبيل سقوط النظام العراقي السابق. وعندما رفض الوزير الاستجابة للاستدعاء، قام الزاملي بتقديم عريضة تطالب باستجوابه، وقع عليها مئة نائب برلماني. ما يشير إلى نية التيار الصدري الرد على قوى الإطار التنسيقي، وتصعيد الأزمة السياسية في العراق.
وتجد مثل هذه الدعوات صدى شعبيا، بسبب يأس الناس من الأزمة المالية والاقتصادية، وإدراكهم عدم جدوى السياسات الحالية في تحسين واقعهم.

هل تستطيع الكتل السياسية تغيير سعر الصرف؟

الباحث الإقتصادي محمد عبد الكريم يؤكد أن “هنالك تضليلا إعلاميا حول قدرة السياسيين على تغيير أسعار صرف الدولار. فمثل هذه القرارات يتحكم بها صندوق النقد الدولي، الذي يرغب في إغلاق ملف الديون العراقية، بعد تلكؤ الحكومات السابقة في تسديد دفعاتها بسبب الفساد المالي. وهو ما دفع صندوق النقد الى فرض زيادة أسعار التصريف على الجهات المختصة”.
وكان البنك الدولي قد أجبر الحكومة العراقية على شراء الدولار الواحد بسعر 1190 دينارا. وبيعه في الأسواق بسعر 1480 دينارا. ويعمل صندوق النقد الدولي على استحصال قيمة الفرق من الحكومة العراقية من أجل تسديد ديونها.
ويتابع عبد الكريم، في حديثه لـ”الحل نت”: “بناء على ما تقدّم فإن الإقتصاد هو المحرك الرئيسي لسياسة البلد وليس العكس. وبالتالي فإن جميع التصريحات السياسية مجرد زوبعة لن تحقق غرضها. وإن كانت ستصعّد الأزمة السياسية في العراق”.
ويرى عبد الكريم أن “كثيرا من التجار المرتبطين بالأحزاب المتنفذة، سعوا بعد تغريدة الصدر، إلى شراء كمية كبيرة من العملة الصعبة بسعر منخفض، قبل عودة الدولار إلى سعره الطبيعي”.  
وكانت وزارة المالية العراقية قد أكدت في بيان لها “عدم وجود أي تغيير في أسعار الصرف”. ودعت إلى “عدم الانسياق وراء الإشاعات المتداولة”.

إلى متى ستستمر الأزمة السياسية في العراق

ولكن هل تستمر الأزمة السياسية في العراق، أم سيتم التوصل إلى حل لها؟ وهو أهم سؤال يطرحه الشارع العراقي.
عثمان الموصلي يتوقع “استمرار الأزمة حتى وضوح طبيعة التحالفات السياسية القادمة. وإمكانية تشكيل الأغلبية السياسية”.
ولكنه يستبعد “الاتجاه نحو التصعيد المسلح. بسبب إدراك كل طرف القوة العسكرية للطرف الآخر. وما ينتج عن الاقتتال من خسائر. إضافة الى إحتمال تدخّل القوات الأميركية في فض الخلاف بينهما بالقوة. ولذلك فالأفضل للقوى السياسية التوجه نحو الاغتيالات والضغط الاقتصادي، وعدم الدخول في مواجهة مفتوحة”.  

مقالات قد تهمك: الصراع على الحكومة العراقية: هل تقوم إيران بإشعال مدن الجنوب للضغط على الصدر؟

ويرجّح الموصلي أن “يحقق الصدر مساعيه في تولي رئاسة الوزراء، وتشكيل حكومة أغلبية. استنادا إلى عدة معطيات. منها الدعم المقدّم له من السنة والكرد، وشعبيته المتزايدة، وتقرّبه من الشارع. ما سيضع الإطار التنسيقي في خانة المعارضة، ويمكّن الصدر من حسم الأزمة السياسية في العراق لمصلحته، حتى لو بشكل جزئي”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.