أموال العراق المهربة للخارج: هل تتمكن الحكومة العراقية من الاستفادة مما سرق من البلاد؟

أموال العراق المهربة للخارج: هل تتمكن الحكومة العراقية من الاستفادة مما سرق من البلاد؟

تقدّر أموال العراق المهربة للخارج، في إطار عمليات الفساد، التي استمرت على مدار عقدين من الزمن، بأكثر من ثلاثمئة وخمسين تريليون دينار، أي ما يعادل مئتين وواحد وأربعين مليار دولار. وهذا الرقم يكفي لموازنات العراق في السنوات الثلاث المقبلة.
أما بالنسبة للأموال العراقية المجمدة فهي جزء من ملف يعدّ لصيقا بملف الفساد، ويعود لبدايات استلام حزب البعث المنحل لمقاليد الحكم في العراق، وتأميم شركات النفط. فقد جرى نقل حصة شركة “كولبنكيان”، البالغة خمسة في المئة من عائدات النفط السنوية، وسجلت باسم حزب البعث. وتم إيداعها في سويسرا وألمانيا. ولغاية سقوط النظام السابق ظلت هذه الأموال في الخارج دون استردادها. وتقدّر بنحو خمسمئة مليار دولار، موزعة بين أموال نقدية وعينية.
ومع حالة الإحباط في الشارع العراقي، بسبب عدم نجاح حكومات ما بعد 2003 بالقيام بأي تحرك لاستعادة أموال العراق المهربة للخارج، والمجمدة في البنوك الأجنبية، فوجئ المراقبون والمتخصصون في الشأن السياسي والاقتصادي بإعلان الحكومة العراقية نجاحها، ولأول مرّة، باختراق السرية المصرفية الدولية بشكل قانوني، عبر جهود هيئة النزاهة، وصندوق استرداد أموال العراق.
هذه الخطوة ستمكّن العراق من الاطلاع على محتويات الخزائن البنكية في سويسرا. ويأتي كل ذلك بعد أن أشارت تقارير منظمة الشفافية الدولية لعام 2021 إلى تحسّن واضح، وتقدم في تصنيف العراق بين دول العالم، ضمن تقرير مؤشر مدركات الفساد الذي تصدره المنظمة.
كما يأتي ذلك مع استمرار هيئة النزاهة العراقية في الكشف عن نجاحها بمنع حالات هدر المال العام باستمرار. ومنها ما ذكرته، في تقريرها السنوي لعام 2021، عن منع هدر أكثر من خمسة عشر تريليون دينار عراقي (نحو 10 مليارات و279 مليون دولار). وأن الأموال العامة، التي تم استرجاعها والتحقيق فيها، أو إصدار أحكام قضائية بردها، وكذلك التي منعت الهيئة هدرها، وتمت إعادتها إلى حساب الخزينة العامة، بلغ مجموعها ستمئة واثنين وأربعين مليار دينار، إلى جانب مبلغ آخر يقدّر بعشرة مليارات دولار.

كيف توصّل العراق إلى أمواله المهربة في سويسرا؟

“مليارات الدولارات من الأموال العراقية المهربة للخارج تتحفظ عليها الحكومة السويسرية. وهذه الأرقام لم تفصح عنها أي مؤسسة حكومية في العراق، لأن هذه الأموال تعود لعمليات تهريب الثروات الطبيعية، وتوضع في حسابات مشفّرة، بسبب حجمها الكبير”، هذا ما كشفه محمد الربيعي، عضو الشبكة العربية لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد.
ويقول الربيعي لـ”الحل نت” إن “الخطوة التي حققها العراق في هذا الجانب، ووصوله للحسابات السرية في سويسرا، تمت بطرق قانونية. وذلك استناداً لقرار مجلس الأمن بإلزام الدول الأعضاء في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد على كشف الحسابات السرية لديها، ومنها في سويسرا، حيث الحسابات المشفرة”.
واستناداً لقوانين العراق، وعضويته في اتفاقية الأمم المتحدة، التي صادق عليها منذ عام 2007، وبناء على مخرجات مؤتمر استرداد الأموال المنهوبة، الذي عقد في أيلول/سبتمبر الماضي في بغداد، قدمت الحكومة العراقية طلبا لسويسرا لكشف حسابات بعض الأسماء في بنوكها، ووافقت سويسرا على الطلب فعلا.
ويتابع الربيعي حديثه بالقول: “من الصعوبات التي تواجه استعادة الأموال العراقية المهربة للخارج أن بعض هذه الأموال، ولحجمها الكبير، قد دخلت ضمن الدورة الاقتصادية في بلدان متعددة، وبدأت تشكل جزءا من اقتصادها، لذلك لا يمكن سحبها بين ليلة وضحاها، ويجب إبرام مذكرات تفاهم لاستردادها”.
موضحا أن “العراق سابقا لم يتمكن من الوصول إلى الحسابات السرية في سويسرا، بسبب عدم تنظيم الجهود، وعدم إعطاء الأولوية لاسترداد أموال العراق المهربة للخارج. وتحديد أهداف الملاذات الآمنة لها، ووضع خطة عمل لهذا الأمر. وبعد مؤتمر استرداد الأموال المنهوبة في بغداد، وضعت خطة عمل بشراكة دول عديدة، وبالتنسيق مع الأمم المتحدة، باعتبار العراق أحد أعضاء الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد، إضافة إلى أنه يترأس الشبكة العربية لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد. وقد نجحت الحكومة العراقية باستثمار هذا الأمر، وفتح أكثر من ثلاثمئة وسبعين ملف استرداد للأموال. ويمكن القول إن بغداد بدأت تخطو بجدية الآن”.

ما مصير الأموال في حال استردادها؟

وعن مصير أموال العراق المهربة للخارج، في حال تم استردادها، يقول الربيعي: “لن تكون سويسرا المحطة الأخيرة، إلا أنها أحد أهم الملفات التي يعمل عليها العراق، لأنها كانت ملاذا آمنا لأموال تقدّر بمئات ملايين الدولارات. ويجب أن ينشأ صندوق خاص في العراق لهذه الأموال فور استردادها، دون إدخالها ضمن الموازنة الاتحادية للعراق. ويخصص جزء منها للاستثمار، من أجل تطوير البنى التحتية في المناطق الفقيرة، لخلق مجتمع واعٍ يحارب الفساد، ويدعم هذه الجهود”.
كما شدد الربيعي على “ضرورة أن تتعامل الحكومة العراقية مع الأموال المجمدة وعقارات النظام السابق دون تمييز، سواء التي تنتمي إلى ما قبل عام 2003 أو إلى ما بعده”.

مقالات قد تهمك: الموازنات العراقية في بحر من الفساد: لماذا تنفق المليارات على مشاريع فاشلة أو وهمية؟

“أموال العراق المهربة ملكٌ للحكومة العراقية”

إلا أن مظهر محمد صالح، المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي، لديه رأي آخر حول مصير الأموال العراقية: “سيكون استرداد أموال العراق المهربة للخارج ضمن السياقات والقوانين والنظم والتعليمات المالية العامة لجمهورية العراق، وتحصيلها يمثل إيرادا نهائيا للموازنة العامة”.
ويقول صالح لـ”الحل نت” إن “قانون الادارة المالية النافذ، وتعليمات تنفيذ الموازنة، لا يسمحان بالتصرف بالمال العام، عند تحصيله، خارج السياقات المالية العامة. وهذا ينطبق على استرداد الأموال المسروقة والمهربة خارج البلاد”.
ويضيف أن “الإيرادات المتحصلة ملك للحكومة العراقية، التي تمثلها وزارة المالية. وهي ليست منحة أو قرضا مخصصا لمشروع ما، وإنما أموال عامة. ويعبّر عنها بالإيرادات التحويلية لمصلحة الميزانية  العامة”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.