خط الغاز نورد ستريم 2: هل تتم إعادة تأهيل النظام الإيراني لإيجاد بديل للغاز الروسي؟

خط الغاز نورد ستريم 2: هل تتم إعادة تأهيل النظام الإيراني لإيجاد بديل للغاز الروسي؟

يعتبر خط الغاز نورد ستريم 2، المخصص لتوريد الغاز الروسي إلى أوروبا عموما، وألمانيا خصوصا، أحد أهم عوامل الصراع في الأزمة الأوكرانية. فقد عارضت الولايات المتحدة دائما مشروع إقامة هذا الخط، وحذرت حلفاءها الأوروبيين من عواقبه السياسية، التي قد تصل إلى حد التبعية لروسيا، في حال بات الاقتصاد الأوروبي معتمدا تماما على مصادر الطاقة الروسية.
وبعد اجتياح القوات الروسية لأوكرانيا، علّقت ألمانيا المصادقة على تشغيل خط الغاز نورد ستريم 2، وهو قرار جاء في وقت صعب، إذ تعاني أوروبا من أزمة طاقة كبيرة، أدت لعرقلة الإنتاج الصناعي ورفع أسعار المواد الأساسية. خصوصا مع رفض روسيا زيادة توريد الغاز عبر الخطوط القديمة.
وكانت الولايات المتحدة قد قررت، نهاية الشهر الماضي، إرسال حوالي ثمانين حاوية لنقل الغاز إلى دول من الاتحاد الأوروبي، في حال قررت روسيا قطع إمدادات الغاز عن أوروبا. لكن هذه الكمية لا يمكن أن تعوّض عن إمدادات الغاز التي كانت توفرها روسيا.
كل هذا سيدفع السياسيين الأوروبيين للبحث عن مصادر بديلة للطاقة والغاز الطبيعي، وفي هذا السياق تبرز دولة قطر، بوصفها تملك أحد أكبر الاحتياطات العالمية من الغاز. إلا أن الحكومة القطرية أعلنت، في أكثر من مناسبة، أنها لا تستطيع إمداد الأوربيين بما يحتاجونه من الغاز، بالوقت والكمية المناسبة. ولهذا يتحدث محللون عن إمكانية توجه أوروبا إلى إيران، التي تمتلك ثاني أكبر احتياطي غاز في العالم، رغم تهالك البنية التحتية لإنتاج الغاز الإيراني.
هذه الخطوة المحتملة قد تؤدي لتبعات سياسية كبيرة. أهمها إمكانية إبداء مرونة غربية أكبر في الملف النووي الإيراني، بل وربما إعادة تأهيل النظام الإيراني نفسه، ليصبح شريكا اقتصاديا أساسيا للغرب.
السؤال الأهم هنا قد يكون: ما تأثير هذا على سوريا؟ فمن المعروف وجود حالة من التنافس بين الإيرانيين والروس على الأرض السورية، رغم كون الطرفين حليفين أساسيين لحكومة دمشق. فهل تعليق خط الغاز نورد ستريم 2، وتبعاته على العلاقات الدولية، قد يساهم بتغلغل أكبر لإيران في سوريا على حساب روسيا؟

هل ستستغل إيران تعليق خط الغاز نورد ستريم 2

الصحفي والمحلل السياسي وليد الشيخ يؤكد بخصوص خط الغاز نورد ستريم 2 أن “المستشار الألماني أولاف شولتس لم يلغ الخط تماما. وكل ما فعله أنه طلب من هيئة تنظيم الطاقة الألمانية تأجيل إعطاء الترخيص لبدء عمل الخط، ونقل الغاز من خلاله لألمانيا”.
إلا أن تداعيات أزمة الطاقة الأوربية ستتصاعد في الفترة المقبلة، بحسب الشيخ، الذي يشير، في حديثه لـ”الحل نت”، إلى “وجود تأثيرات للصراع الروسي-الأوكراني على تعامل الغرب بوجه عام مع الملف النووي الإيراني. ولذلك فوجئنا الأسبوع الماضي بمرونة غربية تجاه الإيرانيين. تبدّت بإعلان قرب التوصل هذه المرة لاتفاق نهائي مع إيران. ربما على الأقل لتحييد طهران، وعدم جرها لدعم روسيا بقوة في النزاع الأوكراني”.
مضيفا: “لكنّ إيران تعد حليفا تقليديا لروسيا والصين، اللذين دعماها طوال العقدين الماضيين، في مواجهة تهديدات أميركية وصلت للتلويح بغزو إيران. والتعاون الإيراني الروسي كان واضحا ووثيقا في سوريا. فضلا عن هذا انضمت إيران، في أيلول/سبتمبر الماضي، إلى منظمة شنغهاي، التي تضم الصين وروسيا والهند وباكستان وكازاخستان وقرغيستان وطاجكيستان وأوزبكستان. وهو ما يعتبره بعض المراقبين تحالفا شبه سياسي، على الأقل في منطقة وسط وشرق آسيا، ولهذا من الصعب تصوّر أن تتصرف إيران وكأنها تبحث عن مصالحها الخاصة، المتعارضة مع مصالح روسيا. بحيث تبدو وكأنها تخفف عن الغرب تداعيات إيقاف واردات الغاز الروسية لأوروبا، بعد تعليق خط  الغاز نورد ستريم 2. فتصبح بهذا داعمة للحصار الاقتصادي على روسيا، الذي عانت هي نفسها منه لعقود طويلة، وكانت روسيا والصين تدعمانها فيه”.

إيران لن تشارك بحصار روسيا بعد تعليق خط الغاز

ويتابع وليد الشيخ توقعاته للسياسة الإيرانية بعد تعليق خط الغاز نورد ستريم 2 بالقول: “إيران، بطبيعتها البراغماتية، يمكن أن تستغل الأزمة لتحصل على أكبر مكاسب منها، بالتوصل لاتفاق نووي جديد، وإلغاء جميع العقوبات الاقتصادية السابقة ضدها. بل وربما الحصول على صفقات تعاون اقتصادي مع الاتحاد الأوروبي، لكن دون أن أي إضرار بالمصالح الروسية. فموسكو تعد حليفتها الموثوقة عبر السنوات الماضية”.
 بدائل الغاز الروسي لا تقتصر على الغاز الإيراني، بحسب الشيخ، فقد “ذكرت تقارير إعلامية، في الأسابيع الماضية، دولا مختلفة قد تقدم البديل، ومنها الولايات المتحدة نفسها، وقطر ومصر ونيجيريا وأذربيجان وكوريا الجنوبية”.
مختتما حديثه بالقول: “يبقى الوضع صعبا. خاصة أن ألمانيا تعتمد على الغاز الروسي  بنسبة 55% من الغاز المستورد. وقد ألمح الرئيس بوتين للمستشار الألماني شولتس، في زيارته الأخيرة لموسكو، أنه لو توقف الغاز الروسي، الذي يقدّم بأسعار أرخص من الأسعار العالمية لألمانيا، فإن المواطن الألماني سيضطر لدفع خمسة أضعاف السعر الحالي للوصول لمصادر الطاقة. وهو ما جعل عديدا من المراقبين والسياسيين الألمان يحذرون من عواقب وخيمة على الاقتصاد الألماني، بعد تعليق خط الغاز نورد ستريم 2. في الوقت الذي أكد فيه سعد شريده الكعبي، وزير الطاقة القطري، أنه ليس بإمكان قطر، ولا أي بلد آخر لوحده، توفير الكم الكبير من الغاز الذي تحتاجه أوروبا، على المدى القصير”.

التنسيق الروسي الإيراني سيستمر في سوريا

عزام القصير، المختص بالعلوم السياسية والاستاذ في جامعة لندن، تحدث لـ”الحل نت” عن الانعكاسات المتوقعة لتعليق خط الغاز نورد ستريم 2 على الأزمة السورية، قائلا: “لست مع المبالغة في تقدير حجم التنافس بين إيران وروسيا ضمن السياق السوري. أعتقد أن هناك توزيعا للأدوار، وتقاسما للمصالح والنفوذ بينهما. قواعد اللعبة القائمة في سوريا تقوم على أن لإيران الحرية في الانتشار على الأرض، عبر ميلشياتها وخبرائها العسكريين، وأن روسيا تتولى السيطرة الجوية، وتعزز قواعدها المطلة على المتوسط، بما يمنحها ورقة استراتيجية، تستخدمها في علاقاتها مع تركيا واسرائيل والغرب”.
متابعا حديثه بالقول: “باعتقادي أن اللحظة الحالية جدية وخطيرة بالنسبة لروسيا، لذلك لن تتساهل في موضوع سيطرتها ونفوذها في سوريا. وهذا بطبيعة الحال لا يغيب عن ذهن صنّاع القرار في طهران. لذلك لا مصلحة لميليشيات إيران في السير عكس رغبة روسيا. بل أعتقد أن تلجأ القوات النظامية، ومعها الميلشيات المدعومة من إيران، للتنسيق مع روسيا مباشرة، في حال تم اتخاذ قرار بفتح أي جبهة في سوريا. ولا سيما جبهة إدلب وريف حلب”.
مبيّنا أن “ذلك مرتبط بالموقف الذي ستتخذه تركيا من الحملة العسكرية الروسية على أوكرانيا. ففي حال انضمت تركيا للدول المناهضة للحملة الروسية، فلا أرى ما يمنع روسيا من استخدام ثقلها في سوريا، والتنسيق مع إيران للضغط على أنقرة، وإشغالها عسكريا، وإعادة فتح ملف النزوح واللجوء”.

مقالات قد تهمك: الأزمة الأوكرانية والحرب السورية: هل سيعيد الغرب فتح الملف السوري ردا على روسيا؟

من الواضح إذا من حديث القصير أن تداعيات تعليق خط الغاز نورد ستريم 2 لن تكون بسيطة للغاية على كل من روسيا وأوروبا وإيران، فهي قد تعيد تركيب المشهد الدولي شديد التعقيد، وتدفع إلى تمكين تحالفات قديمة، أو بناء تحالفات جديدة، من الصعب توقع طبيعتها حاليا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.