في حديثه للصحفيين الأتراك في ألبانيا، أمس الثلاثاء، قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إنه يعتزم مناقشة التوترات المتصاعدة مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، محذرا موسكو من غزو أوكرانيا التي لها أصدقاء دوليون، بحسب وصفه.

وتشير الدلائل إلى أن العلاقات بين البلدين قد تكون متجهة للتصعيد خلال الفترة المقبلة إذا ما ابتعدوا عن توافقاتهم، لاسيما بعدما أثار إمداد تركيا بطائرات مسيرة قتالية لأوكرانيا غضب روسيا، التي تخشى أن تستخدمها كييف في صراعها المستمر منذ سنوات، والذي يراه مراقبون أنه قد ينعكس على الملف السوري.

مناطق الصراع السوري في خطر

يعتقد المحلل السياسي، بسام القوتلي، في حديثه لـ”الحل نت”، أن خيارات أنقرة محدودة في حال تجدد الصراع في أوكرانيا. قائلا: “فمن جهة لا مصلحة لها في التوسع الروسي الذي يهدد مصالح تركيا، ومن جهة أخرى لا قدرة لأنقرة على مواجهة التوسع الروسي من دون انخراط مباشر وواضح لحلف الناتو في هكذا صراع”.

ويشير القوتلي، إلى أن أنقرة لديها ذكريات سابقة تخلى فيها الناتو عنها، عند إسقاط الطائرة الروسية في 2015، وقد تخشى أنقرة من تكرار هذا النموذج. مضيفا، “أظن أن أي توسع روسي في أوكرانيا سيجعل تركيا أكثر تمسكا بالشمال السوري لإبعاد روسيا عن حدودها الجنوبية”.

ومن جهته، يرى المحلل السياسي، درويش خليفة، أن الموقف التركي في أوكرانيا له تداعيات على العلاقة مع روسيا أيضا، لاسيما من خلال تعارضهما في محطات خارجية يتواجد فيها جيشا البلدين. 

مضيفا، أن الخلافات التركية الروسية، تتجاوز الحدود السورية بآلاف الأميال، وتصادمها ليس خفيا في ليبيا وأوكرانيا، وأذربيجان وأرمينيا. وعدا ذلك، هناك توجس روسي من فقدان السيطرة على البحر الأسود، وفي عدة مناسبات رُصد وجود مُسيرّات تركية من نوع “بيرقدار TB 2” فوق إقليم دونباس وأجزاء من البحر الأسود.

وطبقا لحديث خليفة، فإن الرسائل بين الجانبين لم تتوقف عند استخدام الأدوات العسكرية فحسب. بل رافقتها تصريحات إعلامية لم تتوقف بين مسؤولي البلدين، فبعد استقبال الرئيس التركي لنظيره الأوكراني في نيسان/أبريل 2021. وتجديد أردوغان دعمه لوحدة أراضي أوكرانيا، عندما صرح لوسائل الإعلام، “إن تعاوننا ليس بأي حال من الأحوال محاولة ضد دولة ثالثة”، في محاولة لطمأنة بوتين.

أما أثر ذلك على الشمال السوري، فهو يتعلق بحجم الرسائل التي ترسلها موسكو بقصف إدلب وريفها، من خلال تصفية حساباتها مع تركيا. إلا أن الأتراك لن يتخلوا عن الشمال السوري مهما كلفهم الأمر، لأنه مرتبط بأمنهم القومي بالدرجة الأولى وبوضع اللاجئين السوريين في بلادهم. وفق رأي خليفة.

للقراءة أو الاستماع: دعم روسي لدمشق من بوابة شبه جزيرة القرم.. من المستفيد الحقيقي؟

قلق من عزلة جديدة

وفي السياق ذاته، توقع الباحث معهد الدراسات الاستراتيجية الوطنية بجامعة الدفاع الوطني الأمريكية، جيفري مانكوف، أن تخسر تركيا بشكل كبير في المواجهة بين روسيا وأوكرانيا. فمنذ تنصيب الرئيس الأميركي، جو بايدن، في كانون الثاني/يناير 2021، حاولت أنقرة تهدئة نزاعاتها المعلقة مع واشنطن وحلفاء الناتو الآخرين.

ويرجع ذلك في رأي مانكوف، إلى القلق من أن العزلة المتزايدة تجعلها عرضة بشكل متزايد للضغط الروسي. حيث تخاطر أنقرة بالعزلة الدبلوماسية والتوسع الاستراتيجي المفرط في حالة تجدد الصراع في أوكرانيا. إذ يمكن لروسيا تصعيد الضغط ضد المصالح التركية في إدلب.

وتسعى تركيا لتحقيق مكاسب من حرب روسيا في أوكرانيا، بعد التراجع في إمدادات الغاز إلى أوروبا عبر بيلاروسيا وأوكرانيا. لذا فإن إلغاء أو تعليق خط أنابيب “نورد ستريم 2” من قبل المنظمين الألمان سيكون بمثابة ضربة كبرى لأنقرة. وخطوط أنابيب “بلو ستريم” و “ترك ستريم”، مما يعزز على الأقل على المدى القصير طموحات تركيا لتعزيز دورها كدولة عبور.

ومع ذلك، يرجح مانكوف، أن تكون العواقب الأوسع للهجوم الروسي على أوكرانيا سلبية. مثل زيادة تعزيز التفوق العسكري البحري الروسي في البحر الأسود، وإضعاف شراكة تركيا وأوكرانيا. وإلحاق المزيد من الضرر بالاقتصاد التركي، واحتمال تدفق اللاجئين والهجمات ضد المصالح التركية في سوريا وأماكن أخرى.

وعليه فإن تصعيد الصراع بين روسيا وأوكرانيا، باعتقاد مانكوف، سيكون مأساة لكثير من دول أوروبا. بالنسبة لتركيا ، يمكن أن يؤدي ذلك إلى نهاية عملية التوازن طويلة الأمد بين الناتو وروسيا. إلى جانب إنهاء طموح النفوذ الإقليمي الذي حدد فترة حكم أردوغان.

للقراءة أو الاستماع: بعد القرم… تأسيس “بيت تجاري” بين سوريا وأوسيتيا الجنوبية

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.