نفذ بوتين ما كان يخطط له منذ أشهر، حيث بدأت روسيا غزو أوكرانيا في الساعات الأولى من فجر الخميس، عبر عدة محاور برا وجوا وبحرا.

وعلى إثر ذلك، سقط العشرات من الضحايا من المدنيين والجنود الأوكرانيين والقوات الروسية. وفيما يبدو أننا سنشهد في الفترة المقبلة تداعيات هذه الحرب سواء على المدى القريب أو البعيد، خاصة على الدول التي تتواجد فيها روسيا مثل سوريا.

تضرر الأمن الغذائي في سوريا
غزو روسيا لأوكرانيا سوف يتسبب في خسائر جمة لموسكو لا سيما أن كلفة الحرب المادية والعسكرية ليست هي الخسارة الوحيدة، فهناك عقوبات اقتصادية مشددة، ما يتصل بشبكات التعاملات المالية العالمية، ما يضاعف من الخسائر الروسية في ظل إجماع دولي برفض التحركات الروسية.

وقال الرئيس الأميركي جو بايدن، أمس الخميس، إنه فرض عقوبات أميركية جديدة على روسيا، التي سيكون لها تأثير قوي على الاقتصاد الروسي، وأضاف الرئيس الأمريكي في كلمة بشأن الغزو الروسي لأوكرانيا أن “مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى وافقت خلال قمة افتراضية الخميس على فرض رزم عقوبات مدمرة”، وتابع بايدن في كلمته، “أن هذه العقوبات ستكبد الاقتصاد الروسي تكاليف باهظة، على الفور وعلى المدى البعيد في آن واحد”.

كما أن اندلاع هذه الحرب ستؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار بالعالم، وفي منطقة الشرق الأوسط ودول شمال إفريقيا التي ستتأثر بتداعيات الحرب في مجال تجارة المواد الزراعية وإنتاج الحبوب في دول منطقة البحر الأسود.

وحول تأثير الاقتصاد السوري نتيجة هذه الحرب، يقول الباحث الاقتصادي كرم الشعار، إنه بخصوص سوريا بداية فالدعم الاقتصادي الروسي لسوريا محدود، إذ تعد إيران الداعم الأكبر لسوريا اقتصاديا.

وأضاف الباحث الاقتصادي، خلال حديثه لـ “الحل نت”، أن الدعم الروسي يتركز على المستوى العسكري والسياسي على مستوى المجتمع الدولي. في المقابل، المستفيد من الاستثمارات في سوريا هو روسيا. وتابع الشعار، “أي أن عمليا روسيا حصلت على امتيازات تتعلق بمجال الفوسفات والبتروكيماويات، فضلا عن الاستفادة من ميناء طرطوس.

وأوضح الباحث الاقتصادي حول تداعيات هذه العقوبات على اقتصاد سوريا، “أن اعتماد دمشق في استيراد القمح على البلدين الروسي والأوكراني بالدرجة الأولى لسد حاجتها المحلية، بسبب الجفاف الذي ضرب سوريا والذي لا يزال موجودا. وبالتالي، في حال تضرر خطوط شحنات القمح، فسيؤثر ذلك تلقائيا على سوريا، التي هي في عمومها تعاني من أزمات معيشية حادة، وبالتالي ارتفاع الأسعار في الفترات المقبلة على أسعار المواد الغذائية بصورة عامة”.

ارتفاع في المشتقات النفطية

وقال وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية السورية، محمد سامر الخليل في لقاء صحفي، اليوم، الجمعة، إن اقتصاد سوريا ليس بمنأى عن تأثير الأزمات العالمية، مشيرا إلى أن دمشق تخفف من حدتها لإدارة الأوضاع الاقتصادية في ظل تطورات الوضع في أوكرانيا، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الرسمية “سانا“.

وأوضح أن الحكومة تستورد من القمح شهريا بالعملة الصعبة أكثر من 180 ألف طن، بينما يكلف استيراد النفط سنويا أكثر من مليارين ونصف المليار يورو.

ووفقا للمحلل الاقتصادي، رضوان الدبس، “بالنسبة لروسيا، فإن خسائرها ستكون كبيرة، حيث هناك عدة نقاط يمكننا التحدث عنها. أولا، الاقتصاد الروسي ليس صناعيا أبدا، حيث إن اقتصادها يعتمد على اللوجستيات العسكرية، أي من حيث تصدير الأسلحة والذخائر والآلات العسكرية، وبعض المشتقات النفطية، أبرزها خط الغاز التي تغذي به أوروبا “نورد ستريم2 “.

وأردف الدبس، خلال حديثه مع “الحل نت”، كل التوقعات والتحليلات من الآن فصاعدا وبعد أسابيع ستشير إلى أن روسيا ستبدأ بمعاناة وويلات اقتصادية نتيجة هذه العقوبات، حيث لا تملك احتياطيات كافية لتحمل تداعيات هذا الأمر، خاصة أنها دولة لا غير منتجة للمواد الزراعية، فقط تنتج القمح والذرة، وهذا بالتأكيد سيسبب ضرر وانخفاض في نسبته وسوف يعاني منه العالم بالمجمل.

وأشار المحلل السياسي إلى أن “تأثير العقوبات الاقتصادية لا يظهر بشكل آني ومباشر، وإنما يأخذ فترة زمنية وجيزة”.

ويرى الدبس، تداعيات العقوبات الاقتصادية على روسيا و على الاقتصاد السوري، “إنها ستتأثر حتما وعلى عدة محاور، فمنذ يوم أمس ارتفع سعر برميل النفط إلى أكثر من 100 دولار، وهذا الأمر لا يمكن أن يتحملها اقتصاد حكومة دمشق، وبالتالي ستتحمل الحكومة خلال الفترة الأولى، لكن بعد فترة قصيرة ستبدأ في رفع أسعار المشتقات النفطية أضعافا مضاعفة، وهذا عبء لا يتحمله المواطنون السوريون.

وأساسا لا تملك الحكومة القدرة على تفادي مثل هذه الأزمات والتعامل معها في إطار وضع الحلول، ومن كل بد هذا الارتفاع سيؤثر على الحياة المعيشية برمتها في سوريا.

وتابع الدبس في حديثه لـ “الحل نت”، على سبيل المثال، عندما تفاقمت أزمة الخبز في سوريا منذ وقت ليس ببعيد، أرسلت روسيا ناقلتين قمح إلى سوريا وخففت من حدة الأزمة إلى حد ما، لكن بعد هذه الحرب وانعكاساتها على الاقتصاد الروسي فلن تستطيع مؤازرة حكومة دمشق حليفتها بعد الآن، وبالتالي سنشهد ارتفاعا غير مسبوق في الأسواق السورية و انهيار أكبر للاقتصاد، الأمر الذي سيضع البلاد في مواجهة كارثة حقيقية.

تاليا يمكن القول بأن تراجع الاقتصاد الروسي سيكون له تبعات على سوريا حتما، وبالتالي ستزيد معاناة السوريين جراء ارتفاعات محتملة في أسعار الحبوب الزراعية والنفط نتيجة قلة حجم المعروض في السوق العالمية أساسا، وأزمة الجفاف والمياه التي تعاني منها البلاد منذ سنوات، والصراع السياسي والانهيار الاقتصادي”.

قد يهمك: قمة أوروبية طارئة بسبب روسيا.. ماذا عن إيقاف خط الغاز نورد ستريم؟

إجراءات حكومية هزيلة!

واستجابة للتطورات الحاصلة في ملف الأزمة الأوكرانية، عقد مجلس الوزراء السوري جلسة استثنائية مصغرة بهدف التخطيط المسبق لإدارة التداعيات المحتملة ودراسة سيناريوهات التعامل معها لتفاديها أو تقليل انعكاسها على الوضع الاقتصادي والخدمي في سوريا، بحسب إذاعة “شام أف إم” المحلية.

حيث تم وضع بنود عمل للتعاطي مع هذا الوضع المستجد لمدة شهرين، ويتمثل البنود في إجراءات ضرورية تضع أمام أزمة اقتصادية محتملة تضيق على السوريين أكثر مما هم عليه.

ومن أبرز هذه البنود وفق الإذاعة المحلية، “وضع قائمة بالتوريدات الأساسية الأكثر ضرورة خلال الشهرين المقبلين والاتفاق على عقود التوريدات ومتابعتها والتشديد على الموردين على استكمال الموَقع منها بأسرع وقت ممكن، بالإضافة إلى اتخاذ ما يلزم لإدارة المخازن المتوفرة من المواد الأساسية (القمح، السكر، الزيت، الرز ومادة البطاطا).

كذلك، استبعاد الشرائح من الدعم وفق ما تم إقراره للاستفادة من منعكساته الإيجابية على مستوى الوفر في استهلاك المواد المدعومة، والعمل على ترشيد الإنفاق العام حاليا بحيث يقتصر على الأولويات، حرصا على عدم زيادة التمويل بالعجز.

لذلك، مع افتقار الحكومة السورية إلى وسائل معالجة الأزمات، ولجؤها إلى قرارات قد تعرض البلاد لتدهور اقتصادي أكثر، وانهيار في الإنتاج مما ينذر البلاد بكارثة “المجاعة”.

قد يهمك: “سيكون منبوذا”.. بايدن يتوعد بوتين لنصرة أوكرانيا

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.