أعلن الاتحاد الأوروبي، مؤخرا، عن حزمة من العقوبات على موسكو، يتوقع أن تكون لها عواقب على الاقتصاد الروسي، لكن لم تصل تلك العقوبات إلى حد الحظر على النفط أو الغاز الروسي إلى الوقت الحالي. ويرجع ذلك بسبب الاعتماد الكبير لدول الاتحاد الأوروبي على الغاز والنفط الروسي ففي عام 2020، استورد الاتحاد الأوروبي 170 مليار متر مكعب تقريبا من الغاز الطبيعي من روسيا، وهو ما يمثل حوالي 45 بالمئة من واردات الاتحاد الأوروبي، وما يقرب من 40 بالمئة من إجمالي استهلاكها للغاز. وردا على الغزو الروسي لأوكرانيا؛ أعلن الاتحاد الأوروبي أيضا عن تخطيطه لخفض واردات الغاز الروسي بمقدار الثلثين.
ما هي بدائل الغاز الروسي في أوروبا؟
قد تتأثر أو تتوقف خطوط أنابيب الغاز العابرة من أوكرانيا عقب اشتداد الغزو الروسي على أوكرانيا، ما يؤدي بطبيعة الحال إلى تأزم الأوضاع العامة في اوروبا بكافة قطاعاتها. وبالتالي ستجبر الدول الأوروبية على التفكير ببدائل للغاز الروسي، فيما يلي بعض الخيارات البديلة التي يتعين على دول الاتحاد الأوروبي مراعاتها:
الغاز المسال LNG
تستورد الدول الأوروبية الغاز بكميات هائلة ويعود ذلك لاستهلاك هذه الدول للغاز بشكل أكبر من استهلاكها للنفط، لأنه أقل انبعاثا لثاني أكسيد الكربون، ويكون الاستيراد بطريقتين: الأولى عبر خطوط الأنابيب، وتتميز هذه الطريقة بسرعة التصدير ويتمتع بإمكانية الاستخدام على الفور لأنه غاز طبيعي. الثانية الغاز المسال عبر السفن، وبهذه الطريقة يبرد الغاز لدرجة تحت – 160، ومن ثم يتم تقليص حجمه إلى أقل من 600 مرة من خلال محطات التسييل، ويحفظ بعدها بخزانات للتصدير، وتتم إعادته إلى وضعه الطبيعي في البلد المستورد من خلال محطات لتسييل الغاز تكون مبنية على السواحل، ليصبح بعدها قابلا للاستعمال.
سوف يضطر الاتحاد الأوروبي إلى توسيع استيراد الغاز المسال في الوقت الحالي لتغطية أجزاء من النفط الروسي في حال توقفه، لأنه لا توجد خطوط أنابيب تربطه مع الدول الكبرى المنتجة للغاز مثل قطر وإيران. وسنتطرق هنا لأهم الدول التي من الممكن أن تصدر الغاز المسال لأوروبا كالتالي:
الولايات المتحدة الأميركية
تمتلك أمريكا احتياطيات من الغاز تقدر بـ9.8 تريليون متر مكعب، وفي عام 2019 صدرت 17.2 مليار متر مكعب من الغاز المسال إلى أوروبا. أما الآن تعمل على تطوير البنية التحتية لتصدير الغاز وذلك لكسب حصص أكبر في السوق الأوروبية، وعند زيادة أميركا من إنتاجها من الممكن أن تغطي جزءا صغيرا من حصة الغاز الروسي في أوروبا.
أذربيجان
تمتلك أذربيجان احتياطي يقدر بـ 2.5 ترليون متر مكعب. ويصل إنتاجها من الغاز سنويا إلى 50 مليار متر مكعب. تقوم بتصدير الغاز من خلال خط أنابيب “تاناب” العابر من تركيا، إذ سيتم توصيله بخط أنابيب “TAP” في منطقة أوبسالا في أدرنة بتركيا على الحدود اليونانية، والذي ينقل الغاز الى أوروبا، وقد تم تشغيل هذا الخط فعليا، وضخ أول كمية من الغاز إلى تركيا في عام 2020.
حيث تبلغ القدرة القصوى للتصدير عبر خط الأنابيب 31 مليار متر مكعب سنويا، وسيتم تزويد تركيا بـ 15 مليار متر مكعب، فيما سيصدر 16 مليار متر مكعب إلى دول جنوب أوروبا، فيما لم يتم التصدير إلى أوروبا بعد، وإذا قام بالضخ إلى أوروبا فإنه قد يغطي جزءا مهما من حصة روسيا.
الجزائر
في حين تعتبر الجزائر حاليا ثاني أكبر مورد للغاز إلى أوروبا بعد روسيا، وتصدر الغاز الطبيعي والمسال. وبلغت الصادرات عام 2020 أكثر من 36 مليار متر مكعب. وترتبط الجزائر بأوروبا عبر ثلاثة أنابيب تعبر البحر المتوسط، الأول عبر جزيرة صقلية الإيطالية، والثاني عبر إسبانيا وهو متوقف حاليا بسبب الأزمة السياسية بين المغرب والجزائر، والثالث عبر ألميريا في جنوب إسبانيا. حيث يمكن أن ترفع الجزائر الكمية المصدرة عبر إعادة تشغيل الخط المتوقف، إضافة إلى رفع الصادرات من الغاز المسال. لكن ارتباط الجزائر بعقود مع العديد من الدول خارج نطاق الاتحاد الأوروبي، يجعلها تفتقر لكميات فائضة تسمح لها بإحداث فارق كبير في الطلب الأوروبي للغاز.
قطر
من جانبها تصنف قطر في المرتبة الثالثة عالميا باحتياطيات الغاز، والتي تبلغ 24 تريليون متر مكعب، بعد إيران وروسيا. وانتجت عام 2020 أكثر من 170 مليار متر مكعب من الغاز المسال، وبذلك تعد الدولة الأولى عالمياِ في إنتاج وتصدير الغاز المسال. وتصدر قطر حالياً حوالي 16.4 مليون طن إلى أوروبا والذي يمثل 20.5 بالمئة من صادراتها، بينما يمثل 5 بالمئة من احتياجات السوق الأوروبية.
إلا أن قطر مرتبطة بعقود طويلة الأجل مع دول شرق آسيا وأهمها الصين واليابان، وهي عقود لا يمكن فسخها، ولم يتبق سوى حوالي 10 بالمئة من الغاز القطري غير المرتبط بعقود ومن الممكن أن تصدره إلى أوروبا عبر عقود فورية. وتعمل قطر حاليا على مشروع تطوير حقول الغاز والذي سينتهي في عام 2025، وقد تستطيع تصدير كميات أكبر إلى أوروبا بعد الانتهاء من تطوير الحقول.
إيران
وأما إيران فإنها تمتلك ثاني أكبر احتياطي للغاز في العالم، ومن الممكن أن تكون مصدرا لدول الاتحاد الأوروبي، إلا أنه وبفعل العقوبات الدولية، وحاجة البنية التحتية للتطوير الذي يتطلب الوقت والمال، وعلاقاتها الاستراتيجية مع روسيا، فإنها قد لن تكون مصدرا محتملا لأوروبا في الوقت الحالي.
الفحم
في سياق مواز يعتبر الفحم الحجري أسوأ وقود أحفوري. فهو مسؤول عن أكثر من 0.3 درجة مئوية من زيادة 1 درجة مئوية في متوسط درجات الحرارة العالمية، مما يجعله أكبر مصدر منفرد لارتفاع درجة الحرارة في العالم. عملت الدول الأوروبية سابقا على توقيف العمل بالفحم الحجري نهائيا. كما من المتوقع أن تلجأ الدول الأوروبية إلى إعادة تنشيط محطات الفحم القديمة التي تم إيقاف تشغيلها.
وفي تصريح حول لك لوزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك، قال: “قد نضطر لاستخدام الفحم كإجراء احترازي على المدى القصير، ولكي نكون مستعدين للأسوأ علينا أن نبقي المحطات التي تعمل بالفحم في وضع الاستعداد وربما حتى نسمح لها بالعمل”.
الطاقات المتجددة
من الممكن أن تسرع دول الاتحاد الأوروبي مع عملية تسريع بناء وتطوير البنية التحتية لمصادر الطاقة المتجددة (طاقة الرياح، الشمس، السدود المائية، المياه الجوفية، الهيدروجين)، بالاضافة إلى الطاقة النووية التي من الممكن أن تنتج قسم كبير من الكهرباء.
يبدو أن دول الاتحاد الأوروبي لن تستطيع على المدى القريب والمتوسط تغطية كامل احتياجاتها من الغاز الروسي إذا ما حصل أي انقطاع من طرف روسيا، أو اذا فرضت عقوبات على قطاع الطاقة الروسي من قبل أوروبا وهذا مستبعد. ستبقى السوق الأوروبية تحت احتكار شركات الطاقة الروسية، لأنه لا يوجد بديل قادر على تغطية واردات بحجم 170 مليار متر مكعب. وأيضا مصادر الطاقة المتجددة الأخرى لازالت تحتاج وقتا للتطوير، وإلى ميزانيات مالية مرتفعة، بينما لا يعد الفحم الحجري حلا بذاته.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.