حل لجنة أبو رغيف، بقرار من المحكمة الاتحادية العراقية العليا، أثار جدلا سياسيا كبيرا في العراق. بين من اعتبر القرار متوافقا مع الدستور العراقي، ومن اعتبره قرار مسيسا، يعرقل جهود مكافحة الفساد في البلاد.

وتم تشكيل لجنة الأمر الديواني رقم 29، والمعروفة باسم “لجنة أبو رغيف”، بقرار من رئيس الوزراء المنتهية صلاحيته مصطفى الكاظمي، في شهر آب/أغسطس من العام 2020، بهدف تعقب منظومة الفساد وفتح ملفاتها، بدون الحاجة للمرور بروتين المؤسسات الأخرى المختصة بالنزاهة.

كما مُنحت اللجنة صلاحية الاستعانة بجهاز مكافحة الإرهاب، بوصفه ذراعا تنفيذيا لها، وتمكنت من فتح ملفات مهمة، واعتقال شخصيات بارزة، من رجال أعمال وموظفين بمناصب عليا في الدوائر الحكومية.

بعض المنتقدين اتهموا لجنة أبو رغيف بأنها “السيف المسلط” على كل من يخالف توجهات رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وحلفائه. قبل أن تبت المحكمة الاتحادية بالأمر وتلغي اللجنة، الأمر الذي اعتبره عدد من المتابعين رسالة خاطئة للفاسدين في العراق، الذين قد يشعرون بأمان نسبي، بعد عودة ملفات الفساد إلى هيئة النزاهة البرلمانية، والتي تحوي أدراجها ملفات مركونة منذ فترات طويلة.

انتهاكات للدستور وحقوق الإنسان

“لجنة أبو رغيف خالفت جملة مواد قانونية، بينها حرية الانسان وكرامته، وكذلك استقلالية المحاكم، وكل الاعترافات التي انتزعت من المتهمين بالقوة لا قيمة قانونية لها”، هذا ما يؤكده الخبير القانوني العراقي أحمد العبادي، الذي أضاف، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “المحكمة الاتحادية ألغت اللجنة لأنها مخالفة للمادة 37 من الدستور العراقي ، والتي تؤكد على أن حرية الإنسان وكرامته مصونة، ولا يجوز توقيف أحد والتحقيق معه إلا بقرار قضائي. وتحرّم كل أنواع التعذيب الجسدي والنفسي والمعاملة غير الإنسانية، فلا عبرة بأي اعتراف انتزع بالإكراه أو التهديد أو التعذيب، وللمتضرر المطالبة بالتعويض على الضرر المادي والمعنوي وفق القانون”.

ويشير إلى أن “أن المحكمة الاتحادية اعتبرت اللجنة كذلك مخالفة للمادة 88 من الدستور، التي تؤكد أن السلطة القضائية مستقلة، وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وتصدر أحكامها وفق القانون. وكذلك تشير المادة إلى أن القضاة مستقلون، لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضاء أو شؤون العدالة”.

وفي سياق المخالفات الدستورية أيضا يلفت الخبير القانوني إلى أن “لجنة أبو رغيف لم تكن متوافقة مع المادة 102 من الدستور، التي تتحدث عن استقلالية هيئة النزاهة. وقد تجاوز الأمر الديواني 29، الذي شكّل اللجنة، صلاحيات هيئة النزاهة البرلمانية واختصاصاتها، لا سيما وأنها غير مرتبطة برئيس الوزراء بل بمجلس النواب، وفق نص القانون”.

من جهته أكد المحامي محمد الساعدي، الذي كان يترافع عن أربعة أشخاص ممن اعتقلتهم اللجنة بتهم الفساد، وبينهم محافظ نينوى الأسبق نوفل العاكوب، أن “المعتقلين تعرضوا لتعذيب جسدي، واضطر بعض المحامين المترافعين عنهم إلى إبطال الدعاوى المرفوعة ضد لجنة أبو رغيف، مجبرين لا مخيرين، وذلك خشية على حياة موكليهم”.

ويضيف الساعدي، خلال استضافته في إحدى القنوات العراقية، أن “المعتقلين كانوا يجبرون على ذكر أسماء لشخصيات أخرى قسرا، بهدف اعتقالها وتلفيق التهم الكيدية ضدها”، مؤكدا أن “أساليب مميتة كانت تستخدم ضد المعتقلين”.

“أبو رغيف” تعاملت مع ملفات الفساد بازدواجية

المحلل سياسي حيدر البرزنجي أكد أنه “منذ تأسيس لجنة أبو رغيف، سُجلت عليها كثير من الملاحظات، منها ملاحظات قانونية، ومنها قيامها بإساءة استغلال سلطاتها. وقد أدى هذا إلى عرض اللجنة أمام المحكمة الاتحادية”. مضيفا: “بالتأكيد أحدثت اللجنة مشكلة سياسية، وعارضتها قوى سياسية متورطة في الفساد، لكن قيمة ما أنجزته اللجنة في مجال مكافحة الفساد قليل إذا تمت مقارنته بانتهاكاتها الكثيرة”.

البرزنجي يضيف، في حديثه لـ “الحل نت”، أن “اللجنة تعاملت مع الملفات بانتقائية وازدواجية. وكذلك كانت تغض النظر عن بعضها وتسلط الضوء على البعض الآخر. وهناك حديث عن حالات ابتزاز وانتهاك لحقوق الانسان، ومجموعة شكاوى قدمت من ذوي المعذبين”.

ويلفت إلى أن “لجنة أبو رغيف ستُلاحق قضائيا وقانونيا على انتهاكاتها، حتى لو كان أعضاؤها من القضاة، فصفتهم هذه لا تعفيهم من تبعات خرق الدستور العراقي”.

“لجنة سيئة الصيت”

وفي سياق متصل ينفي أحمد الموسوي، النائب عن الإطار التنسيقي، أن “يكون قرار المحكمة الاتحادية اتخذ نزولا عند رغبات سياسية، ولا تستطيع أي جهة اتهام المحكمة بهذا الأمر”. ويصف لجنة أبو رغيف بـ”اللجنة سيئة الصيت، التي تسببت بقتل عدد من المعتقلين، إثر التعذيب الذي تعرضوا له داخل المعتقل”.

ويتابع الموسوي، في حديثه لـ “الحل نت”، أن “اللجنة لم تعتقل أي شخصية كبيرة. بل هناك حديث عن استحصالها الأموال من البعض، مقابل إطلاق سراحهم. ورئيس اللجنة نفسه متهم بملفات فساد كبيرة، فكيف للفاسد أن يحاسب الفاسدين؟”.

ويؤكد النائب البرلماني أن “اللجنة لم تستهدف حزبا سياسيا بعينه، بل استهدفت شخصيات تمتلك المال، وحاولت مساومتهم عليه”، معتبرا أنه “كان على الكاظمي تفعيل الهيئات ذات العلاقة بمحاسبة الفاسدين، وليس استحداث جهات مخالفة للدستور، لابتزاز شخصيات معينة”.

واختتم الموسوي حديثه بالقول: “الكاظمي ارتكب خطأ جسيما بتشكيل لجنة أبو رغيف، التي تعمل وفق أهوائه”.

الاتهامات الموجهة للجنة أبو رغيف باطلة

إلا أن مسؤولا في الحكومة العراقية، كشف لـ”الحل نت” تفاصيل أخرى عن لجنة أبو رغيف، لا تتفق مع الصورة السلبية التي يحاول كثيرون تقديمها عنها. مؤكدا أن “اللجنة استطاعت القبض على متهمين كثر، بقضايا فساد مختلفة، وتم إحالتهم للقضاء، بعد إثبات التحقيقات ضلوعهم في قضايا فساد مالي كبيرة، كلفت ميزانية الدولة مبالغ طائلة”.

ويضيف المسؤول، الذي اشترط عدم كشف هويته، أن “المحاكم المختصة أصدرت أحكاما بحق ستة عشر مدانا من المعتقلين، والبقية بانتظار صدور الاحكام بحقهم”.

ويشير إلى أن “جميع القرارات القضائية، التي صدرت عن الهيئة التحقيقية، التي تشرف على إجراءات لجنة أبو رغيف، خاضعة للرقابة القضائية، التي تمارسها نيابة الادعاء العام”.

كما يبيّن أن “المتهمين خضعوا للفحص الطبي الدوري، إضافة لفحوصات من قبل دائرة الطب العدلي، وهذه الفحوصات تثبت عدم تعرضهم لأي تعذيب، طوال الفترة ما بين اعتقالهم وصدور الأحكام القضائية”.

وتابع المسؤول بالقول: “تمت زيارة المتهمين من قبل منظمات دولية مختصة بحقوق الانسان، لغرض التأكد من سلامة الإجراءات التحقيقية من أي انتهاك لحقوق الانسان”.

مقالات قد تهمك: الموازنات العراقية في بحر من الفساد: لماذا تنفق المليارات على مشاريع فاشلة أو وهمية؟


كما كشف في ختام حديثه أن “الأموال التي استهدفتها لجنة أبو رغيف، منذ بداية عملها إلى هذه اللحظة، بلغت أكثر من ثمانية تريليونات دينار، وذلك عبر فتح أكثر من ثلاثمئة ملف فساد”.

هذه المعلومات تطرح علامات استفهام عديدة عن الأسباب الفعلية لحل لجنة أبو رغيف، ومدى صحة الاتهامات الموجهة إليها. ويبقى الأمر متروكا لتحقيقات لقضاء العراقي، وتطورات المشهد السياسي في البلاد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.