يحتفل السوريون بعيد الأم في الـ21 من آذار/مارس في كل عام، كمناسبة رمزية آمن بها السوريين من أجل تقديم بعض التقدير والامتنان لعطاء الأمهات.

البعد والغربة

بلوعة الفقد أو الفراق عن أبنائهن الذين إما قضوا في الحرب السورية، أو هم رهن الاعتقال والاختفاء القسري، أو هم مهجرين خارج البلاد، هكذا يقضي نسبة كبير من الأمهات السوريات  يوم عيدهن.

إذ لم يعد معظم السوريين يحتفلون بعيد الأم، وسط موجات الحزن والكآبة نتيجة الأوضاع الصعبة التي يعيشها السوريين اليوم، سواء على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي.

تقول أم وليد وهي من محافظة الحسكة لـ”الحل نت”: “بعد أن كان هذا اليوم من أجمل الأيام التي كنا تمر علينا في السنة، حيث كان أبنائي يحتفلون هنا في بيتي الواسع، أولادي الشباب والبنات والمتزوجين والمتزوجات منهم مع أطفالهم، ولكن الآن لا أحد هنا، فقد سافر الجميع بعيدا، منهم من المقيمين في دول أوروبية أو في دول الجوار في كل من تركيا والعراق”.

وأردفت أم وليد، خلال حديثها قائلة وهي تتذكر لمة عائلتها قبل الحرب في سوريا، بدموع وحسرة في القلب، “هذا اليوم لا يعنيني كـ عيد للأم، بقدر ما يهمني ويعنيني لمة أولادي حولي، هذه الحرب غرّبت أولادي عني، ولم أراهم منذ سنوات طويلة، ولا سيما ابني الشاب الأعزب الذي لم أره منذ عشر سنوات. هذا ما يحرق قلبي وقلبه وخاصة في هذا اليوم. وهو أول أبنائي من يكلمني ويعايدني”.

واختتمت أم وليد حديثها مشيرة إلى الهدايا التي تتلقاها من أبنائها المغتربين عنها، وقالت “هذا الحجاب وهذا الثوب الذي أرتديه كلها هدايا من أبنائي بمناسبة عيد الأم وغيرها من المناسبات، وحتى هذا الهاتف المحمول، الذي يمكّنني بواسطته فقط بالتواصل مع أبنائي، من خلال مكالمات الفيديو أو مشاهدة صورهم التي يرسلونها إلي عبر مجموعة العائلة عبر تطبيق الواتساب، قد أرسله لي ابني الذي لم أره منذ عشر سنوات”.

وتضيف “لكن ما فائدة كل هذه الهدايا وأولادي بعيدين عني، أتمنى لو لم أملك شيئا سوى وجودهم حولي وخاصة ابني الذي غادر بطريقة صعبة (تهريب). أخشى أن يأخذني الموت قبل أن أراه بجانبي. ظروفه صعبة، ولا يستطيع المجيء إلى سوريا، ولا أستطيع المشي لمسافات طويلة والسفر للذهاب إلى رؤيته، بسبب تقدمي في السن والمرض الذي نال من جسدي، وليس لي سوى هذا الهاتف الصغير لأشبع عيني من رؤية أبنائي. هذه الحرب قتلت كل شيء جميل، ولم يتبقى لنا سوى الانتظار والحنين”.

قد يهمك: نصف مليون ليرة سورية ثمن هدية عيد الأم

لا هدايا في عيد الأم

يحمل عيد الأم رمزية كبيرة لدى السوريين فيما يتعلق بالتجمع العائلي والاحتفاء بالأم والاحتفال بها. حيث تتم دعوة الجميع لتناول الغداء أو العشاء، أو إقامة احتفال بسيط في منزل الجدة أو الأم، وتقديم ما يمكن تقديمه للأمهات، وما يسر خاطرهن في يومها.

لكن يبدو أن الظروف والضغوط المعيشية والاقتصادية فرضت نفسها بقوة خلال سنوات الحرب، فالمتابع للوضع العام ولوسائل التواصل الاجتماعي يلاحظ أن مناسبة كعيد الأم مثلا بدأت تفرغ من مضمونها، سيما خلال ظروف الأزمة السورية الخانقة على مختلف الأصعدة الاقتصادية منها والاجتماعية، فهناك من هاجر خارج البلاد، وهناك من هو قريب فعليا من منزل أمه، لكنه يشعر بالثقل لزيارتها أو معايدتها في هذا اليوم، حيث بات شراء هدية بسيطة يكلف الكثير، في ظل تدهور الأوضاع المعيشية، وتراجع مستوى دخل السوريين في الداخل بعد انهيار الليرة السورية أمام العملات الأجنبية.

يقول خالد العيسى، من دمشق، وهو موظف حكومي ويعمل في أحد المحال التجارية بدوام جزئي، “حقيقة كان هذا اليوم جميلا قبل الحرب، حيث كنا نلتقي في منزل العائلة، ونقدم الهدايا الجميلة للوالدة الكريمة في عيدها، مع احتفال بسيط من قطعة حلوى وبعض التحضيرات الأخرى، التي كانت لم تكن تكلفنا الكثير”.

وأضاف خلال حديثه لـ “الحل نت”، “بعد سنوات الحرب، فقد أثرت علينا كباقي الأعياد، نظرا لارتفاع الأسعار في سوريا، لا سيما أن تكلفة الهدية البسيطة الواحدة تقدر ما بين 50-75 ألف ليرة سورية، هذا عدا عن الهدايا التي تعتبر جيدة وتتجاوز تكلفتها أكثر من 200 ألفا.

أما عن الهدايا الثقيلة مثل (الذهب وغيرها) فهذا صعب جدا، حيث يقدر غرام الذهب بنحو 206 ألف سوري، فمن سيشتري في هذه الأوضاع الصعبة، خاتم الذي يكلف بنحو مليون ونصف المليون أقل شيء”.

واختتم حديثه بالقول: “أعتقد أن هذا العيد لا يحتفل به معظم السوريين، ليس اليوم فقط وإنما منذ سنوات عديدة، بسبب غلاء الأسعار وتدني الأوضاع المعيشية لغالبية السوريين. فبات الاحتفالية البسيطة جدا تكلف أقل شيء 300 ألف ليرة سورية (هدية صغيرة وتكلفة الاحتفال مثلا)، لذا فمعظمنا إما نعايد أمهاتنا عبر مكالمة هاتفية أو رسالة إلكترونية تحوي بيت شعر أو قصيدة تعبر عن الحب للأم، أو زيارة قصيرة ولا شيء أكثر من ذلك”.

قد يهمك: اللاجئون السوريون كيف يشاركون في احتفالات عيد الأم داخل البلاد؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.