ظلت عملية السلام السورية هشة، حيث تضرر المدنيون بشكل غير متناسب، وأدى ذلك  إلى تعرض النساء والفتيات السوريات للإيذاء الجسدي واللفظي والتحرش الجنسي والسرقة والخوف من الاختطاف، إلا أن ما يحدث في دمشق الآن هو العكس تماما، ما يعني أن الموازين انقلبت مع تقلب الأزمات على البلاد دون حلول حكومية.

نمط جديد من الابتزاز

يعد النشل والسرقة وحتى اختفاء الأطفال أمرا شائعا في الأسواق المزدحمة، ولكن في هذه الأيام يتعلق الأمر برمته وخاصة في دمشق، بالاستفادة من الحشود للادعاء “بالتحرش الجسدي” والحصول على الأموال.

وبحسب صحيفة “الوطن” المحلية، قال مصدر في شرطة دمشق، إن نساء استخدمن القذف والخداع ضد الرجال على أساس التحرش من أجل الحصول على تعويض، نقود أو حتى ملابس، وذلك من خلال الاستفادة من الأعياد وغيرها من المناسبات التي تكون فيها الأسواق ممتلئة، وليس فقط في الشوارع.

وبحسب الشرطي، فإن إحدى هذه الحوادث وقعت في سوق الحميدية بدمشق. إذ أفادت إحدى الأمهات أن شابا كان يعمل في محل لبيع الملابس، اعتدى على ابنتها البالغة من العمر 18 عاما. وادعت المرأة أن الشاب لمس مناطق حساسة في جسد ابنتها، وطالبت النيابة بسحب مبلغ 200 ألف ليرة مقابل ما وصفته بـ “شرف الفتاة”.

ولعدم قدرة الشاب على دفع هذا المبلغ، تم القضاء بينهم داخل المخفر دون حجز الطرفين، بحصولها على الملابس.

وفي مثال آخر، اتهمت فتاة صاحب محل مجوهرات باغتصابها في مصعد، مستغلة إنه لا توجد كاميرات مراقبة. لتكتشف الشرطة لاحقا أن لديها سجل احتيال ونصب. مضيفا أنها ادعت ذلك بعد أن فشلت في إنشاء علاقة مع العامل في المحل، وذهبت إلى صاحب العمل.

حدث آخر أكثر جرأة، هو سيدة شابة لها ماض إجرامي في الدعارة والمخدرات. عُرف عنها بزيارة المحال التجارية في دمشق القديمة مرتدية الملابس الجريئة. وتقوم بابتزاز الرجال مقابل عائد مادي يصل إلى عشرة آلاف ليرة.

للقراءة أو الاستماع: سلافة معمار تتحدث: عن أصالة والتحرش وإصابتها بكورونا

تزايد حالات الاحتيال والتحرش

سوء السلوك الجنسي، يصفه المحامي السوري، حسن الإبراهيم، أنه يندرج تحت التحرش الجنسي، والذي يعرف بأنه  انتهاك لحقوق الإنسان الأساسية وانتهاك مباشر للقيم، في حين لا يمكن أن يتسامح فيه مطلقا خصوصا في مكان العمل، أو الأماكن العامة.

ويشير الإبراهيم، إلى أنه تصدرت عناوين الصحف في السنوات القليلة الماضية عدد مثير للقلق من الدعاوى القضائية التي تزعم الاحتيال والتمييز والمضايقة وغيرها من سوء السلوك في بعض الشوارع الأكثر شهرة في دمشق. لكن بالنسبة لأي شخص يعمل داخل محله أو سائح في الشوارع، فهذه ظاهرة حديثة.

في جميع القطاعات داخل دمشق، تعتبر مزاعم الاحتيال والمضايقات تحديا يوميا، والذي يطرح السؤال التالي، لماذا لا يزال هؤلاء يكافحون من أجل كيفية الرد على الادعاءات ومعالجتها وحلها، في حين أن الحكومة أصلا لم تنفذ مهامها، وتعمل على زيادة هذه الحالات عبر حل القضية بالتصالح، ما يشجع المجرم على إعادة ارتكاب جريمته.

بين المحامي، أن السبب الشائع وراء نمو شكاوى التحرش الجنسي من مشكلة إلى كارثة هو التعامل التفاعلي، فبدلا من بروتوكولات الاستجابة المتعارف عليها، يجب التحقيق في الشكوى بطريقة موضوعية ومنهجية وسرية ومتسقة.

وهذا يعنى، تبعا لحديث الإبراهيم، بالتحقيق على الفور. وحلها في الوقت المناسب وتوثيق كل خطوة يتم اتخاذها، بطريقة لا تمانع في رؤيتها موصوفة في وسائل الإعلام أو في المحكمة. وضمان قيام طرف موضوعي بتوجيه وإجراء التحقيق. ويجب أن يحصل كل من “المتهم” والمدعي على فرصة ليرووا قصتهم. وألا يتم التسامح مع القيل والقال.

وبالإضافة لذلك، يرى الإبراهيم، أن يجب اتخاذ إجراءات تأديبية وعلاجية حاسمة ومناسبة. ومتابعة دورية للتأكد من أن الخطوات المتخذة كانت كافية لمنع وقوع حوادث مماثلة في المستقبل.

للقراءة أو الاستماع: البرلمان اللبناني يُصادق على قانون معاقبة جرائم التحرش الجنسي

القانون السوري والتحرش الجنسي

التحرش في القانون السوري نوعان، الأول لفظي والثاني جسدي، وفي حال كانت السيدة ضحية التحرّش فوق السن القانونية تكون عقوبة التحرّش اللفظي تكديرية، أي الحبس من يوم إلى عشرة أيام. وإذا كان تحرّشا جسديا فتكون العقوبة الحبس من ثلاثة شهور إلى ثلاث سنوات أي عقوبة الجنحة.

أما إذا كانت المرأة ضحية التحرش تحت السن القانونية فتضاعف العقوبة. ولتثبيت هذه العقوبات يجب أن يكون التحرش علنيا مثبتا بدليل كـشاهد أو الصراخ.

وبحسب تقارير إعلامية، فإن النسبة العظمى من النساء لا يعرفن القوانين التي تحميهن من التحرش. وخاصة في الفئة العمرية بين 18 و50 سنة، وهو العمر الأكثر تعرضا للتحرش. حيث كانت نسبة 83 بالمئة من النساء من هذه الفئة العمرية لا يعرفن بالقوانين، ومن عرف منهن بالقوانين كان بمبادرة ذاتية ليس إلا.

ويحظى التحرش عموما برفض مجتمعي معلن، إلا إن استغلاله الآن بهدف الحصول على الأموال هي شاكلة جديدة على المجتمع السوري، ربما أدت إلى انتشارها الأزمات الاقتصادية، أو سوء إدارة الحكومة، ودون صدور قوانين وتعديلات ضمن البنية التشريعية لحماية المدعى عليه، ستستمر هذه الظاهرة بالانتشار.

للقراءة أو الاستماع: «نحن معكي، التحرش جريمة».. سودانيّات يخرجن عن صمتهن ويتحدثن عن قصص التحرش بهن

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.