بعد الحرب، باتت سوريا تعتمد على استيراد معظم احتياجاتها السنوية من روسيا. ومثل المشترين الآخرين، باتت الحكومة السورية مضطرة للبحث عن مصدرين مختلفين والذي تزامن مع جفاف التدفقات من موسكو بسبب العقوبات الاقتصادية المتزايدة. إلا أن دمشق يبدو أنها تسعى إلى تعميق الأزمة بعد رفضها لمساعدة التجار في تسهيل إجراءات الاستيراد من دول أخرى، ورفض تمويلهم بالقطع الأجنبي، ما آثار جدل واسعا داخل أروقة مؤسسات الدولة.

لا إجراءات جديدة حول تمويل المستوردات

بعد أن ناقش مجلس إدارة غرفة تجارة ريف دمشق الواقع الاقتصادي والتحديات الكبيرة التي يواجهها العالم حاليا في اجتماعه يوم 17 آذار/مارس الجاري، تقرر الموافقة على تقديم مقترح  لوقف الاستيراد في سوريا، من السلع المدرجة في الدليل الإلكتروني للمواد المسموح باستيرادها لمدة ستة أشهر، باستثناء المواد الغذائية غير المصنعة محليا.

مصدر مسؤول في مصرف سوريا المركزي، صرح لصحيفة “الوطن” المحلية، أنه لا توجد إجراءات جديدة مطبقة حاليا لتمويل الواردات، وأن آلية التمويل الحالية من خلال شركات الصرافة. وأن الأولويات المحددة حاليا بما يتماشى مع متطلبات واحتياجات المواطنين الأكثر إلحاحا هي التي سيستمر بتمويلها.

وجاء تصريح المركزي بعد تقارير في الأوساط الاقتصادية أفادت بأن ارتفاع أسعار النفط العالمية كان له تأثير كبير على محفظة النقد الأجنبي في سوريا، والتي تشمل التحويلات الخارجية وخفض إعادة التصدير، مما يتطلب من التجار والصناعيين ترشيد وارداتهم من أجل الحفاظ على استقرار سعر الصرف.

أهمية التركيز على بناء مخزون استراتيجي من المواد الغذائية ومستلزمات الرعاية الصحية والطاقة يبدو أنه لن يستمر حتى نهاية العام، إذ تنتظر المؤسسات الحكومية الاستقرار الاقتصادي العالمي دون إجراءات حثيثة، تهدف للحد من تأثير هذه التحديات على المجتمع.

الاقتصاد السوري والدفع نحو اقتصاد يعتمد بالدرجة الأولى على زيادة الإنتاج الزراعي والاعتماد على قدراته الذاتية، وهو لا يبدو واضحا على تصريحات الحكومة، حيث قالت غرفة تجارة ريف دمشق إن جهود الحكومة في الحفاظ على ضرورات السكان والحفاظ على استقرار سعر العملة في ظل هذه الظروف الصعبة، هو من أولويات الحكومة، لكن ذلك غير مطبق على أرض الواقع.

للقراءة أو الاستماع: تصريحات حكومية توضح مراحل ارتفاع الأسعار في سوريا

إيقاف الاستيراد غير وارد

ويبدو أن التوقف التام عن الاستيراد أمر مستحيل وغير منطقي، بحسب مصدر في وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية. إذ إن هناك احتياجات ومتطلبات يجب تلبيتها من خلال الاستيراد. لا سيما المواد الأساسية مثل الغذاء وحليب الأطفال ومتطلبات الإنتاج المحلي والزراعي وما إلى ذلك. وأن الوزارة تدعم تعزيز تصنيع المنتجات المحلية.

كل ذلك يتزامن مع خطاب من مجلس إدارة غرفة تجارة ريف دمشق إلى وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية، والذي اقترح فيه تأجيل جميع الواردات غير الضرورية لمدة ستة أشهر لحماية سعر صرف العملة السورية.

وفي ظل الظروف الاقتصادية الحرجة التي يشهدها العالم والمنطقة، طلب التجار من الحكومة في وقت سابق بفتح أبواب الاستيراد أمامهم. وتوفير الأصول بالعملة الأجنبية للحفاظ على استقرار سعر الصرف. حيث إن توقف ذلك يساهم في توفير قائمة الواردات التي تحتوي على أكثر من 3000 منتج جمركي.

وصرح رئيس اللجنة المصرفية في غرفة تجارة دمشق، مصان نحاس، أنه لا يمكن تعميم تعليق الواردات لوجود محاذير من أهمها توقف النشاط الاقتصادي وحركة الإنتاج. بينما ما يمكن التطرق إليه اليوم هو ترشيد الاستيراد وحصره في السلع والمواد الضرورية ومتطلبات الإنتاج الصناعي والزراعي للسماح باستمرار الإنتاج.

وأضاف نحاس، أن معظم المواد الأساسية وخاصة المواد الغذائية جيدة وكافية لمدة تصل إلى أربعة أشهر. وأن احتكارات السوق لا تتجاوز 10 بالمئة ويجب محاربتها. في حين اعتبر الآلية الحالية لتمويل الواردات جيدة وتضمن أن التبادل لا يتأثر سعر الصرف. ولا يتم استغلال تمويل الواردات للمضاربة والتلاعب بالنقد الأجنبي.

وفي المقابل، أفادت بعض المصادر المصرفية لذات الصحيفة، أن المحفظة كانت كافية لسداد ما تحتاجه سوريا بكميات في الحدود الممكنة، إضافة إلى تمويل واردات التجار والصناعيين حسب الأولويات، ووزارة الاقتصاد أصدرت قائمة بالمواد المسموح باستيرادها، ولكن منذ ارتفاع السعر العالمي للنفط، وكذلك القمح، أصبحت المحفظة غير كافية.

قد يهمك: مهرجانات تسوق لمواجهة ارتفاع الأسعار في حمص وحلب

انكماش في السوق السورية

لا يزال الارتفاع الأخير في الأسعار مصدر قلق للمواطنين السوريين، حيث ارتفعت الأسعار بشكل خيالي، خاصة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. وارتفاع أسعار الوقود وأجور النقل والشحن العالمية، وكل هذه الأسباب التي أدت إلى ارتفاع الأسعار بشكل عام في عموم سوريا.

حصلت موجة غلاء غير مسبوقة في سوريا، حيث وصل لحد خمسة أضعاف دون تبرير حكومي حولها. وعليه قال وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك الحكومي، عمرو سالم، متحدثا عن تلك الحالات عبر منشور على صفحته الشخصية على منصة “فيسبوك”. حيث قال فيه: “يقوم المستورد باستيراد مادة من المواد في بداية العام مثلا بسعر معين. وتقوم وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بتسعير تلك المادة بناءً على الكلفة الحقيقية وإعطاء هامش ربح قانوني”.

وأردف في تعليقه، “لكن تبدأ المشكلة عندما يرتفع سعر أو أجور نفس المادة، فيقوم التاجر برفع سعر البضاعة المستوردة سابقا رغم أنه اشتراها بالسعر قبل الارتفاع. ويتحجج بأن رأس مال التاجر هو بضاعته وأن عدم رفعه لسعره سوف يضعف قدرته على تعويض تلك البضاعة”. وهو هنا يشير إلى ارتفاع العملة الأجنبية مقابل الليرة السورية، إضافة إلى ارتفاع الأسعار عالميا نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا.

وتعتمد سوريا بشكل كبير على الصادرات الروسية، وعندما يتعلق الأمر بالماشية، فإن الحبوب والذرة الروسية هي شريان الحياة الرئيسي لمزارعها الفقيرة والمتضائلة بالفعل. ولتجنب العقوبات والدولية، يتم إبرام عقود استيراد الحبوب إلى سوريا في دول إقليمية تعمل كمشتري أولي. ثم يتم تحميل السفن بالحبوب وتنقل إلى الموانئ السورية.

ورغم توعد المسؤولين الحكوميين حول سعيهم ضبط الأسعار وكبح جماح احتكار التجار. إلا أنه حتى الآن نشهد ارتفاعا في الأسعار وشحّ بعض المواد في الأسواق. حيث يسمع السوريون منذ عدة أشهر وعودا مستمرة من الحكومة ومن غرف التجارة والصناعة عن تخفيضات قادمة وضبط للأسواق لكن دون أن يكون هناك أي نتائج.

قد يهمك: الحليب ومشتقاته إلى أعلى سعر في دمشق .. ما علاقة الخبز اليابس؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.