تحاول الحكومة السورية باستمرار التهرب من العقوبات المفروضة عليها منذ العام 2011، والتي عززها قانون “قيصر” لتزداد شدتها على دمشق، وحتى على الدول أو الشركات أو الكيانات المتعاملة معها.

واتبعت دمشق خلال السنوات الماضية العديد من الوسائل للتهرب من هذه العقوبات، من خلال مساعدة حلفائها روسيا وإيران، وبوسائل داخلية تعتمد على الشركات الوهمية أو ما تعرف بـ”شركات الواجهة”، وقد نجحت بفعل معظم هذه الوسائل من التهرب من العقوبات.

وفي تشرين الأول/أكتوبر2021، صرح وزير الاقتصاد السوري، محمد سامر الخليل، بأن ” التهرب من العقوبات صار حرفة سورية”، ودعا حينها المستثمرين الأجانب الراغبين في الانضمام إلى السوق بسبب العقوبات “لعدم الظهور بأسمائهم الحقيقية في السوق المحلية”، حسب تقارير صحفية.

شركات وهمية

تحاول حكومة دمشق، وحتى حلفائها الاعتماد على الشركات الوهمية في الآونة الأخيرة، فهي الأسلوب الأمثل للهروب من قانون قيصر لمعاقبة سوريا، والذي يفرض عقوبات اقتصادية على الحكومة السورية، وعلى كل الأفراد والكيانات الاقتصادية الذين يتعاملون معها.

وفي هذا السياق، أظهرت وثائق رسمية، قالت صحيفة “الغارديان” البريطانية، أنها حصلت على نسخة منها، أن دمشق تؤسس شركات وهمية، في محاولة ممنهجة منها لتجنب العقوبات المفروضة عليها.

وأوضحت الصحيفة، في عددها الصادر يوم الثلاثاء الفائت، أن ما لا يقل عن ثلاث شركات تأسست في سوريا في نفس اليوم، بغرض صريح يتمثل في التغطية على شراء الأسهم وإدارة شركات أخرى، كما تُظهر صلات واضحة بين مالكي الشركات الوهمية الجديدة، وبشار الأسد والنخبة القوية اقتصاديا في سوريا، بما في ذلك الأفراد الخاضعين للعقوبات.

وبحسب الصحيفة، فإن كلا من الشركات الوهمية الجديدة، التي تأسست في أكتوبر/تشرين الأول 2021، هي “ترابسيت، جينراس، وسوبر باندي”، مملوكة في الأغلب لشخص مرتبط بالنظام من خلال شبكة معقدة من الاتصالات.

وبحسب الخبير الاقتصادي، حسن سليمان خلال حديثه لموقع “الحل نت”، فإن الحكومة السورية بالفعل تلجأ للتحايل على العقوبات الدولية عبر شركات خاصة مسجلة في وزارات التجارة والصناعة السورية بأسماء مستثمرين لا يرتبطون بأي وصف وظيفي في الدولة السورية، مضيفا أن مهمة هذه الشركات تيسير العقود التي تخدم الحكومة بعيدا عن العقوبات الدولية، بمعنى أن الصفقات التجارية التي تفشل بعقدها ، تقوم تلك الشركات بإتمامها خاصة أن هذه الشركات مسجلة أيضا في دولة ثالثة، فهي لا تثير أي شك أو ريبة حول علاقتها بدمشق.

وأوضح سليمان، أن هناك بضائع ومعدات هي نفسها من ضمن قائمة الحظر المفروضة على سوريا ولا يسمح لأي شركة بتمريرها للحكومة السورية، فتقوم تلك الشركات بشرائها لدولة ثالثة ثم يعاد تصديرها لسوريا.

وأرجع سليمان وجود مثل هذه الشركات إلى ثغرات في نظام العقوبات الدولية، وهو ما يمكن دمشق من الاستفادة منها والحصول والوصول لمصالحه من خلالها، وهنا تكمن قدرة هذه الشركات في خرق نظام العقوبات على عدة عوامل، منها وجودها في دولة ثالثة، لا يوجد أي مستثمر مساهم بها يتبع أو له علاقة بالحكومة السورية، والشراء والاستيراد يكون لدولة ثالثة ذات علاقة تجارية مع سوريا.

شركات ذات هيكلية معقدة قادرة على خرق العقوبات

تشير الغارديان في تقريرها، إلى أن تعقيد هيكل ملكية الشركات في سوريا “يتسبب في زيادة صعوبة تفكيك الدور الذي تسهم به في تعزيز الموارد المالية للحكومة السورية، ويجعل من الصعب على القوى الأجنبية فرض عقوبات فعالة على الدائرة الداخلية للحكومة”.

وكان “الحل نت”، تابع في وقت سابق هذا النوع من الشركات، التي تعرف بشركات الواجهة، أو بالشركات الهيكلية، وهي أحد أبرز الأساليب التي يتم اللجوء إليها للالتفاف على القوانين الاقتصادية، وهي شركات يتم استخدامها من قبل شركات أو أفراد، لتكون واجهة لأغراض قد تكون مشروعة، أو غير مشروعة لتكون ستارا لبعض الجرائم الدولية، حسب البنك الدولي.

وتقوم هذه الشركات بتقديم بيانات غير حقيقية، تهدف إلى الالتفاف على القوانين والقواعد التي تسعى إلى الحد من الفساد والتهرب الضريبي، وتغطية أعمال أخرى، ويتم التلاعب في هذه الشركات في مرحلة التأسيس بشكل رئيسي، حيث يتم تقديم بيانات غير حقيقية، حول هيكلية الشركة من ناحية ملكيتها، ومجلس إدارتها، وتفاصيل عن الأشخاص النافذين فيها، والشخص النافذ، هو الذي يملك 25 بالمائة من أسهم الشركة، أو حقوق التصويت فيها، أو يملك الحق بإقالة وتعيين معظم أفراد مجلس إدارة الشركة.

ويرى حسن سليمان، أن دمشق وحلفاءها يمتلكون الكثير من العلاقات غير الرسمية مع شخصيات وشركات بارزة في دول مختلفة، ويساهمون عبر هذه العلاقات بتيسير الصفقات التجارية الهامة التي تخدم مصالحهم، وشبكة العلاقات هذه مهمة في تزكية شركات وهمية لتنفيذ عقود استيراد وتصدير، ولذلك يمكن القول أن الأفق مفتوحة أمام هذه الشركات لتحقيق ما تعجز عنه الحكومة السورية بوجود العقوبات.

شبكة إجرامية تدير الشركات؟

تعمل الشركات الوهمية أو”شركات الواجهة” عادة من أجل أغراض قانونية، مثل عمليات تسهيل النفاذ إلى الأسواق العالمية، والشركات التي تقدم خدمة العملاء في عدة دول في آن واحد، وبعض هذه التعاملات يمكن أن يكون سليما، وبعضها الآخر غير سليم، أما في سورية فالوضع مختلف، حيث يتم استخدام هذه الشركات لأغراض مختلفة، منها ما هو اقتصادي، ومنها ما هو أمني، ولكن بطرق مخالفة للقانون، حسب “الحل نت”.
وفي هذا السياق، تقول “الغارديان” في تقريرها، أن “الشبكة الإجرامية التي يستخدمها النظام السوري للتهرب من العقوبات وللحفاظ على استمرار عمل الاقتصاد غير المشروع في البلاد تتفوق على أية تحديثات من الحكومات الغربية”، وذلك في إشارة منها إلى قدرة مؤسسي هذه الشركات العمل وفق الثغرات القانونية في نظام العقوبات المفروض على سوريا، حسب ما أسلف سليمان.

وتطرقت الصحيفة، إلى شخصيات مرتبطة بالحكومة السورية تعمل على تأسيس هذه الشركات، من أبرزهم، علي نجيب إبراهيم، الشريك في ملكية شركة “تيل سبيس” وهي شركة تمتلك جزءا من “وفا للاتصالات”، إضافة إلى ياسر حسين إبراهيم، وهو مستشار الأسد ورئيس المكتب الاقتصادي والمالي للرئاسة، ويخضع للعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، و أحمد خليل خليل، وهو شريك آخر في ملكية شركة “سند” لخدمات الحماية والأمن، المسؤولة عن حماية شحنات الفوسفات الروسية من وسط سوريا إلى ميناء طرطوس، و خضر علي طاهر، رجل الأعمال البارز المقرب من دمشق.

وكان موقع “الحل نت”، تطرق في تقرير سابق إلى يسار إبراهيم، الذي حل كواجهة جديدة لاقتصاد الأسرة الحاكمة في دمشق، بعد تنحية رامي مخلوف ابن خال الرئيس السوري، والذي تسلم كل الأعمال الاقتصادية للأسرة، وحظي بثقة أسماء الأسد، ليكون بمثابة ذراعها الاقتصادي الجديد للسيطرة على ما تبقى من الاقتصاد السوري.

وفي عام 2018 قامت أسماء الأسد بإسناد متابعة مكتب “الشهداء” في وزارة الدفاع، والمخصص لتقديم المساعدات لذوي قتلى عناصر الجيش السوري، إلى يسار إبراهيم، والذي تولى منذ ذلك الوقت فرض مبالغ مالية على رجال الأعمال السوريين، للإسهام في تمويل صندوق هذا المكتب.

وفي أيار/ مايو، قام الرئيس السوري بتعيين يسار إبراهيم، مديرا للمكتب المالي والاقتصادي في رئاسة الجمهورية، بعد الخلاف مع ابن خاله رامي مخلوف، والحجز الاحتياطي على أمواله وأموال أسرته، لتكون تلك نهاية حقبة مخلوف الاقتصادية، وبداية حقبة يسار إبراهيم، حسب “الحل نت”.

وسائل عديدة، برعت الحكومة السورية في استخدامها للتهرب من العقوبات، ولكنها وسائل تعتمد على ثغرات قانونية، أي أنها لا تخالف القانون على الأقل شكليا، وأبرزها الشركات الوهمية، لذلك يرى خبراء في الاقتصاد والقانون أنه يجب متابعة هذه الشركات وتعقبها لتجميد أصولها ومواردها التي تستخدمها دمشق انتهاكاتها ضد الشعب السوري.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.