لم تكن عملية التسوية الأولى في درعا في تموز/يوليو 2018، سوى مدخلا لفوضى منظمة وغير منظمة في المحافظة، إذ تشهد درعا منذ ذلك الوقت فوضى أمنية غير مسبوقة، حيث ترك الروس الذين أشرفوا على عملية التسوية الباب مفتوحا لدخول الميليشيات الإيرانية، التي استطاعت تجنيد أعداد كبيرة من المقاتلين على شكل خلايا، بالإضافة إلى استثمارها بعناصر تنظيم داعش السابقين.

ولمعرفة ما يجري في درعا لا بد من معرفة تقاسم النفوذ فيها، قُسمت درعا إلى عدة أقسام، أو مناطق نفوذ وعمليات، فالريف الشرقي الأكثر هدوءا والأقل في عمليات الاغتيال يخضع لسيطرة اللواء الثامن “قوات شباب السنة سابقا” والتابع لروسيا، والريف الغربي ويخضع في الحقيقة لسلطة الفرقة الرابعة والأمن العسكري.

 بينما تخضع منطقة الجيدور بمدنها الرئيسية “إنخل، جاسم، الحارة” لسيطرة أمن الدولة، في حين يسيطر قادة محليون تابعون لحزب الله اللبناني والفرقة الرابعة والمخابرات الجوية على مناطق اللجاة وصولا لإزرع، أما مدينة الصنمين فتخضع للفرقة التاسعة أحد أهم الأذرع الإيرانية جنوب سوريا، وتبقى بعض المناطق خاضعة لفصائل محلية تُحسب على المعارضة حتى اليوم مثل طفس ودرعا البلد.

اغتيالات تطال الجميع

لا تقتصر عمليات الاغتيال في المحافظة على فئة دون أخرى، بل تستهدف مختلف الأشخاص، من مختلف الخلفيات والتوجهات، في ما يشبه فوضى لكن بشكل مخطط له مسبقا.

يقول أيمن أبو محمود، الناطق باسم تجمع أحرار حوران، لموقع”الحل نت”، أنه بالنظر إلى عمليات الاغتيال الأخيرة، يلاحظ أنها استهدفت شخصيات من خلفيات متنوعة، حيث تم اغتيال رئيس بلدة الصنمين محمود العتمة يوم أمس، وهو مدني لكن يعتبر أحد موظفي الدولة.

 وسبق ذلك اغتيال محمد مأمون الشحادات من داعل وهو مدني ولم يسبق له الانضمام لأي جهة، أما لورنس البرهومي الذي اغتيل في بلدة المزيريب بالريف الغربي، فقد كان عنصرا في المعارضة المسلحة، فيما تعرض المدعو حسين أحمد المفعلاني الملقب”أبو أحمد النبكية” لمحاولة اغتيال بتفجير سيارته في ضاحية درعا، وهو يعمل لصالح الأمن العسكري.

ويوضح أبو محمود، أن عمليات الاغتيال تبدو في ظاهرها فوضى أمنية، لكن في الواقع هي تهدف لخلط الأوراق وإبقاء المحافظة في حال من التوتر وبهذا الشكل تستطيع الحكومة إبقاء السيطرة عليها، فعودة الهدوء يعني الالتفات من جديد لمناهضة النظام، وقد برز ذلك في ذكرى انطلاق الثورة من درعا، حيث خرجت مظاهرات في نحو 15 نقطة تظاهر تم تسجيلها على الأقل، أبرزها درعا البلد التي ساد الاعتقاد أنها هادئة خاصة بعد التسوية الأخيرة.

وأما فيما يتعلق بالإحصائيات، فقد أشار أبو محمود، إلى أنه من بداية أيلول/سبتمبر 2021، أي بعد عملية التسوية الأخيرة، وحتى نهاية شباط/فبراير الماضي بلغ عدد عمليات الاغتيال 136 عملية أسفرت عن مقتل 110 أشخاص، وهو رقم كبير عند الحديث عن عودة الأمان الذي تحاول الجهات الحكومية الترويج له باستمرار.

قد يهمك:درعا: ما الذي يحصل في جاسم وهل يعود التوتر الأمني في المحافظة؟

كيف تنفذ الاغتيالات ومن المستفيد؟

بعد عملية التسوية في درعا، تم إنشاء ما بات يعرف بمكتب أمن الفرقة الرابعة، بقيادة المقدم محمد العيسى،وهو ضابط في الفرقة الرابعة، ومتهم بارتكاب جرائم حرب في الغوطة الغربية لدمشق، ويعتبر مع العميد غياث دلا قائد قوات الغيث أبرز رجال إيران.

وحسب مصدر لـ”الحل نت”، فإن العيسى قام بتجنيد عدد من أبناء درعا من أجل عمل دراسات شاملة عن الشخصيات المعارضة، وقادة الفصائل الرافضين للتسوية، من أجل رفع هذه الدراسات لقيادة الفرقة الرابعة وللأجهزة الأمنية لتقييمها وتحديد الأشخاص الخطرين وفقها، مضيفا أن هذه الدراسات تسهم إلى حد كبير بتحديد الشخصيات المعارِضة التي يجب أن تتم تصفيتها.

ويعتمد مكتب أمن الفرقة الرابعة، والأجهزة الأمنية، على تحديد بعض الأهداف بشكل غير دقيق، أو مضلل أحيانا، فالمكتب يعرف بوجود بعض المسلحين التابعين للمعارضة المناهضين للحكومة، لذلك يحاول أن يوصل لهم معلومات خاطئة حول بعض الأشخاص بأنهم يعملون مع الأجهزة الأمنية، في حين أن هذا الأمر غير صحيح، وهذا ما جعل المعارضين يتورطون في بعض العمليات.

ففي تشرين الأول/ أكتوبر 2020، تم اغتيال شاب من عائلة المسالمة، لأنه اكتشف قيام الفرقة الرابعة بحفر نفق قرب الحدود الأردنية، قرب ما يعرف بـ”القاعدة الصاروخية” وجرى اغتياله من قبل خلية اغتيالات في ريف درعا على أنه عميل للأجهزة الأمنية، في حين أن المعلومات تم إيصالها للخلية عبر المقدم العيسىى بواسطة أحد عملائه، لأن العيسى كان يريد الخلاص من الشاب الذي اكتشف حفر النفق.

وهناك العديد من مجموعات الاغتيال التي لا تعرف بعضها، وكل مجموعة منها تعتمد على مصادر زرعتها في دوائر الأجهزة الأمنية، لكن عندما تكتشف الأجهزة الأمنية هذه المصادر تستخدمها لتمرير معلومات خاطئة لهذه المجموعات للتخلص من أشخاص في الحقيقة يشكلون خطرا على السلطات.

إقرأ:ماذا وراء تصاعد عمليات الاغتيالات في درعا؟

أسباب الاغتيالات

من الممكن أن يتم تقسيم الاغتيالات في درعا إلى أربع فئات، أو إرجاعها لأربعة أسباب رئيسية، الأولى، وتشمل العدد الأكبر من الاغتيالات، هدفها شخصيات ترتبط بالحكومة، كالمجندين من أبناء المحافظة في صفوف الفرقة الرابعة، أو شخصيات لها علاقة أو صلة بالأجهزة الأمنية أو تعمل لخدمتها، والثانية، تطال شخصيات محسوبة على المعارضة، وقد تم استهداف العديد من هذه الشخصيات، كأعضاء اللجان المركزية.

أما الثالثة، فسببها الصراعات بين تجار المخدرات، أوعلى النفوذ في المنطقة، مع العلم أن تجار المخدرات مرتبطون بشكل مباشر إما بالفرقة الرابعة أو بالأمن العسكري أو بالمخابرات الجوية، واغتيال أي تاجر مخدرات يكون السبب لخلاف بين مشغلي هؤلاء التجار، والسبب أو الفئة الرابعة، وترتبط بعمليات ثأر، أو عمليات قتل نتيجة خلافات شخصية، أو جرائم قتل بدافع السرقة.

تصعيد ميداني

تشهد درعا تصعيدا أمنيا وعسكريا في آن واحد في الآونة الأخيرة، حيث عززت القوات الحكومية من نقاطها العسكرية في بعض المناطق، كما أنها لا تزال تتعامل مع الأهالي بحسب العقلية الأمنية للسلطة السورية.

ولهذه الأسباب، لوحظ وقوع العديد من الهجمات ضد القوات الحكومية والأجهزة الأمنية، في الأيام الأخيرة، حيث تم استهداف دوريات أمنية على الطريق الدولي دمشق- درعا، لكن الحدث اللافت ما وقع في مدينة جاسم مؤخرا.

وفي هذا السياق، فقد حاولت قوة أمنية تابعة للحكومة اعتقال مطلوبين وهم من المعارضين في المدينة، ما أدى لاشتباكات بين الطرفين، قتل على إثرها عدد من عناصر الأجهزة الأمنية، بينهم ضابط، وتم أسر عدد آخر، ولكن تم حل الأمر فيما بعد بعد تدخل الوجهاء، وتعهد الأجهزة الأمنية بعدم تكرارعمليات الملاحقة.

ونفى مصدر خاص، لموقع “الحل نت”، أن تكون هذه العمليات بالتنسيق مع جهات خارج سوريا، كما يتم الترويج مؤخرا، باحتمال إعادة إشعال الجبهة الجنوبية ضد إيران وروسيا.

وأكد المصدر أن ما يجري من عمليات ضد الحكومة أو الأشخاص المرتبطين بالميليشيات الإيرانية، إنما بدافع ذاتي من مجموعات معارضة رافضة لوجود هؤلاء.

قد يهمك:أين يتواجد تنظيم “داعش” في درعا بعد التسوية الأخيرة؟

تبقى الأوضاع في درعا مفتوحة على كل الاحتمالات، فبعد عمليتي تسوية، وما قيل بعدهما أنه تم سحب حتى السلاح الخفيف، والرضوخ للحكومة، إلا أن الواقع مخالف لذلك، وبحسب مراقبين فإن درعا لم تعد تتقبل التواجد الحكومي وحلفاء الحكومة، وأن هذا الهدوء المتقطع لن يدوم لفترة طويلة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة