الحرس الثوري الإيراني: هل تشرعن واشنطن أنشطة ذراع طهران في المنطقة العربية؟

الحرس الثوري الإيراني: هل تشرعن واشنطن أنشطة ذراع طهران في المنطقة العربية؟

لم يغب اسم الحرس الثوري الإيراني عن التداول الإعلامي على مدار الأسابيع القليلة الماضية، وسط جدال بشأن رفعه من قائمة التنظيمات الإرهابية الأميركية، نزولا عند إصرار طهران على ذلك، بوصفه شرطا للتوصل إلى اتفاق في مفاوضات فيينا، لإحياء الاتفاق بشأن برنامج إيران النووي.

وكانت العقوبات الأميركية والغربية، التي تُفرض تباعا على موسكو منذ أواخر شباط/فبراير الماضي، وتداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، التي أثرت على سوق الطاقة العالمي، قد حملت طهران على التشدد بمطالبها، مع إدراكها لحاجة الدول الغربية، وأوروبا على وجه التحديد، للنفط والغاز الإيراني، تعويضا عن الغاز الروسي.

ويسود شعور أوروبي بأن إيران تستطيع تقديم البدائل للغاز والنفط الروسي، لا سيما وأنها تمتلك ثاني أكبر احتياطي غاز في العالم بعد روسيا.

في المقابل كان من اللافت التصريحات التي أدلى بها حسين أمير عبد اللهيان، وزير الخارجية الإيراني، في مقابلة مع قناة “الخبر” الإيرانية، تعليقا على موضوع رفع الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب، عندما قال: “أبلغنا في الخارجية كبار قادة الحرس الثوري في البلاد أنهم نفذوا ما يلزم لمصالح إيران. وإذا وصلنا إلى نقطة متقدمة في المفاوضات، فلا يجب أن يشكل موضوع الحرس عائقا أمام الاتفاق”.

وبعد الانتقادات التي طالته من شخصيات إيرانية، واتهامه بالتراجع عن المطلب الإيراني برفع الحرس الثوري من قوائم الإرهاب الأميركية، رد عبد اللهيان بالقول: “تصريحاتي فُهمت بطريقة غير صحيحة”. مضيفا أن “المسألة ليست أبدا تجاوز الخطوط الحمراء أو المساومة عليها. وما قلته كان تعبيرا عن توجه كبار قادة الحرس بأن لا يتم تأخير تأمين مصالح الشعب، شريطة التوصل إلى اتفاق جيد وقوي ومستدام”.

فهل تنجح طهران برفع الحرس الثوري من قوائم الإرهاب؟ أم أنها قد تتنازل عن شرطها هذا في سبيل الحصول على مكاسب سياسية واقتصادية في ملفات أخرى؟

الحرس الثوري هو العقبة الأخيرة

د.خطار أبو دياب، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس، يرى أن “الغزو الروسي لأوكرانيا أثّر على مفاوضات فيينا، بسبب اعتراض روسيا على تداعيات العقوبات الأميركية في تعاملاتها مع إيران”.

ويضيف، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “العقبة المتعلقة باعتراضات روسيا قد أزيلت، لكن يبدو أن هناك عقبات أخرى بين واشنطن وطهران، أبرزها الضمانات التي تطلبها إيران. بمعنى أن لا تتخلى واشنطن عن الاتفاق مجددا، كما فعل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب؛ وكذلك مسألة إخراج الحرس الثوري الإيراني من قائمة التنظيمات الإرهابية. إذ تتذرّع طهران بأن الحرس الثوري هو مؤسسة رسمية إيرانية”.

وبحسب أبو دياب فإن “لدى الإدارة الأميركية قرارا استراتيجياً بالعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران”. مشيرا في هذا الإطار إلى “حجم التنازلات الكبيرة التي تقدمها واشنطن لطهران”، ومعتبرا أن “توقيع الاتفاق مع إيران يعني حصول الأخيرة على مكتسبات كبيرة”.

وفي السياق ذاته يعتقد أبو دياب أن “إيران تحاول في الوقت الحالي انتزاع أكبر قدر من المكاسب، مع إدراكها لحاجة الغرب إلى النفط والغاز، بعد تأثر إمداداتهما بسبب اندلاع الحرب في أوكرانيا. وفي مقدمة هذه المكاسب إخراج الحرس الثوري من قائمة الإرهاب. لكن سعي إيران لتحقيق ذلك لا يعني موافقة الولايات المتحدة عليه، فهي تخشى، في حال قبولها بالشرط الإيراني، أن تقوم طهران بملاحقتها قضائيا وقانونيا، بسبب اغتيالها الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري، في مطلع العام 2020، بضربة جوية نفذتها في بغداد”.

معتبرا أن “توقيع الاتفاق النووي مع طهران، ذات المشروع الإمبراطوري، سيكون له تأثيرات على المنطقة العربية بأسرها”.

آثار إخراج الحرس الثوري من قائمة الإرهاب الأميركية

ولتوضيح أهم هذه التأثيرات يقول بسام بربندي، الدبلوماسي السوري السابق في واشنطن، إن “الجانب الأخطر في إخراج الحرس الثوري الإيراني من لوائح التنظيمات الإرهابية هو شرعنه وجود هذه الذراع لطهران في دول المنطقة، أي العراق وسوريا واليمن”.

ويضيف، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “قبول واشنطن بهذه الخطوة له أثمان معنوية كبيرة. إذ يوحي بمباركة الولايات المتحدة لنشاطات الحرس الثوري في دول المنطقة”.

ويرى بربندي أن “طهران تزيد من مطالبها، لتسريع توقيع الاتفاق مع الإدارة الأميركية الحالية، التي تبدو في حالة استعجال، لحسابات متعلقة بانتخابات الكونغرس المزمعة في تشرين الثاني/نوفمبر القادم”.

القادة سيظلون في قائمة الإرهاب

ومع بلوغ مفاوضات فيينا مرحلة فاصلة، كشفت تقارير إسرائيلية عن قيام الولايات المتحدة بدراسة اقتراح بإخراج الحرس الثوري الإيراني من قائمة التنظيمات الإرهابية، مع الاكتفاء بإعلان أسماء بعض زعمائه بوصفهم إرهابيين.

ويبدو أن المقترح الأميركي قد جاء للخروج من حالة الاستعصاء المتعلقة بهذه الجزئية، إذ من شأن تطبيق المقترح إرضاء طهران، والتخفيف في الآن ذاته من حدة الانتقادات والاعتراضات الإسرائيلية والعربية على إخراج الحرس الثوري من القائمة الأميركية للإرهاب، خاصة بعد أن أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت، ووزير خارجيته يئير لبيد، بيانا مشتركا، أعلنا فيه رفضهما لإخراج الحرس الثوري من القائمة الأميركية.

وفي هذا الإطار يرى خطار أبو دياب أن “مقترح إخراج الحرس الثوري من قائمة الإرهاب، مع الاحتفاظ بأسماء قيادات فيه، هو محاولة من واشنطن لتجنّب تبعات قانونية لاحقة، قد تقدم عليها طهران”.

مقالات قد تهمك: مفاوضات الملف النووي الإيراني: لماذا تسعى موسكو إلى عرقلة الاتفاق مع حلفائها الإيرانيين؟

ويرى مراقبون أن طهران قد تضحي ببعض الشخصيات المهمة في الحرس الثوري، مقابل الوصول إلى مكاسب في مفاوضات فيينا، ونزع صفة الإرهاب عن الحرس الثوري، بوصفه مؤسسة رسمية تابعة للدولة الإيرانية.

وتستمر مفاوضات فيينا حول الملف النووي الإيراني منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2021. وتشمل، إضافة لإيران والولايات المتحدة، كلا من بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا، وسط ترجيحات باقتراب توقيع الاتفاق، الذي تخلى عنه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في العام 2018.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.