الأزمة السياسية العراقية: هل تدخل المحكمة الاتحادية إلى خط الصراع؟

الأزمة السياسية العراقية: هل تدخل المحكمة الاتحادية إلى خط الصراع؟

لم تسفر الأزمة السياسية العراقية عن بوادر للحل حتى الآن. فقد فشل البرلمان العراقي في تسمية رئيس الجمهورية العراقية، في الجلسة الانتخابية الثانية على التوالي. نتيجة تمسّك الإطار التنسيقي، الموالي لإيران، وحلفائه بمفهوم الثلث الضامن، وعدم حضورهم جلسة الانتخاب.

ويقوم مفهوم الثلث الضامن على المادة الدستورية رقم (70)، التي تشترط تصويت ثلثي أعضاء البرلمان على شخصية رئيس الجمهورية.
فشل جلسة انتخاب رئيس الجمهورية يعتبر مخالفة للمادة 72 من الدستور العراقي، والتي تحدد فترة الإنتخاب بمدة أقصاها ثلاثين يوما من تاريخ إنعقاد الجلسة النيابية الأولى. وهي المهلة التي مددتها المحكمة الإتحادية العراقية، في قرارها المرقّم (17 اتحادية)، إلى السابع من شهر نيسان/إبريل الحالي. على أثر الطعون المقدمة ضد هوشيار زيباري، مرشح التيار الصدري والحزب الديمقراطي الكردستاني.

ومع انتهاء المهلة الدستورية، وفشل البرلمان العراقي في انتخاب رئيس الجمهورية، تصل الأزمة السياسية العراقية لذروتها. ما دفع مجلس القضاء الأعلى إلى التصريح بضرورة تعديل بعض البنود الدستورية.

القضاء الأعلى في واجهة الأزمة السياسية العراقية

وكان رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان قد صرّح لوكالة الأنباء العراقية بضرورة “تعديل بعض المواد الدستورية، بسبب نقصانها وعدم ملاءمتها للظروف الحالية. ومنها المادتان (64)، الخاصة بألية حل البرلمان؛ و(76) المتعلقة بمفهوم الكتلة النيابية الأكبر”.

ولكن هل يمتلك القضاء صلاحية التدخل في الشأن السياسي لحل الأزمة السياسية العراقية؟

د.إحسان الشمري، رئيس مركز التفكير السياسي، يجيب بالقول: “تدخل القضاء في الشأن السياسي يتعارض مع طبيعة عمله، ويخالف مبدأ فصل السلطات، كما يعتبر بمثابة تحوله لطرف من أطراف الأزمة السياسية العراقية”.

ويبيّن الشمري لموقع “الحل نت” أن “عمل القضاء العراقي مقتصر على النظر في القضايا المقدمة له من خلال المحاكم. ويُحدد تدخله في الشأن السياسي من خلال نظره في الدعاوي ذات البعد السياسي، التي يجب أن يتعامل معها وفق النصوص الدستورية والقانونية”.

لافتا إلى “وجود ثلاثة حلول مطروحة الآن: الأول هو توافق أطراف النزاع، المتمثلة بالتيار الصدري والحزب الديمقراطي الكردستاني من جهة، والإطار التنسيقي وحزب الإتحاد الوطني الكردستاني من جهة أخرى، وهو أمر مستبعد حاليا؛ أما الثاني فهو تشكيل حكومة توافقية، من خلال تغيير طبيعة التحالفات السياسية القائمة، وتنازل المتصارعين عن بعض طموحاتهم”.

 مستدركا بالقول: “هذا الحل يواجه احتمالية الإخلال بنصاب الثلثين أيضا. وتاليا فإن الخيار الثالث هو التوجه إلى المحكمة الإتحادية، من أجل إصدار قرار ملزم من شأنه حل الأزمة السياسية العراقية. لاسيما وأن البرلمان العراقي قد تجاوز المدة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية، والتي حددتها المحكمة بالسابع من نيسان/أبريل. وهي الفترة التي يطلق عليها اسم الإفراغ الدستوري، ويحاول البعض التغطية عليها”.

مقالات قد تهمك: المحكمة الاتحادية العراقية: قرارات مسيّسة أم محاولة لتأويل غموض الدستور العراقي؟

هل يقوم القضاء بحل البرلمان؟

يشترط الدستور العراقي، في المادة (64) منه، لحل البرلمان وجود طلب، يقدمه ثلث أعضاء البرلمان، وتوافق عليه الأغلبية المطلقة. أو طلبا من رئيسي الجمهورية أو الوزراء. ويعتبر الأمر الأخير غير وارد، لاسيما وأن هذين المنصبين يداران حاليا في إطار حكومة تصريف أعمال، تعجز عن تمرير مثل هذه القرارات، ومن ثم يستبعد الشمري هذا الخيار، مؤكدا أن “أطراف النزاع لن تترجمه إلى أرض الواقع”.

ويتفق المحلل السياسي علي البيدر مع الشمري في إستبعاد حل البرلمان، وينوّه إلى أن “معظم النواب العراقيين الحاليين يعتبرون هذه الخطوة مجازفة بمستقبلهم السياسي، لاسيما وأنهم لا يضمنون فوزهم للمرة الثانية، وكل هذا سيصعّد الأزمة السياسية العراقية”.

وأضاف البيدر، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “هذا الأمر يشمل الكتل النيابية التي تخشى خسارة مستحقاتها الانتخابية. كما يتجنبه الأعضاء الجدد، الذين يشكلون أكثر من نصف عدد أعضاء البرلمان الحالي”.
ويرى البيدر أن “التوافق هو الحل الوحيد، الذي من شأنه إنهاء الأزمة السياسية العراقية”. مؤكدا “ضرورة اتجاه الكتل السياسية نحو هذا الحل، وتقديم التنازلات”.

مفاوضات للخروج من الأزمة السياسية

مصدر مقرّب من سير المفاوضات في البرلمان العراقي كشف لـ”الحل نت” أن “القوى المختلفة أدركت عمق الأزمة السياسية العراقية، لذا فإنها تحاول التفاوض سريا، بغض النظر عن تصريحاتها العلنية”.

وكان مقتدى الصدر قد نشر تغريدة على موقع تويتر منح فيها الإطار التنسيقي مهلة أربعين يوما، تنتهي في التاسع من شهر شوال الهجري، من أجل التفاوض للخروج من الأزمة السياسية العراقية.

وتأتي هذه التغريدة ردا على أخرى نشرها نوري المالكي، رئيس ائتلاف دولة القانون، المنضوي في الإطار التنسيقي، والتي أكد فيها “قوة الثلث الضامن في إفشال الجلسة النيابية”. مشيرا، في الوقت نفسه، إلى وجود مفاوضات للخروج ببادرة الحل.

وعن طبيعة المفاوضات الجارية بيّن المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أنها “تتعلق بمحاولات التيار الصدري كسب تحالفات جديدة، مع قوى بعضها مقرب من الإطار التنسيقي. كما يحاول التفاوض مع الإطار نفسه، من خلال تقديم وعود بمنحه مناصب وزارية. ولكن الإطار التنسيقي يرفض هذه المحاولات، بسبب ادراكه أن استبعاده من مفاوضات تسمية رئيسي الوزراء والجمهورية قد يعني نهاية مسيرته السياسية. لاسيما وأنه فقد جانبا كبيرا من قاعدته الشعبية، وتاليا قد لا يستطيع العودة الى الصدارة السياسية”.

ويبقى السؤال: هل سيتجه الخصوم الى القضاء من أجل التوصل إلى حل، أم ستستمر الأزمة السياسية العراقية، بما ينذر بمخاطر أكبر، قد تلقي بظلالها على الشعب العراقي خلال الفترة القادمة؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.