سوريا وكوريا الشمالية: ما الدور الذي تلعبه بيونغ يانغ في الحرب السورية وإعادة الإعمار؟

تشترك كل من سوريا وكوريا الشمالية بأن لدى كل منها واحدا من أسوأ سجلات حقوق الإنسان في العالم. ومع مرور الذكرى السنوية الحادية عشرة للاحتجاجات في سوريا، يسعى الرئيس السوري بشار الأسد إلى الهروب من العزلة الدولية المفروضة على حكومته من جهة، والحفاظ علاقات دمشق مع حلفائها التقليديين من جهة أخرى.

وبينما تركز الحكومة السورية بشكل أساسي على العودة إلى جامعة الدول العربية، ومحاولة جلب استثمارات إعادة الإعمار من الصين وروسيا وإيران، فإنها ترغب أيضا بالحفاظ على علاقاتها التاريخية مع كوريا الشمالية. إذ إن الأخيرة، تحت قيادة كيم جونغ أون، دافعت باستمرار عن الأسد في وجه الانتقادات الدولية، وقدمت مساعدة عسكرية للقوات النظامية، وزودتها بتكنولوجيا الصواريخ والأسلحة الكيماوية، كما يؤكد عديد من التقارير.

من تاريخ الشراكة بين دمشق وبيونغ يانغ

نشأت الشراكة بين سوريا وكوريا الشمالية خلال الحرب الباردة، عندما ساعد الطيارون الكوريون الشماليون القوات الجوية السورية خلال حربي 1967 و1973 ضد إسرائيل، وتعززت بعد أن أصبح بشار الأسد رئيسا لسوريا في عام 2000.

كانت الشراكة الأكبر بين البلدين في عهد الأسد الابن هي تقديم كوريا الشمالية نموذجها لمفاعل “ميغاواط” في مركز “يونغبيون” النووي، والذي ينتج مواد انشطارية لأسلحتها النووية، لبناء مفاعل “الكبر” النووي السوري في دير الزور. كما أكدت تقارير صحفية أن الضربة الإسرائيلية على دير الزور، في أيلول/سبتمبر 2007، أدت إلى مقتل عشرة علماء نوويين كوريين شماليين، ممن ساعدوا في بناء مفاعل “الكبر” النووي.

وازدهر التعاون بين دمشق وبيونغ يانغ خلال الحرب السورية، ففي عام 2012 أشاد الزعيم الكوري كيم جونغ أون بما سماه “دفاع الأسد عن سيادة سوريا”. وأكد المراقبون القادمون من كوريا الشمالية فوز الأسد في الانتخابات الرئاسية السورية في حزيران/يونيو 2014، وكان كيم جونغ أون من بين أوائل القادة، الذين هنأوا الأسد على فوزه.

كما دافعت وسائل الإعلام الكورية الشمالية عن الأسد، وردت على التقارير التي أكدت استخدام القوات النظامية للأسلحة الكيماوية، وأدانت الأنشطة العسكرية الأميركية في سوريا. فقد وصفت صحيفة “بيونغ يانغ تايمز” الضربات الصاروخية الأميركية على قاعدة الشعيرات الجوية عام 2017 بأنها “مؤامرة دنيئة للإدارة الأميركية الحالية للإطاحة بحكومة الأسد”.

وفي الوقت ذاته افتتحت الحكومة السورية حديقة مساحتها تسعة آلاف متر مربع جنوب غربي دمشق عام 2015، تكريما لـ كيم إيل سونغ، مؤسس دولة كوريا الشمالية. وفي حزيران/يونيو 2018 ذكرت وكالة الأنباء الكورية أن “بشار الأسد يرغب في زيارة بيونغ يانغ”، وأنه “أشاد بالحكم السياسي المتميز، والقيادة الحكيمة لكيم جونغ أون”.

التعاون الدبلوماسي بين سوريا وكوريا الشمالية

ومن أهم فصول التعاون الدبلوماسي بين البلدين تحدي حكومة دمشق لعقوبات الأمم المتحدة ضد كوريا الشمالية، عبر توقيع وزارتي خارجية البلدين مذكرة تفاهم في عام 2019 لتعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية، وتنسيق مقاومتهما للعقوبات الدولية. كما كشف تقرير لفريق الخبراء التابع للأمم المتحدة، في آب/أغسطس 2020، أن ما لا يقل عن 800 عسكري وعامل كوري شمالي وصلوا إلى سوريا في النصف الثاني من عام 2019

مقالات قد تهمك: كوريا الشمالية تبدي استعدادها لإرسال عمال بناء إلى سوريا

وعلاوة على ذلك، تدعم بيونغ يانغ ودمشق بعضهما في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى. على سبيل المثال، وبناء على إشارات من دمشق، أدانت بيونغ يانغ مقترحات الولايات المتحدة بشأن عملية السلام في الشرق الأوسط، والوضع في لبنان، والتسوية العربية الإسرائيلية. بدورها، دعمت سوريا مواقف كوريا في المحادثات حول نزع الأسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية، والمصالحة بين الكوريتين.

دعم كوريا الشمالية العسكري للأسد

لم يقتصر التعاون بين سوريا وكوريا الشمالية على العلاقات السياسية والدبلوماسية، فبحسب المحلل العسكري منذر سليمان، وهو ابن العميد عبد الحليم سليمان، ضابط أمن مركز البحوث العلمية في سوريا، فإن “تبادل الخبرات في مجال التعليم والتدريب العسكري بين البلدين مستمر منذ منتصف الثمانينيات. بعد أن وافق كيم إيل سونغ على طلب الحكومة السورية بتعليم ضباطها العسكريين وتدريبهم في مؤسسات التعليم العسكري في كوريا الشمالية، وعلى حساب الحكومة الكورية”.

وأشار سليمان، في حديثه لـ”الحل نت”، إلى أن “الجيش الكوري الشمالي يقوم بتدريب ضباط الجيش السوري في جامعة كيم إيل سونغ العسكرية، كما أن القيادة في بيونغ يانغ تتابع باهتمام نشاط الضباط السوريين المتخرجين من تلك الجامعة”.

وبسبب الافتقار للأدلة، فإن مدى الدور العسكري لكوريا الشمالية في سوريا غير واضح. فقد تم تداول تقارير عن تورّط عسكري لكوريا الشمالية في سوريا منذ عام 2013. وهناك أدلة غير مؤكدة على أن المستشارين العسكريين الكوريين الشماليين ساعدوا في هجوم الجيش السوري على مدينة القصير بريف حمص، في أيار/مايو 2013.

وكان برهان غليون، الرئيس السابق للمجلس الوطني السوري المعارض، قد اتهم في عام 2013 الطيارين الكوريين الشماليين بالقتال مع سلاح الجو السوري. في حين نددت وزارة الخارجية الكورية الشمالية بهذه الاتهامات، واعتبرتها جزءا من “مؤامرة تشويه سمعة كوريا الديمقراطية”. مؤكدة على “دعمها للحل السياسي في سوريا”.

ويُزعم أن كيم جونغ أون ناقش مع وفد حكومي سوري زار بيونغ يانغ، في الرابع والعشرين من تموز/يوليو 2013، إمكانية قيام بلاده بمساعدة الحكومة السورية في القتال ضد معارضيها.

التعاون في مجال تكنولوجيا الصواريخ والأسلحة الكيماوية

وتشير تقارير دولية إلى أن بيونغ يانغ زوّدت دمشق بتكنولوجيا الصواريخ. ففي أيلول/سبتمبر 2017 خصت الأمم المتحدة سوريا بتقرير يوثق كيف سهّل رعايا كوريا الشمالية التجارة المحظورة لأنظمة صواريخ أرض – جو في الشرق الأوسط وأفريقيا.

وأدرج تقرير للأمم المتحدة، في شباط/فبراير 2018، سوريا وميانمار باعتبارهما وجهتين رئيسيتين لتكنولوجيا الصواريخ الكورية الشمالية. فقد قامت بيونغ يانغ بشحن أربعين دفعة من المواد الداخلة في إنتاج الأسلحة الكيميائية، واستخدم المركز السوري للدراسات والبحوث العلمية، الذي يدير برنامج الأسلحة الكيميائية السوري، معدات صناعية كورية شمالية لبناء منشآت جديدة للأسلحة الكيماوية.

وفي الآونة الأخيرة، وتحديدا في الثالث من نيسان/أبريل 2013، احتجزت السلطات التركية سفينة تجارية، أثناء مرورها عبر مضيق الدردنيل. وبناء على المعلومات التي قدمتها الولايات المتحدة، أجرت السلطات التركية فحصا للسفينة. وصادرت نحو ألف وأربعمئة بندقية ومسدس، وحوالي ثلاثين ألف طلقة نارية. وعددا غير محدد من الأقنعة الواقية من الغازات. وبحسب بيان صادر عن قبطان السفينة، فإن مصدر الشحنة هو كوريا الشمالية.

العلاقات بين سوريا وكوريا الشمالية في زمن إعادة الإعمار

“الشراكة بين دمشق وبيونغ يانغ ستستمر في التعزز مع انتقال الحرب السورية إلى مرحلة إعادة الإعمار”. هذا ما يراه وو يي، المحلل السياسي والدبلوماسي الصيني السابق. الذي أرجع، في حديثه لـ”الحل نت”، أسباب استمرار هذه العلاقة إلى “فقدان الدعم الاستراتيجي، الذي كان الاتحاد السوفييتي يقدمه لكلي البلدين، مما أجبر بيونغ يانغ ودمشق إلى اعتماد صيغة جديدة للتحالف”.

ويضيف الدبلوماسي الصيني السابق أن “الدولتين ترعيان الإرهاب، بحسب تقارير مجلس الأمن والأمم المتحدة. ما أدى لفرض عقوبات عليهما. الأمر الذي عزز من التقارب بينهما، وادعاءهما بأنهما يناهضان الولايات المتحدة الأميركية والإمبريالية”.

كلام وو يي تعززه تصريحات تشوي تاي بوك، رئيس مجلس الشعب الأعلى في كوريا الشمالية، الذي قال بخصوص العلاقات السورية- الكورية: “وحدة شعبينا، اللذين يقاتلان في نفس الخندق ضد العدو المشترك، أبدية. وعلى الرغم من أن سوريا وكوريا الديمقراطية بعيدتان جغرافيا عن بعضهما البعض، ستنمو علاقات الصداقة والتعاون الثنائية بينهما أقوى وأقوى”.

وبالنظر إلى المستقبل، يبدو أن كوريا الشمالية تتجه لأن تستغل عقوبات قانون “قيصر”، التي تقيد الاستثمار الدولي في سوريا؛ وحاجة الحكومة السورية للأموال، من أجل المشاركة في عملية إعادة الإعمار في سوريا، عبر بوابة تكثيف التعاون الثنائي بين البلدين ضد العقوبات الاقتصادية الدولية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.