مع اقتراب عيد “الفطر”، يعاني سكان الأحياء الشعبية في العاصمة دمشق، من ارتفاع حاد في أسعار السلع، أسوة بباقي المحافظات السورية. وقد أثر ذلك على النشاط التجاري، خاصة بالنسبة للسلع التي تعتبر حاليا لهم من “الكماليات” مثل الملابس.

يعتمد معظم السوريين على أكثر من مصدر للدخل في محاولة لتحقيق التوازن بين الأجور والنفقات. وعلى وجه الخصوص، يعتمد السوريون على تحويلات المغتربين خارج سوريا ويعملون في وظائف ثانية. وأيضا تقوم بعض العائلات التي لا دخل ثاني لها بخفض النفقات الأساسية من أجل تقليل إنفاقها الإجمالي.

ساعات للبحث عن المستعمل

وتشهد الأسواق السورية أسوء مأزق لها خلال الـ11 عاما الماضية، فبسبب الأزمة التي تسبب بها روسيا عبر غزوها لأوكرانيا، والتي أتت مباشرة بعد خروج العالم من أزمة وباء “كورونا”، ارتفعت أسعار الملابس بشكل حاد في معظم الأسواق في سوريا، متجاوزة القوة الشرائية للمواطنين مع اقتراب فصل الصيف.

يعود ارتفاع أسعار الملابس إلى عدة أسباب، من بينها تقلب سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار. بحسب ما أفاد به تاجر الملابس، معين الصباغ، لـ”الحل نت”، حيث أوضح أن اتخاذ مصرف سوريا المركزي قرارات بشأن تخفيض قيمة العملة، لها تأثير اقتصادي على جميع المنتجات السورية والمواد الخام المستوردة بشكل عام.

ولكن وفي الأحياء الشعبية داخل دمشق، لا يعرفون سوى أن العيد قد اقترب، وعليهم أن يجلبوا الملابس لأولادهم من أجل فرحة العيد، التي تغيب تماما عن وجوه الأباء، لكنهم يكفاحون رغم المصاعب والفقر لعدم مفارقتها محيا أولادهم.

الحاج عبد الرؤوف الحسن، والذي يقطن في حي الحلقة، قال لـ”الحل نت”، إن معظم ذوي الدخل المحدود وعديمي الدخل، تجمعوا منذ يومين من أجل الذهاب بعد صلاة الفجر نحو السوق العتيق – أحد أسواق مدينة دمشق، يقع بين الطرف الجنوبي لشارع الثورة وساحة سوق الخيل – من أجل الظفر بأحد القطع المستعملة ولكنها شبه جديدة، وتصلح لأن تلبس يوم العيد.

رحلة البحث التي وصفها الحسن، تستمر يوميا من 4 إلى 5 ساعات، وفي الغالب يمكن أن يرجع خالي اليدين، لأن عليه أن يقتني شيئا يليق بأولاده الأربعة في العيد، وخلال رحلته منذ يومين لم يستطع الحصول سوى على قطعة واحدة، ولكنه سعيد لأنه ظفر بها بمبلغ 1500 ليرة.

للقراءة أو الاستماع: مع ارتفاع الأسعار.. الجمارك تمنع السوريين من شراء البالة

ارتفاع الأسعار يحرم من فرحة العيد

المبلغ الذي تحدث عنه الحسن، في الوقت الحالي لا يخول السوري أن يشتري به زوجا من الجوارب، فأن يحظى بفستان لابنته بهذا المبلغ، هي صفقة تجارية بالنسبة له كالتي يعلن عنها أيلون ماسك، مالك شركة تيسلا.

 أسباب أخرى منها موجات التضخم المرتفعة للغاية التي يشهدها السوق السوري نتيجة الفوضى التي تشهدها، هي سبب معاناة الحسن وغيره من السوريين، خاصة بعد أن ارتفعت أسعار الملابس إلى ما بين 200 بالمئة إلى 300 بالمئة خلال العامين الماضيين.

فحتى البالة التي كانت سابقا سوقا لا يدخله إلا من هم في فقر مدقع، باتت اليوم أسعارها كالمحال التي تبيع الماركات، فيتراوح سعر شراء قميص في البالة، ما بين 5 و15 ألف ليرة سورية. بينما يمكن شراء السراويل والسترات ما بين 10000 و25000 ألف ليرة سورية. وبالنسبة لشراء الأحذية فيتراوح المبلغ ما بين 25 إلى أكثر من 100000 ليرة سورية.

فأقل الأصناف فيها ثمنها 8000 ليرة، في حين أن الجاكيت من الفرو قد يكلف أكثر من 100 ألف ليرة. وحاليا الأصناف التي كانت متوفرة في السابق فقط بـ500 ليرة، فقد تصل الآن إلى 5000 ليرة.

ختام حديث الحسن، كان أن أسعار الملابس وصلت إلى مستويات غير منطقية، ولم يعد عذر الدولار يقنع المواطن السوري اليوم، منذ صعود الدولار وهبوطه، فيما تستمر أسعار السلع المختلفة في الارتفاع. وهذا حسب وصفه، سببه  ارتباك قرارات الحكومة السورية، لا سيما إدارته الاقتصادية، دون دراسة جدواها.

للقراءة أو الاستماع: في سوريا… القميص براتب شهرين وحتى “البالة” أصبحت للأغنياء!

الحكومة والمستورد

من جهته، قال الصباغ، أن هناك بالتأكيد تكاليف يتحملها المصنعون المحليون، مثل أسعار الأقمشة والنقل وغيرها من الأعذار التي يعرفها المواطن السوري. لكن هذا لا يؤدي إلى ارتفاع الأسعار إلى 300 بالمئة كما هو الحال في أسواق اليوم.

ووفقا لحديث الصباغ، فإن السبب الرئيسي لفوضى الأسعار هو أن المسؤولين الحكوميين، لأنهم يعلمون بالحالة، ومع ذلك يستمرون في تجاهل هذه القضية.

وكشف الصباغ، عن مخاوفه من احتكار المنتجات سواء على البضائع المصنعة محليا أو المستوردة من قبل بعض التجار ومعظمهم من رجال الحكومة وهذا ما يبرر هيمنتهم على الأسعار في السوق. أما الملابس المستوردة فما زالت الحكومة تدّعي عدم قدرتها على ضبط الأسعار المتلاعب بها. وبالتالي يضع المستوردون الأسعار التي يريدونها تحت حجة ارتفاع الدولار.

المكاسب غير المنطقية التي حققها تاجر الملابس المستوردة كانت موجودة قبل بداية الأزمة الاقتصادية في سوريا بسبب اتفاقيات تقاسم الأرباح بين المستورد والمسؤولين الحكوميين، الأمر الذي يجعل المواطن السوري هو الحلقة الأضعف في هذه المعادلة الذي بات يبحث عن أقل قيمة من أجل إسعاد أطفاله.

للقراءة أو الاستماع: “البالة” تقترب من أسعار الألبسة الجديدة في اللاذقية

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.