في ربيع عام 2022، دخلت الحرب السورية عامها الحادي عشر. وعلى الرغم من أن القتال الأكثر عنفا قد وقع في أماكن أخرى بعيدة عن قلب العاصمة، إلا أن دمشق تأثرت بشدة بالصراع المستمر. حيث تضررت أجزاء كبيرة من الأطراف الشرقية والجنوبية للمدينة بشدة أو دمرت بشكل كلي، فضلا عن مدن رئيسية أخرى.

الهدف الحقيقي

على غرار “ماروتا سيتي” و “باسيليا سيتي”، قالت صحيفة “الشرق الأوسط”، اليوم الأحد، إن حكومة دمشق ترفض إعادة إعمار المدن المدمرة، وإنما تريد بناء مدن جديدة، وكأنها تريد زيادة الاستفادة الاقتصادية لأمراء الحرب، وكذلك للتيار الاقتصادي التابع لأسماء الأسد، سواء في ريف دمشق أو حلب.

ونقلت الصحيفة عن “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، إن “أجهزة النظام الأمنية، متمثلة بفرع الأمن العسكري (الفرع 277)، عمد منذ مطلع عام 2022 إلى تنفيذ حملات أمنية واسعة في مناطق متفرقة من جنوب دمشق والغوطة الشرقية أفضت إلى الاستيلاء على أكثر من 120 عقارا تعود ملكيتها لأشخاص معارضين”.

وأوضح أن “دوريات الفرع استولت على نحو 50 منزلا ومحلا تجاريا في مناطق السبينة وببيلا والسيدة زينب والحجر الأسود من جنوب دمشق، حيث عمدت دوريات الفرع المذكور أعلاه إلى إغلاق المنازل والمحال بالشمع الأحمر والكتابة عليها (محجوز لصالح الفرع 277).

وتوضيحا لذلك، قال الباحث والمحاضر في مجال الاقتصاد في مركز “جسور للدراسات”، الدكتور خالد التركاوي، إن  “مقاربة الأسد لقضية إعادة الإعمار تتلخص بأنه هو انتصر، ودليل النصر هو الانتقال إلى مرحلة، هذه المرحلة تسمى إعادة الإعمار”.

أما النقطة الثانية، فأوضح التركاوي، في حديثه لـ”الحل نت”، أنه من سيقوم بإعادة الإعمار، فبرأي الأسد أن هذا مكسب لمن سيقوم بهذه الإعادة. ففي عام 2014 على سبيل المثال، قال “لا الحلفاء ولا الدول الأوروبية ضمن إعادة الإعمار، بل ستكون للسوريين، لإغرائهم، وبالتالي يبنى عليه أن يتفاوضوا معه”.

وعن إعمار المدن المدمرة، بيّن التركاوي، أن الأمر لم يعد اقتصاديا حول استطاعة الشركات تحمل أعباء إعادة الإعمار، بل إن الموضوع سياسي، للضغط على المعارضين كعقاب لهم.

للقراءة أو الاستماع: إعادة الإعمار من بوابة اللامركزية الإدارية.. الحيلة الجديدة لدمشق؟

الخوف من الحل السياسي

الاقتصاد السياسي في زمن الحرب غيّر دور الجهات الفاعلة العامة والخاصة في التخطيط المكاني وتوفير الإسكان. فالكاتب والمحلل السياسي، درويش خليفة، وخلال حديثه لـ”الحل نت”، يعتقد أن “رفض إعادة إعمار المدن المدمرة من قبل النظام، لأنه ما زال يعتقد بأن الحرب في سوريا لم تنتهي. لذلك لا يزال في مرحلة لم يتبين منها أن سوريا إلى أين ستذهب”.

وأضاف خليفة، أن من الأسئلة الجوهرية التي تعرقل إعادة إعمار المدن المدمرة، هي “هل سيتغير شكل الدولة، وبالتالي تصبح فيدراليات، ويمكن أن تكون هذه الفيدراليات خارج سلطة دمشق، أو لن يكون لبشار الأسد سلطة عليها”.

وقال خليفة، إنه “من ناحية أخرى، لم يتم حتى الآن إنهاء الحل السياسي في سوريا، حتى يقوم النظام بتعمير ما تم تدميره بآلته العسكرية”.

للقراءة أو الاستماع: مسعى روسيّ جديد لاستغلال أموال “إعادة الإعمار” بسوريا

استعداد أمراء الحرب للربح

من جهته، يعتقد المقاول، محمد المسالمة في حديث لموقع “الحل نت”، إن الحكومة تسعى إلى تغيير جذري في حقوق المالكين، وتحويلهم من مالكين حقيقيين لمنزل إلى مالكي أسهم لا تساوي قيمة المنزل نفسه.

وبرأي المسالمة، ستجبر هذه الخطة المالكين على بيع أسهمهم للشركات الكبيرة التي يمتلكها أشخاص متنفذون يتبعون للأسرة الحاكمة في سوريا، والتي ستحصل على حقوق ملكية مساحات شاسعة من الأراضي بأسعار أقل بكثير من القيمة السوقية.

وأشار المسالمة، إلى أن أولئك الذين يستعدون للربح هم رجال أعمال مثل أبو علي خضر وسامر فوز، الذين كانوا منذ فترة طويلة أعضاء في الدائرة المقربة من عائلة الأسد، والذين حققوا بالفعل ثروات من الصفقات التجارية في زمن الحرب.

واستشهد المسالمة، بقضية بساتين الرازي، حيث أجبر أمر رئاسي السكان على مغادرة منازلهم في 2012، وقدم للنازحين تعويضا قدره 15 ألف ليرة سورية فقط شهريا لمدة ستة أشهر لمساعدتهم على دفع الإيجار في أماكن أخرى.

ثم هدم مباني وأراضي بساتين الرازي منذ ذلك الحين لإفساح المجال لحي جديد فاخر يعرف باسم “ماروتا سيتي”، مع مراكز التسوق الكبيرة والمنطقة الصناعية التي تم بناؤها بتمويل ومشاركة مخلوف وفوز.

يسير الأسد ورجال أعماله، بحسب المسالمة، على المخططات التي حصلت في بيروت بعد الحرب الأهلية اللبنانية، إذ اشترت شركة “سوليدير” -وهي شركة مملوكة جزئيا لرئيس الوزراء آنذاك رفيق الحريري وعائلته والمقربين منه- بثمن بخس غالبية وسط العاصمة اللبنانية المدمر، وحولت المنطقة إلى واحدة من أغلى المناطق من المدينة.

وأكد المسالمة، أن الشيء الوحيد المحتمل أن يعيق بناء هذه الأحياء الجديدة هو العقوبات الدولية المستمرة التي تمنع بيع مواد البناء إلى سوريا. فبالنسبة لدمشق، لا تنظر إلى إعادة الإعمار على أنها وسيلة للتعافي الاقتصادي والإصلاح الاجتماعي، بل كفرصة للثراء.

الجدير ذكره، أن دمشق تحاول استجداء الأموال لإعادة الإعمار، ولكن لن يكون بمقدورها جلب الأموال اللازمة، حتى الدول الصديقة لدمشق لا يمكنها الدخول في مشاريع إعادة الإعمار في ظل العقوبات الحالية، فملف إعادة الإعمار برأي المختصين لن يفتح إلا بعد تطبيق القرار 2254.

للقراءة أو الاستماع: سوريا وكوريا الشمالية: ما الدور الذي تلعبه بيونغ يانغ في الحرب السورية وإعادة الإعمار؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.