بعد تسويقها لضرورة الدخول بمرحلة “إعادة الإعمار” بسوريا خلال الفترة الماضية. دعا وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بتصريح جديد حول ضرورة تنفيذ المجتمع الدولي لمشاريع “الإنعاش المبكر”، التي تتضمن إعادة تأهيل البنى التحتية والخدمات.

تصريحات موسكو المشغولة بتأثير العقوبات الاقتصادية التي فرضت عليها بسبب غزوها لأوكرانيا، تظهر مساعي موسكو المستمرة ومناوراتها في منابر مختلفة لتفعيل إعادة الإعمار. والآن من خلال هذا التصريح تعيد موسكو التأكيد على استغلال ملف المساعدات الإنسانية من أجل تغليب مصالحها.

لا ثقة بموسكو ودمشق

يوافق المحلل السياسي الروسي، أليكاس موخين، تحليل التصريحات الروسية والتي تشير إلى أن موسكو تهدد “إذا لم يكن هناك مشاريع إنعاش مبكر” في مناطق نفوذها فإن طريق المساعدات الإنسانية قد يغلق مجددا، ولكن ليس بشكل مؤقت في المرحلة القريبة المقبلة.

ويشير موخين، إلى أن لموسكو ودمشق سجل حافل في سرقة المساعدات وتحويلها، سواء من خلال توزيعها حصريا في المناطق الموالية للحكومة، أو التلاعب بسعر صرف المساعدات، أو الفساد، أو توظيف عمال المساعدات والمشتريات من دوائرها الخاصة.

وقد أدى ذلك إلى ردع الحكومات المانحة عن تمويل المواد غير الأساسية مثل مساعدات الإنعاش المبكر. بالإضافة إلى ذلك، أصبح تنفيذ برامج التعافي المبكر في المناطق التي يسيطر عليها الجيش السورية صعبا بشكل متزايد بسبب العقوبات الأميركية، التي ردعت المانحين وأعاقت تسليم المساعدات.

ويرى موخين، أنه من المستبعد للغاية أن تصبح الأموال المطلوبة لإعادة الإعمار الشاملة متاحة، بالنظر إلى موقف القيادة السورية، والتداعيات الاقتصادية، والمصالح الجيوسياسية للقوى الإقليمية والعالمية. كما أنه من غير المحتمل نشر الموارد بما يتماشى مع احتياجات السكان.

وبيّن المحلل الروسي، أن موسكو غاضبة من جعل الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه المشاركة في إعادة إعمار سوريا مشروطة بخطوات قابلة للتطبيق نحو تسوية الصراع عبر التفاوض والانفتاح السياسي. وأنه يجب عليهم تكييف نهجهم ليتماشى بشكل أفضل مع الحقائق والتحديات الحالية على أرض الواقع.

وهذا أدى إلى أن تذهب موسكو وبشكل خاص، لاستهداف المساعدات الإنسانية لأنه الملف الذي يشكل أكثر فعالية، وتفكيك بعض العقوبات القطاعية ودعم إعادة تأهيل البنية التحتية الأساسية – حتى في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية. وهذا من شأنه أن يمثل مساهمة أكثر فعالية في تحسين الظروف المعيشية وتجنب المزيد من تآكل الخدمات العامة.

للقراءة أو الاستماع: إعادة الإعمار من بوابة اللامركزية الإدارية.. الحيلة الجديدة لدمشق؟

الأموال ضريبة التدخل

ويبدو أن الأروقة الداخلية لدى روسيا تنظر إلى أن تدخلها لابد أن يكون له ضريبة، فبرأي المحلل السياسي الروسي، أن موسكو مهيأة للاستفادة اقتصاديا من تدفق الاستثمار الأجنبي في سوريا، لكن التنافس الناشئ مع الصين وإيران على العقود يمكن أن يؤدي إلى تآكل نفوذها على المدى الطويل.

https://twitter.com/WestAsia21/status/1503695177294176257?s=20&t=jlTprU3yD39aF2Z69RAZSA

وأوضح موخين، أن روسيا ستحاول سياسيا مقايضة ملف المساعدات الإنسانية بأموال التعافي المبكر. إذ يسلط اهتمام روسيا المتزايد بسرعة بعملية إعادة الإعمار السورية الضوء على هدفين استراتيجيين رئيسيين. فأولا، تريد روسيا إعادة ربط سوريا بالأسواق المالية العالمية حتى يتمكن بشار الأسد من تعزيز قبضته على السلطة. والبدء في تجميع 400 مليار دولار الذي يعتقد أنها ضرورية لإعادة بناء سوريا.

وثانيا، تريد روسيا الاستفادة من موقعها التدريجي كجهة فاعلة رئيسية في عملية إعادة الإعمار السورية. لأن تدفق رأس المال الأجنبي إلى الاقتصاد السوري يمكن أن يوفر عملة صعبة حيوية للشركات الروسية. لا سيما بعد تعرضها للعقوبات بسبب غزوها لأوكرانيا.

ومن المرجح وفقا لموخين، أن تقود هذه التطلعات سياسة روسيا تجاه عملية إعادة الإعمار السورية في المستقبل المنظور. على الرغم من أن الموارد المادية المحدودة لروسيا ورغبتها في تجنب التوترات مع إيران يمكن أن تقوض نجاح هذه الأجندة.

للقراءة أو الاستماع: معرض التجارة الأردني بدمشق.. تطبيع اقتصادي للاستحواذ على ملف إعادة الإعمار

تهديد روسي لملف المساعدات الإنسانية

خلال مؤتمر صحفي جمع لافروف، مع نظيره القطري، محمد آل ثاني، أمس الاثنين، عقب لقائهما في موسكو، قال لافروف، إن “جميع أعضاء مجلس الأمن الدولي تبنوا الصيف الماضي، القرار الخاص بإيصال المساعدات الإنسانية الأممية إلى سوريا، والذي يشير إلى العمل على تنفيذ مشاريع الإنعاش المبكر”.

ودعا وزير الخارجية الروسي، المجتمع الدولي إلى زيادة المساعدات الإنسانية للسوريين بشكل عاجل. بما في ذلك تنفيذ مشاريع “الإنعاش المبكر”، التي تتضمن إعادة تأهيل البنى التحتية والخدمات.

وأضاف: “حتى الآن، يتم تنفيذ بنود القرار ببطء، وفي إطار الأمم المتحدة، نلفت انتباه المنظمات الدولية. وبالطبع انتباه المانحين الذين يجب أن يمتثلوا لنداء مجلس الأمن هذا”. مشيرا إلى أن روسيا تؤيد التنفيذ الكامل والشامل لقرار مجلس الأمن رقم 2254.

الجدير ذكره، أنه كان مفهوم التعافي المبكر نقطة محورية للخلاف في الدوائر الإنسانية في السنوات الأخيرة. بسبب عدم وجود توافق في الآراء، فقد أصبحت مفتوحة لتفسيرات مختلفة. وبشكل عام، ووفقا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإن التعافي المبكر هو “نهج يعالج احتياجات التعافي التي تنشأ خلال المرحلة الإنسانية لحالة الطوارئ”.

وبعبارة أخرى، يمكن تعريف ذلك على أنه استعادة الخدمات الأساسية التي يمكن للأفراد المتضررين من خلالها دعم أنفسهم بشكل أكثر استدامة بدلا من الاعتماد المستمر على منظمات الإغاثة لتلبية احتياجاتهم الأساسية.

للقراءة أو الاستماع: إعادة الإعمار في سوريا.. هل تُجبر بوتين على تسوية سياسية دولية؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.