تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، بظهور تداعيات أبعد بكثير من قرار الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، اجتياح كييف، إذ أجبر الدول على إعادة التفكير في الحياد وسياسة اللاجئين، وهدد بزعزعة استقرار الاقتصاد العالمي. فتغير العالم بشكل جليّ في الخمسين يوما الماضية.

قبل خمسين يوما، أعلن رئيس روسيا، بوتين، بدء غزو بلاده العسكري على أوكرانيا. ففي 24 شباط/فبراير الماضي، قصفت المدفعية والغارات الجوية الروسية المدن الأوكرانية، واجتاحت القوات الروسية الحدود، مما أدى إلى نزوح جماعي، ما أدى إلى حدوث أكبر أزمة لاجئين في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.

تسببت صور الموت والتعذيب المروعة، والمقابر الجماعية التي ارتكبها الجيش الروسي، في إحداث موجات من الصدمة في جميع أنحاء العالم. وصُنف بوتين بأنه مجرم حرب، واتهم العديد من القادة الغربيين روسيا بارتكاب “إبادة جماعية”.

تهديد لسبل العيش العالمي

قبل الغزو، كانت أوكرانيا رابع أكبر مصدر للذرة والقمح في العالم. وكانت روسيا، أكبر مصدر للنفط في العالم، ومن أكبر موردي الأسمدة. لكن الصراع الذي طال أمده أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية على مستوى العالم، مما يهدد الأمن الغذائي وجهود التخفيف من حدة الفقر في إفريقيا والشرق الأوسط.

برنامج الغذاء العالمي، صرح أن 41 مليون شخص في غرب ووسط إفريقيا قد يتأثرون بأزمة الغذاء والتغذية هذا العام، حيث تواجه المنطقة أعلى الأسعار منذ عقد لمنتجات مثل الحبوب والزيت والأسمدة. وأثارت الحرب أيضا الذعر في شراء المواد الغذائية الأساسية في دول مثل مصر وسوريا ولبنان التي تعتمد على الواردات الأوكرانية والروسية.

ويوم الثلاثاء الفائت، خفضت منظمة التجارة العالمية توقعات النمو لهذا العام إلى 2.8 بالمئة من 4.1 بالمئة قبل الحرب، قائلة إن الصراع وجه “ضربة قاسية” للاقتصاد العالمي. وكلما طال أمد الحرب، يتوقع الخبراء أن الضرر سيزداد، وفق ما أشار إليه تقرير لصحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، واطلع عليه موقع “الحل نت”.

للقراءة أو الاستماع: توتر أمني وتحركات عسكرية في العاصمة الليبية

طفرة في الإنفاق الدفاعي الألماني

على الرغم من كونها أكبر اقتصاد في أوروبا وعضو مؤثر في حلف الناتو، فقد حرصت ألمانيا منذ فترة طويلة على إلقاء ثقلها على المسرح العالمي. فبعد الحرب الباردة، طورت برلين أيضا علاقات اقتصادية قوية مع موسكو.

لكن عدوان بوتين، أجبر ألمانيا على عكس مسارها. ففي أواخر شباط/فبراير الفائت، صرح المستشار الألماني، أولاف شولتز، إن حكومته ستزيد بشكل كبير الإنفاق الدفاعي.

وإلى جانب التزامات البلاد طويلة الأجل، سيرى الجيش الألماني خزائنه مدعومة بضخ 110 مليارات دولار لمرة واحدة، أي ضعف ميزانية الدفاع العام الماضي.

للقراءة أو الاستماع: تحذيرات من استخدام أسلحة نووية روسية في أوكرانيا

سياسة خاصة باللاجئين

من بداية الغزو الروسي فقد غادر أكثر من 4.6 مليون أوكراني البلاد، وفر الكثير منهم إلى دول مجاورة مثل بولندا ورومانيا. ولم تكن كل هذه الحكومات قد فرشت البساط الأحمر للاجئين في الماضي، ولكن لاستيعاب هذا التدفق، وضع القادة الأوروبيون دليلا جديدا، وصاغوا إجماعا سياسيا لتبسيط عملية طلب اللجوء.

وحتى اليابان تحركت لقبول العشرات من الأوكرانيين المشردين – وهي خطوة مميزة من قبل بلد لم يرحب تاريخيا بطالبي اللجوء. واعتبارا من أوائل نيسان/أبريل الحالي، استقبلت طوكيو أكثر من 400 شخص – حيث سافر بعضهم على متن طائرة مستأجرة للحكومة من بولندا.

وأثار الترحيب الحار الذي قُدّم للاجئين الأوكرانيين الدهشة، حيث أشار المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، إلى أن دولا مثل إثيوبيا واليمن لم تتلق سوى جزءا بسيطا من الاهتمام الذي سلط على أوكرانيا.

للقراءة أو الاستماع: خسائر روسية في أوكرانيا بسبب تركيا

عدم الانحياز السياسي

العديد من الدول التي انضمت إلى الحرب المالية التي قادها الغرب ضد روسيا، كانت إما محايدة سياسيا أو لديها علاقات اقتصادية وثيقة مع الأوليغارشية الروسية.

وبعد وقت قصير من الغزو، أعلنت سويسرا أنها ستنضم إلى الاتحاد الأوروبي في فرض عقوبات على موسكو، في تحول حاد بحيادها الطويل الأمد. كما تحركت موناكو، وهي ملعب للنخب الروسية الثرية، لتجميد أصول الأوليغارشية الروسية، وفقا لقانون الاتحاد الأوروبي للعقوبات.

وبالمثل، قامت سنغافورة بما وصفته بخطوة “غير مسبوقة تقريبا” لفرض عقوبات على دولة بدون قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وبسبب العقوبات، يتوقع البنك الدولي، أن الاقتصاد الروسي قد ينكمش بنسبة 11.2 بالمئة هذا العام.

للقراءة أو الاستماع: ما سر غموض الموقف الإسرائيلي من الغزو الروسي لأوكرانيا؟

تراجع عولمة الاقتصاد الروسي

بعد سقوط جدار برلين، لجأ الروس إلى العلامات التجارية الغربية من “ماكدونالدز” إلى “مياو مياو”. أدى رد الفعل الدولي على ضم بوتين لشبه جزيرة القرم عام 2014 إلى فصل المجتمع والاقتصاد الروسيين عن العالم الغربي، لكن غزو 24 شباط/فبراير أدى إلى تسريع هذه العملية.

فتح ضغط الحكومات المحلية والمستهلكين، تحركت الشركات والمؤسسات الكبرى لتعليق أو الخروج من روسيا، مما حرم المواطنين الروس من الوصول إلى العديد من السلع الاستهلاكية. كما قطعت الأحداث الرياضية الدولية والمؤسسات الثقافية البارزة العلاقات مع المشاركين الروس.

للقراءة أو الاستماع: بعد غزو أوكرانيا.. حلف “الناتو” يخطط لردع روسيا

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.