تعرض السوريون خلال السنوات العشر الماضية لأقسى أنواع الانتهاكات في العصر الحديث، وذلك باعتراف دولي، ولم تكن هذه الانتهاكات تصدر من جهة واحدة، بل من جهات مختلفة اجتمعت على ارتكاب الجرائم بحق السوريين، لكن أسوأ تلك الجرائم على الإطلاق جرائم الحكومة السورية، وتنظيم داعش الإرهابي.

ولعل أهم ما ميز جرائم كل من دمشق وداعش، هو اختفاء جثث الآلاف من القتلى من المعتقلين والمفقودين، وبشكل ممنهج ومدروس، خاصة من قبل دمشق حيث نظمت مجموعة من المقابر الجماعية الموزعة بشكل منتظم، فيما استخدم داعش المقابر الجماعية ولكن بشكل أقل تنظيما.

الكشف عن مقابر خلفها داعش

قال المركز السوري للعدالة والمساءلة ومقره واشنطن، في تقرير نشره اليوم الخميس، إن انتهاكات داعش تدخل ضمن نطاق الجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، بل وحتى الإبادة الجماعية في بعض الحالات، مؤكدا على حق عائلات المفقودين والضحايا من قتلى داعش في “معرفة الحقيقة بشأن مصير أحبائها”.

وأضاف التقرير الذي حمل عنوان ” إحياء الأمل: البحث عن ضحايا داعش من المفقودين”، أنه تم اكتشاف ما يقرب من 6 آلاف جثة في عشرات المقابر الجماعية التي أقامها داعش في شمال شرق سوريا، حيث يشكل هذا الرقم، ما يقرب من نصف العدد الإجمالي للأشخاص المفقودين في الشمال الشرقي لسوريا، وفقا للتقرير، على الرغم من اختلاف تقديرات المفقودين، بين منظمة حقوقية وأخرى.

إقرأ:تراجع حضور “داعش” في المنطقة.. ما علاقة القرشي؟

شبكة واسعة من السجون

يقول التقرير أنه ولأول مرة، الشبكة الواسعة من مراكز الاحتجاز التي كانت مسرحا لحالات الاختفاء التي تورط فيها تنظيم داعش، حيث كانت الأجنحة المختلفة للتنظيم تستخدم بشكل منهجي هذه الشبكة المكونة من 152 مركزا ومعسكرا تدريبيا وسجونا أمنية سرية، لاعتقال المدنيين المختطفين وأعضاء الجماعات المسلحة المنافسة، بينما تم تسجيل 33 مركز احتجاز في مدينة الرقة وحدها.

وكشف التقريرعن ثلاثة أنواع رئيسة لتلك المراكز، وهي مراكز الحسبة التي كانت الأكثر انتشارا على اعتبار أنها كانت تضم أشخاصا ارتكبوا مخالفات بسيطة في نظر التنظيم، ومراكز الشرطة الإسلامية التي كان يسجن بها أشخاص تم تطبيق قانون داعش المدني والجنائي في حقهم، والسجون الأمنية كانت تستخدم لاحتجاز المعتقلين الذين ّيعدهم التنظيم من ذوي الأهمية السياسية أو يشكلون تهديدا له.

أما حول كيفية تنفيذ الاعتقالات، فقد أفاد التقرير أن داعش كان يعتقل الناس في سياقات مختلفة؛ حيث يأخذهم من المدن في وضح النهار، ومن المنازل خلال مداهمات ليلية ومن الحواجز بين المناطق الإدارية المختلفة الواقعة تحت سيطرته، مضيفا أن أطول وأوسع سلسلة من التنقلات التي وثقها تتعلق بالمعتقلين الذين بدا أن داعش كان ينوي استخدامهم في عمليات تبادل السجناء، قبل أن يتم حجزهم ثم اختفاء أثرهم، ومشيرا إلى أن القرار الأهم هو نقل المعتقل إلى سجن أمني ليختفي كل أثر له بعد ذلك.

قد يهمك:عودة “داعش” مجددا.. تحذيرات من تفجير “القنبلة الموقوتة” شمال شرقي سوريا

ما هي ملامح استراتيجية داعش المقبلة؟

المتحدث باسم التنظيم أبو عمر المهاجر، أعلن قبل عدة أيام في تسجيل صوتي بثته حسابات تابعة لتنظيم “داعش” على تليغرام، إطلاق معركة “الثأر” لزعيمه السابق الذي قُتل في شمال غربي سوريا إثر عملية نفذتها الولايات المتحدة الأميركية في شهر شباط/فبراير الماضي، حسب متابعة “الحل نت”.

ودعا المتحدث باسم التنظيم، خلايا ومناصري التنظيم إلى اغتنام فرصة انشغال دول الغرب بالغزو الروسي لأوكرانيا، وشن عمليات في أوروبا، قائلا إن “أوروبا على صفيح ساخن”.

وقال الباحث في الجماعات الجهادية، عرابي عرابي، في حديث سابق لـ”الحل نت”، أن “التهديدات ليست غريبة على التنظيم، كما أن التوقعات كانت تذهب في أن التنظيم سيعلن عن غزوات الإنتقام، وفي هذا الإطار من الممكن أن يعلن عن بعض الغزوات في سوريا والعراق وبعض مناطق سيطرته في إفريقيا وسيسميها بأنها غزوات الانتقام”.

ويرى مراقبون مختصون، أن التنظيم يحاول رسم ملامح عمله في المرحلة القادمة من خلال وضع أولويات محددة، يقوم بالعمل عليها، وهي الثأر لمقتل زعيمه السابق، والعمل على تحرير عناصره القابعة في السجون، بجانب محاولة استهداف الدول الغربية بعمليات “الذئاب المنفردة”.

كما قال قال الباحث عباش شريفة، لـ”الحل نت”، في وقت سابق، أن أهداف التنظيم من إدعاء إطلاق ما أسموه بـ عملية الثأر هي “تحريك عناصره من الذئاب المنفردة لزيادة نشاطها على إثر ما يعانيه التنظيم من ضربات التحالف الدولي” خلال الفترة الماضية.

وكان التنظيم، شن هجوما كبيرا مطلع العام الحالي على سجن الصناعة في مدينة الحكسة، استمر لعدة أيام، استطاع من خلاله تحرير عدد من سجنائه من قيادات التنظيم من الصف الأول، معظمهم عراقيو الجنسية، حسب معلومات خاصة لـ”الحل نت”.

إقرأ:ضعف داعش ينكشف في سوريا لهذه الأسباب

ويعاني التنظيم من ضعف وهشاشة كبيرين، ما يدفعه لاستخدام منابره الإعلامية المتواضعة للإدعاء باستمرار حضوره رغم تواضع تواجده الجغرافي. لا سيما بعد تعرض التنظيم خلال الأعوام الماضية التي تلت هزيمته في الباغوز مطلع عام 2019 إلى نكسات أمنية كبيرة، كان أبرزها مقتل مؤسس التنظيم وزعيمه أبو بكر البغدادي في 2019، ولاحقا مقتل الزعيم الثاني عبد الله قرداش مطلع العام الحالي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.