في خطوة أثارت التكهنات حول أسباب إعلانها، هدد رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي، مساء أمس الاثنين، بالانسحاب من العملية السياسية ردا على على ما وصفه بـ “تحكم المسلحين وعبثهم بأمن البلاد”.

وقال الحلبوسي إن “العمل السياسي تحكمه ثوابت وأخلاقيات، ولا يمكن أن يصنف الاستهتار بأمن المواطنين وإثارة الفتن بين أبناء الشعب تحت أي سبب كان، على أنه مناورة أو ضغط سياسي”.

أقرأ/ي أيضا: عودة زعماء المكون السني للعراق.. هل ينجحون بتحجيم الحلبوسي؟

تهديد شديد اللهجة

ولذا، هدد الحلبوسي بحسب بيان صادر عن مكتبه وتلقى موقع “الحل نت”، نسخة منه، “باتخاذ مواقف جدية بمجمل المشاركة في العمل السياسي، نظرا لتحكم المسلحين الخارجين عن القانون، وعبثهم بأمن البلاد والعباد، ومحاولاتهم المستمرة لتغييب الدولة وإضعاف القانون والعبث بالنسيج الاجتماعي”.

وأشار إلى أنه، لا يمكن أن تبنى الدولة بدون العدل والعدالة، ولا يحترم فيها حق المواطن بالعيش الكريم، مؤكدا أنه “عاجلاً أم آجلاً سيحاسب كل من أجرم بحق الشعب ونهب ثرواته وغيب رجاله وقتل وأعاق شبابه وهم يطالبون بحقوقهم، وآخرين هجرتهم من ديارهم، وأودع الأبرياء بدلا من مجرمين تم تهريبهم من السجون في وضح النهار”.

موقف الحلبوسي الغاضب، فتح باب السؤال عن أسباب ذلك، لا سيما وأنه صدر بعد ساعات من عودة أمير قبائل دليم علي حاتم السليمان إلى محافظة الأنبار، خصوصا وأن الأخير أظهر موقفا معاديا له، فيما ذهب آخرون إلى احتمالية أن يكون موقفه نتيجة ضغط القوى السياسية المقربة من إيران والتي تمتلك أذرعا مسلحة.

ولربما الحديث عن موقف الحلبوسي وتصعيده المفاجئ في هذا التوقيت يحتمل الكثير من الاحتمالات، كما يرى الباحث في الشأن السياسي عادل العنزي، ويقول لموقع “الحل نت، إن “هناك من سيفسر بيان الحلبوسي على أنه موقف مناهض لعودة علي حاتم السليمان إلى محافظة الأنبار معقل ومحل سكن الشخصيتين”.

ويضيف: “ظاهرا أن ما يحدث في إطار قضية عودة السليمان ورئيس مجلس النواب، ومحاولات مزاحمة الأخير في الساحة السياسية السنية من قبل القوى المقربة من إيران بتبنيها إعادة زعامات سنية ملاحقة بتهم قضائية إلى المشهد في الوقت الذي يصر فيه الحلبوسي المضي بعملية سياسية يعتقد وكلاء إيران أن لا مكان لهم فيها، من الطبيعي سيفسر أن موقف الحلبوسي هو بالضد من عودة السليمان إلى الأنبار”.

ولكن في الحقيقة أن “ما يحدث هو صراع خفي بين رئيس مجلس النواب وأذرع إيران في الأنبار، وعلى وجه التحديد كتائب حزب الله التي تسعى جاهدة تبني سياسة قوى الإطار التنسيقي التي تسعى للضغط على الحلبوسي وإعادته إلى سياسة التوازنات والمحاصصة التي يظهر في الوقت الحالي أنه مصر على مغادرتها رفقة تحالف “إنقاذ وطن” الثلاثي الذي يضم الحزب الديمقراطي الكردستاني والكتلة الصدرية” وفقا للعنزي.

أقرأ/ي أيضا: العراق.. رفع دعوى قضائية ضد الحلبوسي

ما علاقة الصدر؟

العنزي أوضح أن “ذهاب الحلبوسي مع مشروع الكتلة الصدرية بقيادة زعم التيار الصدري مقتدى الصدر نحو تشكيل حكومة أغلبية وطنية ترفع شعار حصر السلاح بيد الدولة، يعطي ضمان وقوة إلى التحالف الثلاثي، من حيث القيمة السياسية والنيابية لما يمثله من زعيم سياسي يملك أكثر من 40 مقعدا نيابيا إضافة إلى منصبه رئيسا للمجلس النواب، بالتالي أن اصرار الصدر على مشروع الأغلبية الذي يتقاطع ومشروع الاطار التنسيقي يحتاج إلى الضغط على أطراف المشروع لإضعاف الصدر وثنيه أو حتى عزله”.

وأردف، أنه “لذلك نرى ضغوطات تمارس على الحلبوسي وحتى الحزب الديمقراطي من حيث محاولات تهديد أمن إقليم كردستان أو التضيق عليه، لسبب بسيط جدا أن قوى الإطار لا تملك وسيلة للضغط على الصدر بشكل مباشر، لذلك يلجأون إلى تهديد شركائه”، مشيرا إلى أن “إعادة الزعامات السنية هو جزء من مشروع تقويض نفوذ الحلبوسي الذي بات مؤخرا متفردا بالساحة السنية، لكن مع ذلك لا يمكن أن يصل حد الصدام بين الحلبوسي والعائدين”.

إذ أن الصراع الحقيقي يجري منذ مدة ليست بالقصيرة بين الحلبوسي وكتائب حزب الله العراقية، الفصيل الذي يأخذ على عاتقه في الوقت الحالي مهام تنفيذ سياسات الإطار بوصفه أولا يمتلك جناحا سياسيا داخل الإطار، وأنه الفصيل المسلح الذي ينتشر في مناطق مهمة بالإنبار، كما أن حزب الله وكما يعرفه الجميع هو الذراع الأكثر ثقة لطهران والحرس الثوري، بالتالي أن خطواته هي ليست فقط في الإطار السياسي بل تحمل أهدافا أمنية تسعى لتحقيقها مستغلا عدم الاستقرار الحالي، بحسب العنزي.

واختتم أن “للأنبار موقعا جيوسياسيا-بولوتيكيا مهما وتمثل خطا من خطوط ربط السياسة الخارجية الإيرانية التي تنتشر في سوريا ولبنان والعراق واليمن، بالتالي إذا ما عدنا إلى الوراء قليلا سنلاحظ أن وجود أذرع إيران تراجع في الأنبار مؤخرا، بالتالي نجد حزب الله يحاول بين الفينة والأخرى استغلال أي ثغرة لإعادة تموضعه وتمدده، وهذا بكل تأكيد بالتوازي مع أن يكون المشهد السياسي في خدمتهم”.

الجدير بالذكر، أن كل تلك التطورات تأتي بعد ابتعاد الحلبوسي عن “الإطار التنسيقي” الذي منحه رئاسة البرلمان السابق، وتحالفه بعد الانتخابات المبكرة الأخيرة مع خصم “الإطار”، زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر.

وفي وقت سابق، أعلن علي حاتم السليمان أمير قبائل ديلم، عودته إلى العاصمة العراقية بعد غياب دام 8 سنوات، جراء اتهامه بالإرهاب وتسببه بدخول “داعش”.

كما أعلن قبله في الأسبوع الماضي، نائب رئيس الحكومة العراقية الأسبق رافع العيساوي إلى العراق بعد تسوية أمور عودته مع القضاء وتبرئته من كل التعم الموجهة إليه.

أقرأ/ي أيضا: مـقتدى الصدر يحاور الحلبوسي وبارزاني: حكومة أغلبية تقصي الأحزاب الولائية؟

عودة بدل ضائع

حاليا، يجري الحديث عن تحضيرات لإطلاق سراح عضو مجلس النواب السابق أحمد العلواني، وأحد أبرز زعماء السنة، من السجن الذي اعتقل عام 2013، وأعقاب ذلك سيتم التفكير بطريقة لإعادة طارق الهاشمي إلى بغداد، والهدف تحجيم الحلبوسي، وفق لتقارير إعلامية.

يشار إلى أن رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي كان قد شن حملة إقصاء ممنهجة ضد الزعامات والرموز السنية بدوافع طائفية وسلطوية، مما انتهى بهمالأمر بين ملاحق ومعتقل، فضلا عمن تعرضوا إلى الاغتيال جراء الصراع الطائفي الذي اجتاح البلاد وما لحقه من سيطرة تنظم “داعش”، وغيرها من نشاطات المليشيات.

ويذكر أن، “الإطار التنسيقي” بقيادة نوري المالكي، يقف وراء إعادة الزعماء السنة إلى الواجهة السياسية، من أجل زعزعة قبضة الحلبوسي على المكون السني، وعدم انفراده بزعامة المشهد السياسي السني، بحسب كثير من المراقبين.

ويستمر الخلاف السياسي في العراق، حول تمسك التحالف الثلاثي (يضم الكتلة الصدرية الأكثر عددا نيابيا، وتحالف السيادة الذي يضم جميع القوى السنية بـ67 مقعدا، والحزب الديمقراطي الكردستاني 31 مقعدا، بمشروع تشكيل حكومة “أغلبية”.

فيما يصر “الإطار التنسيقي”، يضم أبرز القوى الشيعية المدعومة إيرانيا بـ(81 مقعدا)، ما عدا “التيار الصدري” الذي يمثل الكتلة النيابية الأكبر عددا بـ(73 مقعدا)، بأن تكون حكومة “توافقية”، يشترك الجميع فيها، وهذا ما لم يقتنع به زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، حتى الآن.

بالمقابل، يستمر الخلاف بين الحزب “الديمقراطي” (31 مقعدا)، وحزب “الاتحاد الوطني الكردستاني” بـ(17 مقعدا)، المقرب من إيران والمنخرط ضم تحالف “الإطار”، حول أحقية منصب رئاسة الجمهورية الذي يشغله الاتحاد منذ ثلاث دورات رئاسية، فيما يحاول الديمقراطي الحصول عليه هذه المرة كاستحقاق انتخابي يمثله بأكبر كتلة نيابية كردية.

ومع عدم توصل الطرفين إلى تفاهمات، أمهل مقتدى الصدر، قوى “الإطار” مدة قوامها 39 يوما، تبدأ من اليوم الأول من شهر رمضان وحتى التاسع من شهر شوال، للتحالف والتفاوض نحو تشكيل الحكومة، بشرط عدم اشتراك “التيار الصدري” فيها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة