استخدام مصطلح “المنفى الوظيفي” هو لوصف من يعمل في مديريات الإحصاء في الجهات الحكومية، فعندما تشن حربا على موظف، يتم نقله إلى مديرية الإحصاء في الوزارة كعقوبة، أو إلى المكتب المركزي للإحصاء، الملقب بـ “غوانتانامو الحكومة”، حيث نادرا ما يكون هناك موظف حاصل على شهادة في الإحصاء، على الرغم من المسابقات التي تقدم لها أشخاص من ذات الاختصاص.

أخطاء في الأبحاث

تتكرر مقترحات الاقتصاديين والباحثين حول المكتب المركزي للإحصاء، ومسألة افتقار المكتب للبيانات الإحصائية، حيث صدر أحدث رقم إحصائي للمكتب في عام 2019، مما ترك الاقتصاديين والباحثين يتساءلون عن كيفية اقتراح حلول عملية للمشاكل الاقتصادية، وإجراء البحوث التطبيقية في غياب هذه البيانات.

وتمتد مشكلة المكتب إلى الصحفيين الذين إلا بحالات استثنائية، لا يفوتون فرصة للشكوى من فشل المكتب في تزويدهم بأي معلومات يمكنهم بناء قصصهم على أساسها.

مدير المكتب المركزي للإحصاء، عدنان حميدان، أكد في تصريح لصحيفة “الوطن” المحلية، اليوم الثلاثاء، أنه نتيجة الحرب وفقدان السيطرة على العديد من المناطق، واجه العمل الإحصائي بعض الصعوبات في الوصول إلى كافة المحافظات السورية، وأن أي عملية إحصائية، خاصة تلك التي تستخدم التقديرات، يشوبها خطأ يمكن أن تتراوح نسبته من 5 إلى 10 بالمئة، مع عدم وجود تأثير لهامش الخطأ أو الاختلاف في الدقة على الرؤية الاقتصادية أو الدراسة طالما أن اتجاه الرقم معروف، وهذه النسبة “لا تفسد موضوع البحث”، لأن هذه البيانات لا تزال صالحة للدراسات والبحوث.

وتابع، “من يشكك بجودة ودقة الرقم والعمل الإحصائي فليعطنا البديل، فكيف يتم تقدير أن هذا الرقم جيد أم لا؟ وخاصة أنه صادر عن جهة رسمية فهو حتماً يمتاز بالدقة”، على حد قوله، مبينا أن غالبية البيانات الإحصائية الصادرة عن المكتب معتمدة لدى المنظمات الخارجية.

للقراءة أو الاستماع: المجدرة “أكلة الأغنياء” في سوريا؟

أرقام لا تعتمدها الحكومة

على الصعيد ذاته، الباحثة الدكتورة رشا سيروب، تناولت الأمر مؤخرا عبر صفحتها الشخصية على موقع فيسبوك، وأشارت إلى أن الأرقام الإحصائية السورية مشكلة وليست حلا، لعدم كفايتها وشموليتها وعدم مشاركتها وشفافيتها، كما يتبين من تصريحات المسؤولين، والتي غالبا ما تتناقض مع بعضها عند تقديم رقم.

وتعتقد سيروب، أن رداءة جودة البيانات وعدم القدرة على إتاحتها في الوقت المناسب يؤدي إلى وضع سياسات وسيناريوهات خاطئة وغير منطقية، وبالتالي فإن توافر البيانات ودقتها وحداثتها يساهم في توفير المؤشرات الإحصائية المطلوبة لسياسة- صنع واتخاذ القرار وتقييم أداء الحكومة في أي دولة.

وأشارت سيروب، إلى أن عدم وجود رقم إحصائي من داخل مؤسسات الدولة، يؤدي إلى انتشار البيانات والمعلومات الصادرة عن أطراف ثالثة، والتي يزعم بعض المسؤولين أن لها “أغراض سياسية”، وأنها حظيت بقبول واسع النطاق، حتى لو كانت غير صحيحة، ويعتبر أيضا المكتب الإحصائي شريك في الأخطاء التي تنتج عن عدم صحة القرارات الحكومية التي يفترض أن تكون مبنية على أرقام وبيانات إحصائية.

وفي هذا السياق، بينت سيروب بأن الإجراءات الحكومية لا تستند إلى الإحصاءات والبيانات، كما هو واضح من الميزانيات الحكومية التي لا تتضمن أي معدلات للمؤشرات الاقتصادية، مما يعطي الانطباع بأن الناس يتم استخدامهم كموضوع اختبار.

للقراءة أو الاستماع: ركود في سوق الألبسة السورية.. ما علاقة ارتفاع أسعار المواد الغذائية؟

الحكومة من تسيطر على المكتب

من جهته، أكد مدير المكتب المركزي للإحصاء الأسبق والأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، الدكتور شفيق عربش، خلال حديثه لذات الصحيفة، على ضرورة إعفاء المكتب من أن يكون تحت إشراف رئاسة مجلس الوزراء التي تجيّر هذه الوصاية للجنة الاقتصادية.

وأوضح عربش، أن كل الحجج التي تزعم أن فقدان الدولة للسيطرة على مناطق عديدة حال دون استكمال العمل الاقتصادي على المستوى الجغرافي ليست صحيحة إلى هذا الحد، بل هي شماعة يعلق عليها الإهمال، لأن الرقم الإحصائي لا يشترط أن يكون نتيجة عمل ميداني، حيث أن هناك مجموعة من البيانات مع الجهات الرسمية قد تعطي نتيجة مختلفة.

وعلى سبيل المثال، قال عربش، إذا تم النظر الآن في أعداد الطلاب المتقدمين لامتحانات شهادة التعليم الأساسي وتم إجراء استقراء أساسي لهذه البيانات في سنوات ما قبل الحرب، لكان من الممكن الوصول إلى الحجم الحالي للسكان، بالإضافة إلى أن الأرقام من كميات المازوت والخبز والسكر والرز الموزعة بأسعار مدعومة على مستوى الحكومة، توفر في كل محافظة مقياسا كبيرا لحجم السكان.

وأشار المدير السابق للمكتب الإحصائي، إلى أن عدم وجود هذه التكتيكات أدى إلى التفكير في إدراج بيانات تقديرية في جميع التقارير الإحصائية التي صدرت بعد 2011، علما أنه لا يستند إليها، لأنها “جزافية ولا تقارب الواقع إلى حد كبير”.

الجدير ذكره، أن الحكومة السورية تعتبر المكتب المركزي للإحصاء هو الجهة الوحيدة التي تقوم بجميع الأعمال والمسوح الإحصائية، ولا يحق لأي جهة أخرى على أراض سوريا أن تجمع البيانات أو تجري المسوحات من دون العودة للمكتب.

للقراءة أو الاستماع: دولار مجمّد من ليبيا يصل إلى حلب “ورق أبيض”

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.