على الجانب الغربي من نهر الفرات، في المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوري -على الورق على الأقل- يبدو مشهد تهديد تنظيم “داعش” والرد عليه مختلفان بشكل ملحوظ عما عاناه التنظيم الإرهابي في مناطق الشرق السوري بعد تلقيه هزيمة قاسية تجلت بإنهاء وجوده هناك بفعل ضربات “التحالف الدولي” والقوى المحلية على الأرض.

فعلى مدار العام الماضي، وجد تنظيم “داعش” ملاذا آمنا وعمقا استراتيجيا داخل البادية، منطقة الصحراء الوسطى الواسعة التي تشمل مناطق في محافظات حمص وشمال شرق حماة وجنوب الرقة وغرب دير الزور.

إنهاء تواجد التنظيم في البادية، والسبل التي تؤدي إلى قطع دابره هناك، حالت دون حدوثها نتيجة اشتداد المنافسة بين روسيا وإيران على البادية السورية، بعد أن عززت الأخيرة وجودها العسكري هناك، مما شجع الأولى على شن حملة استقطاب واسعة لصالح جزء من قوات حكومة دمشق الموالية لها -اللواء الثامن- لتوسيع نفوذها بشكل أكبر داخل المنطقة. الأمر الذي أدى إلى استنتاج عدد من  المراقبين أن روسيا باتت تستخدم فزاعة “داعش” هناك لادعاء محاربتها الإرهاب، إلا أن واقع الحال يبدو غير ذلك.

لماذا يتواجد “داعش” في البادية؟

عندما سيطرت قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، مدعومة بقوات “التحالف الدولي” على قرية الباغوز في أواخر آذار/مارس 2019، انتهى وهم “دولة الخلافة” التي زعم التنظيم قيامها. حيث مثلت المعركة النهائية ضد التنظيم في منطقة الباغوز إنجازا عسكريا هائلا للتحالف الدولي. ومع ذلك، فإن الجماعة الإرهابية لا تزال تشن هجمات بين الحين والآخر بالانطلاق من مناطق يفترض أن القوات الحكومية مسؤولة عنها في البادية السورية.

ومن جملة الأسباب السياسية والاجتماعية والعسكرية التي أدت إلى تمركز “داعش” في البادية السورية، بحسب الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية، عباس شريفة، هو غياب الحل السياسي وعدم استقرار المنطقة، بالإضافة للخواصر الهشة، ووجود توسع إيران عبر ميليشياتها، والتي تعتبر مغذية لهذه الظاهرة.

وأوضح شريفة، خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن التنظيم خلق حالة المظلومية لنفسه وعممها لدى عناصره، وهو ما سمح لـ”داعش” بأن تستمر في عملية التجنيد والحصول على موارد بشرية.

إضافة إلى ذلك، فإن تموضع هذه المنطقة على طرق الإمداد الاقتصادي والنفط والتجارة، يجعلها أيضا منطقة غنائم أو منطقة ترميم وإعادة بناء، اعتمد عليها التنظيم من أجل إعادة بناء نفسه، من خلال سيطرته على بعض الموارد أو قطع طرق القوافل.

للقراءة أو الاستماع: “داعش” في وضع مأزم.. هكذا سينتهي التنظيم الإرهابي

“داعش” شماعة لروسيا؟

كثر الحديث مؤخرا عن إرسال تعزيزات عسكرية إلى البادية السورية بحجة محاربة الخلايا النائمة لتنظيم “داعش”، لكن يتضح من التحركات أن هناك صراعا بين الروس والإيرانيين لتأمين مناطق نفوذ ذات أهمية اقتصادية.

الناشط السوري، عمر الحريري، يرى أنه ومنذ أكثر من عامين كثف عناصر “داعش” عملياتهم وأنشطتهم في البادية، حيث يتحركون الآن بحرية نسبية، فيما تنتشر مواقع التنظيم على مساحة تقارب 4000 كيلومتر مربع من جبل أبو رجمين شمال شرق تدمر إلى بادية دير الزور وريفها الغربي، إضافة إلى تواجدها وتحركها في صحراء السخنة وشمال الحدود الإدارية لمدينة السويداء.

 وفي إطار التعزيزات المرسلة إلى المنطقة، ووفقا لحديث الحريري، لـ”الحل نت”، فقد عززت قوات حكومة دمشق حشدا عسكريا في البادية السورية، وعززت الفرقة الرابعة الموالية لإيران في دمشق تواجدها العسكري في المنطقة، في ظل قتال التنظيم، ما رفع تحذير لروسيا من أن إيران ستعيد توسيع منطقتها في المنطقة. وبعد هذه التعبئة، كشفت تقارير أن روسيا تسعى لكبح نفوذ الجماعات الإيرانية في سوريا.

وبالتزامن مع الحديث عن استعدادات لعملية عسكرية تستهدف مقرات التنظيم في البادية السورية من قبل كل من حكومة دمشق والجماعات الإيرانية الموالية لها، بعد تعزيز الفرقة الرابعة وجودها العسكري هناك، بدا أن روسيا مصرة على اتخاذ المزيد من الإجراءات التي من شأنها تقليص نفوذ إيران، وهو ما كان واضحا في حملة استقطاب واسعة لصالح “اللواء الثامن” الموالي لروسيا في مناطق تعتبر نفوذا إيرانيا.

وأخيرا، يرى شريفة، أن الأسباب التي تؤدي إلى إنهاء وجود التنظيم، هي كثيرة لكن أولها أن يكون هناك حل سياسي حقيقي في سوريا. وتنفيذ القرارات الدولية، وإدارة عملية انتقالية تنهي وجود الأسد في السلطة. باعتبار أن عدم وجود الحل السياسي هو من الثغرات التي تلج منها التنظيمات الجهادية والإرهابية. بالإضافة إلى ذلك، هناك الحلول الأمنية، والاعتماد على قوة محلية لمحاربة الإرهاب، إضافة لبعض المعالجات الفكرية والثقافية المتعلقة يعني محاربة هذا الفكر.

للقراءة أو الاستماع: تنظيم “داعش” يحترق بناره ودماء عناصره.. آخر أيام التنظيم

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.