تثار العديد من التساؤلات حول معاني توجهات السلطات السورية مؤخرا لإصدار قوانين، سواء في قانون تجريم التعذيب ومن ثم تعيين وزير دفاع غير معاقب دوليا وليلحقها العفو عن الجرائم الإرهابية، حول سعي دمشق لتمرير خطوات يدعي من خلالها تقديم تنازلات أو أدلة إثبات تغيير سلوكه ما يعني أنه يسير في النهج الأخير الذي طرحه المبعوث الأممي، غير بيدرسن “خطوة مقابل خطوة”.

وفي ظل عدم وجود استراتيجية واضحة للمعارضة السورية حول النهج الجديد والتي يبدو أنها بذلك خسرت أوراقا إضافية، تحوم في الأفق عدة فرضيات حول ما إذا كانت توجهات الحكومة السورية الأخيرة مقبولة من المجتمع الدولي، والتي يعدّها سوريون بأنها ليست سوى مجرد حبر على ورق دون تغيير حقيقي.

المعارضة والأسد نحو الشراكة؟

لطالما حاولت الولايات المتحدة إجبار السلطات في سوريا على تعديل سلوكها، ولكن نادرا ما كانت لها أي نتيجة، تقول السياسية والباحثة الأكاديمية، وهي عضو في اللجنة الدستورية السورية، الدكتورة سميرة مبيض، إن “التحركات الأخيرة لنظام الأسد تُظهر اتباع خطوات مُحددة له؛ ليظهر بمظهر الساعي للتغيير، ولتنفيذ المطالب الدولية، بهدف إعادة تأهيله في مجلس حكم انتقالي مُقاسمة مع المعارضة، وهذا ما تسعى له بعض الجهات المعارضة دون مواربة، بتقاسم الحكم ضمن المنظومة القائمة ذاتها، وما تدفع نحوه حكومات بعض الدول المهيمنة على المعارضة في الحين ذاته”.

ورغم أن المبعوث الدولي لم يُصرح عن هذه الخطوات، إلا أن مبيض أشارت إلى أن السلوكيات الأخيرة لدمشق من إصدار قانون تجريم التعذيب، إلى تعيين أسماء بعيدة عن العقوبات الدولية، إلى ما أسمتها بـ “مسرحية العفو”، تعتبر ترجمة لهذه الخطة، والتي “لن تفضي إلا إلى تغيير سطحي، لا يمكن أن يطال بنية المنظومة بحد ذاتها، فهي بنية قائمة على الشمولية والأساليب الترهيبية، ولا يمكن لها التغير، وقد كُشف عن ذلك بشكل واضح عبر مجزرة التضامن من جهة، وعبر التلاعب بمشاعر ذوي المعتقلين، وبمصير المعتقلين أنفسهم في مسرحية العفو الاخيرة”.

وتعتقد مبيض، أنه قد تستغل هذه الخطوات من قبل بعض الأطراف الدولية، للدفع نحو إعادة تدوير المنظومة الحاكمة في سوريا، ويندرج ضمن ذلك المصالحات بين الدول الإقليمية، والتي تتقاطع مع التقارب مع النظام الحالي للحفاظ على تدخلها وتمددها في سوريا.

وتابعت، “لا يمكن القول أن المعارضة خسرت أوراقا جديدة، فهي لا تمتلك أوراق سورية أساسا، بل أوراق إقليمية تتحرك وفق مصالح الدول المهيمنة عليها، وهذه الدول اليوم وعلى رأسها تركيا ودول الخليج تدفع بالمعارضة نحو مجلس حكم انتقالي، ضمن أطر المنظومة ذاتها، وذلك يفضي بشكل بديهي للتقاسم مع الأسد”.

وكشفت عضو اللجنة الدستورية، أن المبعوث الأممي “يُسيّر من قبل طرفي النظام والمعارضة ويضع مصالح المدنيين السوريين على الهامش، فبالتالي لا يستبعد أن يكون هذا السيناريو الكارثي جزء من المسارات القائمة اليوم”.

وبرأي مبيض، فإن التصدي لهذا المسار يكمن في التوجه للعمل من المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق، وتحييد أقطاب التطرف عنها، وتأسيس مركز انطلاق للدولة السورية الحديثة منها، واستعادة اللجنة الدستورية التي اختطفت من قبل أقطاب الصراع، لتعود أداة سورية تصب في مصلحة الشعب السوري. حسب تعبيرها.

للقراءة أو الاستماع: خطة بيدرسون “خطوة بخطوة” لماذا ترفضها المعارضة وتقبلها دمشق؟

قصور في نهج بيدرسن

في تشرين الأول/أكتوبر الفائت، اقترحت وثيقة أردنية “سرية” مقاربة جديدة للتعامل مع الحكومة السورية، وتضع الوثيقة خطوات تهدف إلى تحقيق تغيير تدريجي في سلوك النظام، يؤدي إلى انسحاب جميع القوات الأجنبية من الدولة التي مزقتها الحرب والاعتراف بـ “المصالح المشروعة” لروسيا هناك.

وأكد مسؤولون أميركيون، أنه تمت مناقشتها بين قادة عرب، بمن فيهم العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، الذي تناولها مع الرئيس الأميركي جو بايدن في واشنطن في تموز/يوليو الفائت، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في آب/أغسطس 2021.

بناء على ما سبق، تقترح الوثيقة مقاربة جديدة يمكن أن تعيد تركيز الانتباه على الحل السياسي في سوريا بناء على القرار 2254، ومعالجة الأزمة الإنسانية، وتأثيرها الأمني ​​على البلد والمنطقة. حيث يتبنى النهج سلسلة من الخطوات المتراكمة التي من شأنها أن تركز على “مكافحة الإرهاب واحتواء نفوذ إيران المتنامي”، والهدف النهائي هو تغيير سلوك “النظام السوري”.

تتوافق هذه الأفكار، مع تلك التي اقترحها مبعوث الأمم المتحدة غير بيدرسن، الذي اقترح نهج “خطوة بخطوة” تجاه سوريا، يبدأ بتفاهم أميركي روسي يحدد هذه الخطوات. وبعد ذلك، ستدعم المنطقة والعالم العربي وأوروبا هذه الخطوات قبل وضع آلية لتطبيق النظام.

هناك العديد من الثغرات في سياسة المبعوث بيدرسن، والتي قد تؤدي إلى عدم نجاحه في سياساته بشكل عام، وفي مقاربة “خطوة مقابل خطوة” بشكل خاص.

فلا تزال هذه المقاربة غير واضحة المعالم، في ظل تعنت النظام والمعارضة في رفضها من جهة، وتراجع الاهتمام الدولي بالتوصل لحل للأزمة السورية من جهة أخرى، كما أن بيدرسن، لم يتطرق إلى الدور الذي تلعبه بعض القوى الإقليمية في سوريا، كإيران وروسيا، وهي قوى فاعلة على الأرض.

يقول الباحث السوري، كرم الشعار، في تقريره في موقع “كارنيغي”، إن “الدول الغربية خفضت توقعاتها من إسقاط حكومة الرئيس الأسد، إلى تغيير سلوكه في الوقت الحالي، لذلك تركزت المحادثات الأخيرة على مقاربة خطوة مقابل خطوة، والتي تهدف إلى تقديم تنازلات صغيرة بشكل تدريجي ومتبادل، بحيث يؤدي إلى علاقة متبادلة المنفعة، تردم الهوة بين الأهداف الغربية في سوريا، وتلك التي تسعى إليها دمشق”.

الجدير ذكره، أنه على الساحة العربية، لا يزال الإجماع بعيد المنال حول عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية. حيث تم تعليق عضويتها في عام 2012 في أعقاب قمع الجيش السوري للمحتجين منذ آذار/مارس 2011. وتعلق الدول العربية على عودة سوريا على دمشق لاتخاذ خطوات ملموسة في تنفيذ الحل السياسي تماشيا مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وضمان انسحاب المليشيات الأجنبية من أراضيها.

للقراءة أو الاستماع: لماذا لن تنجح سياسة “خطوة مقابل خطوة” في حل الصراع بسوريا؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.