مع دخول عمليات الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية شهرها الثالث، يبدو أن الآثار المباشرة لتلك الحرب، قد بدأت بإلقاء ظلالها على التوازنات العسكرية والسياسية في سوريا، لا سيما وأن روسيا التي بدأت الحرب ليست روسيا الآن، لا سيما بعد الاستنزاف العسكري والاقتصادي والسياسي على حد سواء.

يقول “المعهد الألماني للدراسات الأمنية والدولية” في تقرير إن سوريا شعرت على الفور بآثار الحرب في أوكرانيا، وقد أدى ذلك إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية المزرية بالفعل في تلك البلاد، ذات الدخل المتوسط، في وقت تراجع فيه الدعم الروسي لاقتصاد البلاد لا سيما فيما يتعلق بالمشتقات النفطية.

وجاء في التقرير الذي نشرت صحيفة “الشرق الأوسط” ملخصا مترجما له: “يبدو أن الآثار المباشرة للحرب في أوكرانيا على التفاعلات الجيوسياسية في سوريا كانت محدودة حتى الآن. فقد فصلت القوى الخارجية الرئيسية، التي لها وجود عسكري على الأرض في سوريا، تعاونها عن التوترات بشأن أوكرانيا، فاتفاقات فك الاشتباك العسكري بين روسيا والولايات المتحدة، فضلاً عن روسيا وإسرائيل، لا تزال مستمرة“.

ويرى تقرير المعهد أن عمليات الغزو الروسي لأوكرانيا “أثرت بشكل بشكل مباشر على القدرات المتاحة لروسيا للتدخل في سوريا. فضلاً عن ذلك، فقد بات بوسعنا أن نلحظ بالفعل تحولاً في أولويات السياسة الخارجية الروسية. وسيعتمد تأثير ذلك على المصالح المحددة لروسيا في الصراع السوري، على مدة ومسار الصراع في أوكرانيا وخارجها“.

قد يهمك: موقف تركي جديد مع دمشق.. ما أسباب ذلك؟

وحول تأثير الحرب في أوكرانيا على التدخل الروسي في سوريا، يضيف التقرير: “قد يكون للحرب في أوكرانيا تأثيرا أكبر على نشر روسيا لقوات مسلحة غير نظامية. فمن أجل سد الفجوات في الجبهة الأوكرانية، قد تجد روسيا أنه من المفيد إرسال شركات عسكرية خاصة و«متطوعين» من سوريا إلى أوكرانيا، ما قد يقوض القوة الضاربة التي تتمتع بها القوات المسلحة السورية“.

من جانبه يؤكد الكاتب في الشأن الروسي طه عبد الواحد أن عمليات الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية، ساهمت بإضعاف قدرات موسكو الاقتصادية والعسكرية، لكنه يعتقد أن ذلك لن يؤدي بموسكو إلى خفض اهتماما بملف وجودها العسكري في سوريا.

ويقول عبد الواحد في حديثه لـ“الحل نت“: “أرى أن الاهتمام الروسي بسوريا، في سياق المواجهة في أوكرانيا سيزداد أكثر وستصبح سوريا أكثر أهمية بالنسبة لروسيا مما كانت عليه قبل بدء عمليات غزو الأراضي الأوكرانية“.

مواجهة كبرى بين روسيا والغرب

ويرى عبد الواحد أن أوكرانيا أصبحت “ساحة مواجهة” بين روسيا والغرب، وبالتالي من الممكن أن تصبح لسوريا أهمية خاصة في سياق الانتقال بالمواجهة من التناحر السياسي إلى مواجهة عسكرية وإن كانت غير مباشرة.

وحول أسباب زيادة موسكو اهتماما بالبقاء على الأراضي السورية يضيف عبد الواحد: “سوريا هي القاعدة التي يمكن أن تلعب دور في الخاصرة الجنوبية للناتو عبر البحر الأبيض المتوسط، لذلك لا أعتقد أن يتغير شيء بالنسبة لوضع الروس في سوريا، باستثناء أنهم سيصبحون أكثر إصرارا على البقاء في سوريا“.

ويعلق عبد الواحد على الدور الروسي في تسوية سياسية قادمة بالقول: “في حال التوجه لتسوية سياسية أعتقد أن موسكو ستظهر تمسكا أكبر بالنظام السوري، لأنه الضامن الوحيد لبقائها في الأراضي السورية، ما يعني تعقيد أكبر للعملية السياسية في سوريا“.

كيف تتأثر سوريا بالحرب الروسية على أوكرانيا؟

ويؤثر الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل نحو شهرين ونصف على الشأن السوري على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية.

إذ ترتبط العديد من القضايا الدولية، التي فتحت في أوكرانيا بين القوى العالمية الكبرى والإقليمية، بالملف السوري بسبب علاقات هذه القوى ومصالحها، والتي تلعب دورا رئيسيا في المجال السوري، وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإسرائيل.

ومع ذلك، فإن التصعيد بين القوتين العظمتين الذي أعقب الغزو الروسي لأوكرانيا لا يعكس استمرار هذا الإجماع بطريقة جيدة. إذ أعرب غير بيدرسن، مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، عن قلقه من أن الصراع الروسي الأوكراني سيؤثر سلبا على حل الأزمة السورية.

وانسجاما مع النقطة السابقة، يرى خبراء في الشأن السياسي الروسي، أن التسوية السورية أصبحت مسألة مؤجلة حاليا. بسبب عدم الاستقرار الذي كان يربط الروس بالغرب. وإذا أرادت روسيا في السابق تقديم تنازلات مقابل أشياء أخرى في بعض الملفات المثيرة للجدل. فقد تم تأجيل الأمر تماما، نظرا للعداء الذي اندلع بين عشية وضحاها بين روسيا والغرب.

للقراءة أو الاستماع: تنسيق استخباراتي تركي سوري.. أنقرة باعت ملف اللاجئين؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة