تأثير روسيا في الحرب السورية شديد الأهمية منذ بدء تدخل موسكو عسكريا عام 2015، إلا أن سوريا لم تبق بمنأى عن نتائج الغزو الروسي لأوكرانيا، فمع طول أمد المواجهات العسكرية في البلد الشرق أوروبي، وزيادة خسائر القوات الروسية، بدأت الأنباء تتوارد عن سحب الكرملين جزءا من قواته من سوريا نحو أوكرانيا، ما حدا بمراقبين إلى القول إن النفوذ الروسي في سوريا يتجه للانحسار.

ويدلل المراقبون على ذلك بسحب روسيا لعدد من المقاتلات والقاذفات الاستراتيجية من قاعدة حميميم الروسية في الساحل السوري إلى المطارات الروسية، التي يتم من خلالها تنفيذ طلعات جوية ضد أهداف في أوكرانيا.

ومن المؤشرات الأخرى على تراجع النفوذ الروسي في سوريا “البرود الذي يسود الجبهات السورية، منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في أواخر شباط/فبراير الماضي”، حسب تعبير العميد عبد الله الأسعد، مدير “مركز رصد للدراسات الاستراتيجية”.

فهل ستشهد الجبهات السورية برودا فعليا، نتيجة تراجع تأثير روسيا في الحرب السورية؟ أم أن موسكو تقوم برسم استراتيجيات جديدة، قد توصل الحرب إلى مراحل مختلفة؟

روسيا بين الحرب السورية والمستنقع الأوكراني

على الرغم من الحديث عن “برود الجبهات السورية”، نتيجة تضاؤل حضور روسيا في الحرب السورية، شهدت محافظة إدلب مؤخرا عمليات قصف جوي من الطائرات الروسية. العميد الأسعد يفسّر ذلك، في إفادته لـ”الحل نت”، بالقول: “التصعيد الأخير يأتي في إطار الاستعراض الروسي، إذ يريد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القول إن قواته ما زالت في سوريا. وبالتالي فإن تلك الطلعات الجوية في إدلب تأتي لإرضاء بوتين”.

مضيفا أن “روسيا نقلت عددا كبيرا من العسكريين والمستشارين وضباط العمليات من سوريا إلى أوكرانيا، حيث المعارك المحتدمة. ولن يقف الحال عند هذا، فكلما تورطت روسيا أكثر في المستنقع الأوكراني ستتصاعد وتيرة انسحاب روسيا من الحرب السورية”. مبينا أن “موسكو سحبت قوات من ريف حمص الشرقي، والحال ذاته في أكثر من منطقة سورية، منها محافظة دير الزور“.

وكانت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية قد كشفت، في منتصف نيسان/أبريل الماضي، عن “تأجيل روسيا مناوبات وحداتها العسكرية في سوريا، بسبب أعمالها العسكرية في أوكرانيا”. موضحة أنه “بسبب الأعمال العدائية على أراضي أوكرانيا، تأجل تناوب وحدات الفيلق 68 للجيش الروسي في المنطقة العسكرية الشرقية بالجمهورية العربية السورية”.

تخفيف الانفاق العسكري الروسي في سوريا

ويبدو أن روسيا منشغلة الآن بمحاولة إيجاد مقاربة تهدف للموازنة بين وجودها في سوريا وعملياتها في أوكرانيا، وهو ما أكدته الأنباء عن تخفيض موسكو رواتب الفيلق الخامس، الموالي لها في سوريا، في خطوة تهدف إلى تقليل الإنفاق العسكري في الملف السوري.

وفي هذا السياق، يرجح د.باسل المعراوي، الكاتب والمحلل السياسي، أن “يتراجع دور روسيا في الحرب السورية، وخصوصا مع زيادة منسوب التوتر بين موسكو وواشنطن، التي كان لموافقتها على دخول روسيا إلى الساحة الروسية دور فاصل”.

موضحا في حديثه لـ”الحل نت”: “لم تتدخل روسيا في الحرب السورية بشكل مباشر لولا حصولها على الموافقة الأميركية الضمنية، لكن الوضع اليوم تغير كثيرا، إذ تسبب غزو أوكرانيا باندلاع مواجهة بين روسيا والغرب عموما، والولايات المتحدة على وجه الخصوص”.

ويجزم الباحث السوري أن “واشنطن تدرس الخطط لمعاقبة موسكو في أكثر من ساحة دولية، وسوريا المرشح الأبرز، كونها تطل على البحر المتوسط، الهام لإمداد أوروبا بالطاقة”.

وبما يخص العقوبات الاقتصادية، وتأثيراتها على روسيا في الحرب السورية تحديدا، يقول المعراوي إن “نتائج العقوبات الغربية بدأت بالظهور، وبمرور الوقت ستتضح أكثر، إذ لم ينقض الشهر الثاني لبدء الغزو حتى باشرت القوات الروسية بسحب قسم من قواتها العاملة في سوريا، وتخفيف انتشارها الجغرافي”.


ويتابع بالقول: “سيتقلص الإنفاق العسكري الروسي في سوريا بلا  شك، ولا أظن أن اليوم، الذي سيتم فيه سحب كل القوات الروسية من سوريا، سيكون بعيدا. لأن الحسابات الروسية تولي أوكرانيا أهمية وتركيزا أكبر من سوريا”.

مقالات قد تهمك: تراجع الدور الروسي بسوريا: كيف ستعوّض حكومة دمشق انشغال موسكو في أوكرانيا؟

“ليست روسيا وحدها من تراجع اهتمامه بالحرب السورية”

وعلى الرغم مما سبق إلا أنه لم تُسجل بعد معلومات مؤكدة عن عمليات إعادة تموضع ضخمة للقوات الروسية في سوريا، باستثناء تخفيف كثافة الوجود العسكري في بعض المناطق السورية.

وعلى هذا الصعيد، يستبعد المحلل السياسي الروسي أندريه أونتيكوف أن “يتأثر دور روسيا في الحرب السورية بالصراع الدائر في أوكرانيا”. مشددا، خلال حديثه لـ”الحل نت”، على “تمسك بلاده بمصالحها وأهدافها في سوريا”.

ويلفت إلى أنه “إذا كان صحيحا أن روسيا حاليا لا تركز على سوريا، فإن الأطراف الفاعلة الأخرى في الساحة السورية فعلت الأمر ذاته، أي الولايات المتحدة وتركيا. فقد وجهت كل من واشنطن وأنقرة اهتمامهما نحو أوكرانيا أيضا، وهذا يخلق شيئا من التوازن”.

وبذلك لا يرى أونتيكوف “أي مؤشر على ضعف دور روسيا في الحرب السورية، بغض النظر عن العقوبات التي تعرضت لها موسكو مؤخرا”. مضيفا: “أود أن أذكر أن روسيا تعرضت في العام 2014، بعد انضمام شبه جزيرة القرم إلى أراضيها، إلى عقوبات مشددة، ولم تؤثر تلك العقوبات على عملياتها العسكرية. فبعد عام تقريبا بدأت عملياتها العسكرية في سوريا، أي في العام 2015”.

بعض المحللين، القريبين من وجهة نظر أونتيكوف، يؤكدون أن روسيا لم تتعرض بعد لضغوط غربية جدية في سوريا. وهو ما يعزونه إلى هامشية الملف السوري بالنسبة للأولويات الغربية، في حين أن المستفيد الأبرز من كل ذلك هو إيران، التي قد تستغل كل تراجع محتمل لدور روسيا في الحرب السورية لزيادة نفوذها شرقي المتوسط.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.