العواصف الترابية في العراق تكررت بشكل كبير خلال الشهرين الماضيين، ما أدى إلى خسائر مادية كبيرة، فضلا عن تسجيل وزارة الصحة العراقية ما يقارب خمسة آلاف حالة اختناق في كل محافظات البلاد.

ويصنّف العراق من بين أكثر بلدان العالم تعرضا للتغييرات المناخية، المنذرة بجفاف كبير، ما دفع وزارة البيئة العراقية إلى دق ناقوس الخطر. إذ ارتفع بحسبها عدد الايام المغبرة إلى 272 يوما في السنة، ورجحت أن يصل عددها إلى 300 يوم مغبر عام 2050، نتيجة التجريف والتجاوز على أكثر من ستين بالمئة من الأراضي التي كانت صالحة للزراعة. ما يشير إلى أن تزايد العواصف الترابية في العراق لا يعود فقط للتغير المناخي، الذي يشهده العالم بأسره، بل كذلك لممارسات غير مسؤولة، تهدد مستقبل البلد.

ضحايا العواصف الترابية

مئات المواطنين تعرضوا لأزمات صحية مع تزايد العواصف الترابية في العراق، منهم المواطن محمد فتحي، الذي يعاني من مرض الربو، والذي يؤكد لموقع “الحل نت” أنه “واجه صعوبة شديدة في التنفس، بعد العاصفة الترابية الأخيرة التي ضربت البلاد، مما أدى إلى فقدانه الوعي بشكل تام، ومن ثم نقله الى المستشفى”.

لافتا إلى أن “المستشفى كان مليئا بحالات الاختناق، ولأشخاص من كافة الاعمار، من بينهم أطفال رضع وكبار سن”.

علي عبد الكريم، عنصر في وزارة الداخلية العراقية، كان يؤدي واجبه في نقطة التفتيش على جسر الجادرية وسط العاصمة بغداد، وتعرض بدوره للاختناق بسبب العاصفة الترابية.

ويؤكد عبد الكريم لموقع” الحل نت” أن “عددا كبيرا من عناصر القوات الامنية تعرض لحالات اختناق شديدة، وتم نقلهم بشكل طارئ إلى المشافي. ورغم تعاون المواطنين مع عناصر وزارة الداخلية في أداء مهامهم وسط العاصفة الترابية، إلا أن هذا لم يخفف من الآثار الصحية السلبية على من يضطرون للعمل في الخارج أثناء العواصف الترابية في العراق”.

التغير المناخي ليس وحده سبب العواصف الترابية في العراق

الخبير البيئي أحمد صالح يرى أن “تزايد العواصف الترابية في العراق، وغيره من الظواهر المناخية الخطيرة، سببه التصحر، لعدم الاهتمام بالحزام الأخضر في البلد”.

ويشير صالح، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “جميع الحكومات العربية، ومنها العراقية، تتعكز على موضوع التغيير المناخي العالمي لتبرير تقاعسها في إيجاد الحلول. وهذا وهم كبير، إذ أن التغيير يأتي بشكل تدريجي، وليس بين يوم وليلة”.

ويضيف خبير البيئة أنه “كان من المفترض إعداد استراتيجية للحد من ظواهر التغير المناخي”. موضحا أن “هناك مجموعة من الحلول لمواجهة العواصف الترابية في العراق، والتصحر بشكل عام، وأهمها زراعة حزام أخضر، وتوفير حصص مائية كافية للغطاء النباتي”.

ويبيّن صالح أن “الحكومة العراقية والجهات المعنية لم تصلح ما أفسدته دول الجوار، التي خزنت كميات كبيرة جدا من المياه في سدودها بطريقة عامودية، وليس سطحية، ما منع تبخر المياه المخزنة، وهذا أدى إلى عدم تساقط الامطار، وحدوث تغيير واضح في النظام الإيكولوجي”.

مقالات قد تهمك: الجفاف في العراق: ماذا تبقى من ثروة البلاد السمكية بعد اضمحلال المسطحات المائية؟

ما خطط الحكومة لمواجهة الأزمة؟

أمير علي الحسون، مدير عام دائرة التوعية والإعلام البيئي في وزارة البيئة العراقية، يرى أن “إهمال البنى التحتية على مدار أربعين عاما جعل العراق أكثر عرضة للتغييرات المناخية وزيادة العواصف الترابية”.

 ويشير الحسون، في حديثه لموقع “الحل نت “، إلى أن “انحسار المياه الواردة وشحها أدى إلى انحسار الأراضي الزراعية والمساحات الخضراء، فضلا عن تجاوز الأهالي على الأراضي الزراعية، وتحويلها إلى مناطق سكنية”.

متابعا: “من المفترض أن تتوفر إدارة جيدة لهذا الملف، لمواكبة التغييرات المناخية، من خلال زيادة المساحات الخضراء والتشجير، للسيطرة على الكثبان الرملية، وبالتالي الحد من العواصف الترابية في العراق. ولا بد أن يكون هناك تعاون مشترك، بين القطاعات العامة والخاصة، لزراعة المساحات الفارغة والعناية بها، سواء على مستوى المستشفيات والمدارس والجامعات والمعامل وغيرها”.

الحسون يبيّن أن “هناك جهدا متواصلا، بين الأمانة العامة لمجلس الوزراء والوزارات المعنية، لزرع مليون شجرة خلال عام 2022، مع استخدام الطرق الحديثة لري الأشجار والمساحات الزراعية”.

ويؤكد المسؤول في وزارة البيئة في ختام حديثه أنه “ستكون هناك تغييرات واضحة في هذا الملف نهاية العام. ويبقى المواطن الشريك الأهم للجهود الحكومية، فمن مسؤوليته زراعة أي قطعة فارغة قريبة من محيط منزله، لزيادة التشجير”.

التقصير الحكومي هو السبب الأبرز للعواصف الترابية

إلا أن الخبير المائي عادل المختار يكشف لـ”الحل نت” عن التقصير الحكومي بشأن العواصف الترابية والتصحر الذي يمر به العراق منذ عام 2017، قائلا: “حذرنا، في عديد من المناسبات، من أزمة الجفاف التي ستصيب البلد. كما طالبنا بإعادة النظر بالسياسية الزراعية، ولكن من دون استجابة حكومية”.

مضيفا أن “الحل الأسهل لمواجهة العواصف الترابية في العراق، وكل أزمات التصحر وشح المياه وانحسار المساحات الزراعية، هو فتح الباب للمواطنين لاستيراد منظومات الري من دون رسوم وضرائب”.

المختار يؤكد أن “البلد يمر بمرحلة خطرة، إذ أصبحت العواصف الترابية تضرب المحافظات لأكثر من مرتين في الأسبوع الواحد، بسبب قلة الغطاء النباتي والجفاف الحاصل، وحتى الآن لا توجد أي خطوات عملية لمواجهة ما يحدث”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.