الجفاف في العراق: ماذا تبقى من ثروة البلاد السمكية بعد اضمحلال المسطحات المائية؟

الجفاف في العراق: ماذا تبقى من ثروة البلاد السمكية بعد اضمحلال المسطحات المائية؟

أدى الجفاف في العراق إلى تراجع واحدة من أكثر المهن عراقة في البلاد، وهي صيد السمك من البحيرات والمسطحات المائية. ما يشير إلى خطورة المشكلة، التي يعاني منها العراق بسبب التغير المناخي.
ويشهد العراق منذ سنوات أزمة مائية، ارتفعت حدّتها خلال العامين الماضيين، جراء قيام إيران بقطع أكثر من اثنين وأربعين نهرا ورافدا. فعرفت البلاد موجة جفاف غير مسبوقة، قضت على آلاف الدونمات الزراعية ورفعت نسب التصحر. ما أدى إلى نزوح مئات العوائل، التي تعيش على الزراعة وصيد الأسماك.

تداعيات الجفاف باتت واضحة على حياة الناس

يحاول حسين منذر، البالغ من العمر أربعة وأربعين عاما، من محافظة كربلاء، الابتعاد عن شبح البطالة بكل قوته، رغم أن عمله بات نادرا ما يوفر له لقمة العيش. يقصد حسين بحيرة الرزازة ثلاث مرات في الأسبوع، ويحاول صيد الأسماك فجرا، وبيعها على عربته الصغيرة، المتنقلة في أحياء كربلاء. إلا أن العمل بحسب قوله “لم يعد يؤتي همه”، خاصة بعد أن اضطر لرفع أسعار السمك من ثلاثة آلاف دينار عراقي إلى ما يقرب الخمسة آلاف.
يصف حسين صيد الأسماك الآن في بجيرة الرزازة بالقول: “عندما أقصد البحيرة للصيد أشعر أن الخطر قادم، فالأسماك الميتة تتناثر على شواطئها، بينما تحوّلت الأراضي التي كانت خصبة حولها إلى صحراء قاحلة، نتيجة الجفاف في العراق”.
وتشهد البحيرة، وهي ثاني أكبر بحيرات العراق، انخفاضا كبيرا في مستويات المياه. وتعرّضت للتلوث وارتفاع مستويات الملوحة. وهي جزء من وادٍ واسع، يضم بحيرات الحبانية والثرثار وبحر النجف، وتقع بين محافظتي الأنبار وكربلاء.
وتعدّ بحيرة الرزازة آخر ضحية لأزمة المياه في العراق، فقد أدت السدود، التي بنتها كل من تركيا وسوريا وإيران، إلى تقليص الأنهار وروافدها. فضلا عن تناقص الأمطار الموسمية.

الجفاف في العراق قتل الأسماك

د. محسن عبدالحي دشر، خبير الموارد المائية، والأستاذ في كلية الزراعة في جامعة البصرة، ربط مشكلة الجفاف في العراق بشكل مباشر مع سياسات دول منابع الأنهار العراقية. مؤكدا، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “كمية المياه ونوعيتها تؤثر على أعداد الأسماك. أي أن وفرة المياه من المصدر تقود إلى عذوبة المياه وقلة الأملاح، مما يزيد أعداد الأسماك. والعكس صحيح أيضا، فقلة المياه من المنبع ستزيد من تركيز الأملاح والملوثات، وستؤدي لقلة أعداد الأسماك وتردي نوعيتها. وهذا ما يحدث الآن في جنوب العراق، باعتبار أن الكميات الواردة من مياه الأنهار انخفضت بنسبة أكثر من ستين بالمئة”.
مضيفا: “كانت واردات العراق من نهري دجلة والفرات تصل لأكثر من تسعة مليارات متر مكعب بالسنة، الآن انخفضت إلى حوالي ملياري متر مكعب. وكانت مساحة منطقة الأهوار 7700 كليومتر مربع، وتمد العراق بأنواع كثيرة من الأسماك، التي تساهم في توفير الأمن الغذائي في الأسواق المحلية. وهذه الوفرة أدت سابقا لاستقرار أسعار السمك في الأسواق. إلا أن شح المياه في العراق أدى لجفاف أربعين بالمئة من الأهوار، ما أدى إلى ارتفاع تركيز الأملاح فيها، وهجرة الأسماك وانخفاض نوعيتها، وارتفاع أسعارها أيضا”.

ضعف معالجات مشكلة الجفاف في العراق

وتعد المناطق الوسطى والجنوبية أكثر مناطق البلاد إنتاجا للأسماك، إلا أن الجفاف في العراق أضعف قدرتها على الإنتاج.
إياد الطالبي، رئيس جمعية منتجي الأسماك العراقية، قال لـ”الحل نت” إن “محافظة بابل هي الأولى في إنتاج الأسماك، حيث يوجد ثمانين مفقسا، من أصل مئة مفقس في العراق. فيما تصل طاقة إنتاج الأسماك الصغيرة الأصبعية فيها لأكثر من ثلاثمئة مليون أصبع. أي أن بابل تمتلك معظم ثروة العراق السمكية، وتسوّقها في بقية المحافظات، تليها الحلة الكوت والأنبار. إلا أن المحافظة تعاني اليوم من تداعيات الجفاف في العراق”.
الطالبي نوّه إلى “عدة مشاريع منتشرة لتلافي مشكلة الجفاف، مثل الأقفاص العائمة والأحواض الطينية، إلا أن هذه المشاريع غير كافية. خاصة بعد قيام وزارة الزراعة العراقية بردم المشاريع غير المرخصة. كما أن ارتفاع أسعار الدولار مقابل الدينار العراقي تسبب بخسائر كبيرة. بعد أن وصل سعر طن علف الأسماك إلى أكثر من مليون وربع دينار عراقي”.

مقالات قد تهمك: القطاع الزراعي في العراق: هل يؤدي التغيير المناخي إلى موجة نزوح جديدة في البلاد؟

استيراد الأسماك من تركيا وإيران

رئيس جمعية منتجي الأسماك أكد أن “الأسواق العراقية اتجهت لاستيراد الأسماك التركية والإيرانية، بعد انتشار الجفاف، وكذلك بسبب فرق سعر الدولار بين العراق وهاتين الدولتين. فضلا عن التوجه لتهريب الأسماك إلى العراق بشكل غير شرعي. بعد أن رفضت وزارة الزراعية العراقية إعطاء تراخيص للاستيراد. إضافة لكل هذا فإن كثيرا من أسماك العراق مصابة بفيروس كي هيربس. ولم تستطع وزارة الزراعة العراقية إيجاد أي حل لهذه المشكلة”.
أحمد عيد، الباحث في الشأن الاقتصادي، طالب “الحكومة العراقية بدعم مشاريع الثروة السمكية، التي تعتبر موردا اقتصاديا استراتيجيا، يدرّ للبلد أموالا كثيرة، فضلا عن تشغيل الأيدي العاملة، وإنعاش السوق”.
 محمّلا، في حديثه لـ”الحل نت”، “وزارتي الزراعة والموارد المائية العراقية المسؤولية عن انهيار الإنتاج السمكي في البلاد. لعدم إيلائهما الاهتمام الكافي لدعم ومراقبة السوق، والاستخدام الرشيد للموارد المائية. فمشكلة الجفاف في العراق تتطلب معالجات متطورة، ولا يمكن الاستمرار بانتهاج سياسات اعتباطية”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.