منذ أن أصدرت واشنطن قرار إعفاء مناطق في شمال شرق وشمال غرب سوريا من العقوبات الأميركية، برزت اعتراضات كانت متوقعة من قبل حكومتي دمشق وأنقرة، فادعت الأولى بأن الولايات المتحدة تقدم مساعدات لـ”التنظيمات الإرهابية المسلحة” في تلك المناطق، وأنها هي التي أدت إلى تدمير الإمكانيات الاقتصادية السورية. فيما اتهمت تركيا، القرار الأميركي بإضفاء الشرعية على “وحدات حماية الشعب” الكردية، المكون الأكبر لـ”قوات سوريا الديمقراطية”، والتي تزعم أنقرة أن تلك الوحدات هي امتداد لـ “حزب العمال الكردستاني” المحظور في تركيا.

بينما ينفي مسؤولون في وزارة الخارجية الأميركية، أن يكون استثناء مناطق في شمال شرق وشمال غرب سوريا من العقوبات الأميركية، خطوة سياسية ودعما لاستقلالها ذاتيا، وإنما فقط هي خطوة اقتصادية تهدف إلى تحسين حياة السكان في المناطق غير الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية.

في حين أن المتسبب الحقيقي لما وصل إليه التدهور الاقتصادي هو حكومة دمشق نفسها بسبب الفساد وسيطرة مقربين من الرئيس السوري بشار الأسد على الاقتصاد، فضلا عن سطوة أمراء الحرب، بالإضافة إلى إرضاخ مناطق سيطرة حكومة دمشق للإيرانيين والروس.

في حين تتعنت دمشق بالرضوخ لتحقيق انتقال سياسي حقيقي والالتزام بكل مقررات القرار الدولي 2254، وكذلك عدم التوجه بجدية لحل أهم القضايا العالقة في البلاد وهي ملف المعتقلين والمفقودين، ما يؤدي إلى تأخير الحل السياسي الكامل في سوريا وبالتالي تأخير الإنعاش الاقتصادي بعد واقع مرير وسيء عاشه السوريون في ظل اقتصاد متدهور.

في سياق آخر فإنه وللمفارقة، فقد كان انتقاد أنقرة للقرار الأميركي متذرعة بأنه امتداد لدعم “الجماعات الإرهابية” وفق زعمها، إلا أن واقع التصريحات التركية والتي قال من خلالها وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، بأن منطقة إدلب التي تسيطر عليها “هيئة تحرير الشام” كانت الألزم من مناطق شمال شرق سوريا، وهو ما يعكس حقيقة دعم تركيا للجماعات الجهادية مثل “تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقا)، أو فصائل المعارضة التي تدعمها أنقرة في الشمال الغربي وسرت حولهما مؤخرا عدة تقارير تفيد باحتمالية قرب اندماج الهيئة مع “الجيش الوطني” المعارض الذي تدعمه أنقرة.

 تركيا ترغب بإطالة الحرب السورية؟

في سياق القرار الأميركي وحول استثناء بعض المناطق الشمالية الغربية وكامل الشمالية الشرقية من العقوبات الأمريكية، انتقدت تركيا، بدورها هذا القرار، حيث قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في تصريحات صحفية يوم أمس الجمعة: “لا يمكن أن نقبل قرار واشنطن الخاطئ بشأن إعفاء مناطق “قسد” من العقوبات على سوريا”.

من جانبه، اعتبر وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أن الاستثناء الأمريكي نوع من الدعم وإضفاء الشرعية على “وحدات حماية الشعب” الكردية، المكون الأكبر لـ”قسد”، والتي تعتبرها أنقرة امتدادا لـ “حزب العمال الكردستاني”، المحظور في تركيا.

وأردف جاويش أوغلو خلال مؤتمر صحفي يوم أمس، إن “الإعفاءات الأمريكية من العقوبات انتقائية وتنطوي على تمييز، وليس لها معيار موضوعي”، وأكد أوغلو، أن “إدلب هي المنطقة الأحق والأكثر حاجة لدعم المجتمع الدولي في ما يتعلق بالمرونة في العقوبات”.

وهذا قد يثير التساؤل حول قرب أنقرة من “هيئة تحرير الشام” الإرهابية ولها نفوذ عليها حتى ترغب برفع العقوبات عن إدلب التي تسيطر عليها الهيئة، فضلا عن أن رفض أردوغان لرفع العقوبات عن الشمال الشرقي هو مؤشر سلبي عن عدم وجود نية لتركيا بإحداث أي تقارب سوري-سوري بين القوى في الشمال.

وفي حديثه لـ”الحل نت”، يوضح المحلل السياسي، كريم شفيق، أن “معارضة تركيا والحكومة في دمشق لرفع العقوبات عن مناطق شمال شرقي سوريا الخاضعة للإدارة الذاتية يبدو أمرا متوقعا، كما لا يعكس تباينات عديدة إزاء الاصطفافات المتكررة بين دمشق وأنقرة وتحديدا حكومة العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان، فكل طرف منهما يستفيد من إطالة أمد الصراع في البلاد، ويقف ضد أي عملية تستهدف تقويض النزاع أو إيجاد صيغة للتهدئة وإنهاء دائرة الفوضى”.

ويردف في حديثه: “لدى تركيا مصالح من وراء إطالة أمد الحرب، ومؤخرا تبدو هيئة “تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقا فرع تنظيم القاعدة الإرهابي) بسوريا أقرب التنظيمات المسلحة لتركيا والتي تسيطر على إدلب الأمر الذي يؤشر على مصلحة تركيا من تواجد الأخيرة في تلك النقطة الجغرافية والتي تعد ورقة أخيرة في الملف السوري يتم تحريكها أحيانا لكسب مفاوضات معينة مع الأطراف المتنافسة بين اللاعبين والقوى الإقليمية والدولية”.

قد يهمك: انعكاسات سياسية لإعفاء الشمال السوري من العقوبات الأميركية

تعنت سياسي يؤخر الإنتعاش الاقتصادي؟

وزارة الخارجية والمغتربين السورية، أدانت استثناء واشنطن لمناطق في شمال غربي وشرقي سوريا من العقوبات الأميركية.

وصرحت الوزارة في بيان نشرته يوم أمس، “لم تفاجأ الجمهورية العربية السورية بالبيان الذي أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية حول منح ترخيص بالقيام بأنشطة اقتصادية في شمال شرق وغرب سوريا لأن الإدارات المتعاقبة كانت خلف الحرب التي تعرضت لها منذ عشر سنوات وحتى الآن”، وفق إدعاءها.

وحول استمرارية تعنت دمشق بدلا من الالتزام بتحقيق انتقال سياسي يضمن تحسين الواقع الاقتصادي ويرفع العقوبات المفروضة، يرى السياسي، بسام القوتلي أن “سلطة حزب البعث ومنذ استيلائها على السلطة في 1963 اعتبرت أن حكم سوريا هو حق ثوري لها”.

ويضيف “حتى الناس تتناقل مقولة لعبد الكريم الجندي وفحواها: أننا أتينا على ظهور الدبابات ولن نرحل إلا بالدبابات. وبالتالي منظومة الحكم من هذا النوع غير مستعدة لتقديم أي تنازلات لشعبها من جهة، وعندما تقدم التنازلات للخارج، تقدمها مقابل ضمانات باستمرار تسلطها على رقاب الناس”.

وأردف في حديثه لموقع “الحل نت”، أن “تطبيق القرار 2254 يتضمن تشكيل هيئة حكم انتقالية تلغي احتكار بشار الأسد للحكم، وهذا مرفوض لهم ولو أدى ذلك لفناء الشعب السوري، وقد رأينا ذلك خلال السنوات الماضية”.


أما بالنسبة لرفع العقوبات على شمال غربي وشمال شرقي سوريا، فمن الضروري التأكيد وفق القوتلي أن لا تتحول هذه المناطق إلى آليات جديدة تسمح لحكومة دمشق بالحصول على النقد الأجنبي مقابل الليرة السورية التي ستضخ في الفترة القادمة، على حد وصفه.

من جانبه، يرى المحلل السياسي، كريم شفيق أن “حكومة دمشق كما تركيا لديها مصالح من وراء إطالة أمد الحرب فلطالما وقفت وراء حكومة دمشق مجموعة من الأوليغارشية التي تحكم بالبطش والعدوان”.

وتابع في حديثه: “فضلا عن طبيعة الحكم المافياوي الذي يعزز بقاؤه العناصر الميلشياوية المدعومة من الحرس الثوري الإيراني”.

ويرى مراقبون أن دمشق لا تستطيع الخروج من تحت عباءة إيران، نظرا لما تحمله من مخاطر كبيرة في مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها في ظل ضعف الدور الروسي للمواجهة أو التصعيد، نتيجة غزوها لأوكرانيا.

لذلك تبقى دمشق، بشكل أو بآخر، تحت تأثير الدعم الإيراني الشحيح. في المقابل، ستأخذ طهران في التوسع والانتشار أكثر عبر مليشياتها على الأراضي السورية. وتبدو هذه استراتيجية طويلة الأمد، ولن تحقق شيئا سوى المزيد من التدمير الاقتصادي في مناطق سيطرة دمشق وإطالة حالة الفوضى في البلاد.

قد يهمك: استثناء أميركي من عقوبات “قيصر” في الشمال السوري.. ما النتائج؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.