على خلفية انخراطها العسكري في سوريا، اتخذت إيران سلسلة من الخطوات منذ عام 2014 لتعزيز مكانتها في سوريا ولبنان وتعزيز استعدادها العسكري هناك، فضلا عن استعداد وكلائها “حزب الله” اللبناني لهذه الخطوات، حيث تهدف إحداها إلى التأثير على الوضع الداخلي لسوريا وربطها بإيران على المدى الطويل، بما في ذلك الاتفاقات الاقتصادية بشأن إعادة الإعمار، وإعادة توطين مقاتليها ومواطنيها في سوريا، وإدخال القيم الدينية والثقافية الإيرانية إلى البلاد عبر القطاع التعليمي.

ورغم التحذيرات المتكررة من تداعيات تدهور الواقع التعليمي في سوريا، لا سيما خلال السنوات الماضية، لا يبدو أن الحكومة السورية، عازمة على اتخاذ إجراءات من شأنها انتشال التعليم، الذي يرى بعض المختصين أنه وصل إلى القاع مؤخرا.

في المقابل، فإن الصراع الأخير بين إيران وروسيا في قطاع التعليم السوري كان موضوعا مهما للسوريين داخل البلاد وخارجها، فكلا الطرفين يسعيان إلى توسعة نفوذهما في سوريا من خلال الجانب العسكري عبر دعم مجموعات مختلفة على الأرض، ولاحقا بات القطاع الاقتصادي مستهدفا جديدا، قبل أن يصل التنافس الروسي الإيراني إلى قطاع التعليم في سوريا، فما تأثير هذا التنافس الروسي الإيراني ضمن هذا القطاع؟

ضرب للبرنامج التربوي والتعليمي

مؤخرا، تم الكشف عن حقائق الصراع بين إيران وروسيا في قطاع التعليم، بعد أن غطى قطاعات مختلفة، أهمها قطاع الطاقة والكهرباء، فضلا عن قطاعات اقتصادية أخرى. وبحسب وسائل إعلامية محلية، تحاول إيران بناء مدارس للغة الفارسية في سوريا، وزيادة الوعي بالطائفة “الإثنا عشرية الشيعية” باستخدام “مجمع تقريب” الذي تم إنشاؤه للتوفيق بين وجهات النظر بين مختلف الطوائف، فضلا عن افتتاح فروع لجامعات إيرانية في سوريا، بينما روسيا بدورها تسعى لإضافة المزيد من الثقافة واللغة الروسية في الكليات والجامعات السورية.

خلال حديثه مع “الحل نت”، لم يخف الأستاذ في قسم الدراسات الاجتماعية في جامعة دمشق، الدكتور منذر السراج، تخوفه من أن الصراع الإيراني الروسي في مجال التعليم داخل البلاد، سيخلق حالة من التخبط العلمي للطلاب، خصوصا وأن الوضع العام في القطاع ليس بالجيد.

وأشار السراج، إلى أنه لا شك أنه على المدى الطويل، تأمل كل من روسيا وإيران، أن تبقيا على قواتهما العسكرية، التي أرسلت إلى سوريا هناك، بما في ذلك “حزب الله” المليشيات الأخرى، وهذا بطبعه سيؤدي إلى استيطان تدريجي للقوات من كلا الطرفين، وباستمرار وجودهم وتدخل الطرفين في مجال التعليم هو من أجل مستقبل أطفال هؤلاء.

وأوضح السراج، أنه ولعدة أسباب من ضمنها الوصول للبحر الأبيض المتوسط، جعلت إيران تقرر، على ما يبدو قبل بضع سنوات، عدم الاكتفاء بتزويد سوريا بالمساعدة الاقتصادية والعسكرية، بل كانت نية إيران ولا تزال هي استغلال الاضطرابات والدمار في سوريا لمحاولة توليد أكبر قدر ممكن من النفوذ على العديد من المكونات العرقية والاقتصادية في الحكومة السورية، وبالتالي إقامة علاقة لا تنفصم بين سوريا وإيران، بشكل مستقل عن السلطات السياسية. وهكذا أصبح تغلغل إيران الاجتماعي والاقتصادي في سوريا مكونا مركزيا لسياسة إيران في الشرق الأوسط.

خلال شهر.. إيران بكثافة في سوريا

مع انخراط روسيا وانشغالها في غزوها على أوكرانيا، كثفت إيران من وجودها في سوريا، فخلال المدة من 17 – 30 آذار/مارس الفائت، وصل وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في زيارة إلى سوريا، والتقى الوزير خلال إقامته بكبار مسؤولي الحكومة السورية.

صرح عبد اللهيان لدى وصوله إلى دمشق، أن العلاقة بين إيران وسوريا في أعلى مستوياتها على الإطلاق، وأن الزيارة تهدف إلى تعزيز هذه العلاقة الممتازة في مختلف المجالات، ولا سيما في المجال الاقتصادي، في المقابل أعلن وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، الذي استقبل عبد اللهيان في مطار دمشق، أن زيارة وزير الخارجية الإيراني تتيح فرصة أخرى لمناقشة الأمور التي تهم البلدين، فضلا عن التطورات في المنطقة.

وفي الـ10 من أيار/مايو الجاري، وخلال زيارة مفاجئة وغير معلنة، التقى الرئيس السوري بشار الأسد، المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، في العاصمة الإيرانية طهران، وخلال ساعات قليلة تلت الزيارة كثرت التحليلات عما ترمي إيصاله طهران عبر الأسد، وكذلك حول مساعي الأخير من قيامه بزيارة إيران.

المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية، علي خامنئي، أكد أن بلاده “ستستمر في دعم الحكومة السورية لاستكمال انتصارها على الإرهاب“، في حين شبّه الرئيس الإيراني الرئيس السوري بأنه “مثل والده حافظ الأسد، من وجوه جبهة المقاومة” حسب قوله.

إيران في دمشق من خلال جامعة جديدة

جامعة “بيان نور” انضمت إلى قائمة متزايدة من الكليات الإيرانية التي حصلت على إذن رسمي للعمل في سوريا، مما أثار تساؤلات حول دوافع إيران لإنشاء العديد من الجامعات في دولة لم تخرج بعد من دورة حرب استمرت لمدة 11 عام.

فيما سبق أن وافقت وزارة التعليم العالي السورية على بناء فروع لخمس مؤسسات تعليمية إيرانية أخرى، لكن إدارة جامعة “بيان نور” نجحت في الحصول على ترخيص إنشاء فرع في سوريا، من وزارة التعليم العالي السورية، خلال وقت قصير، بحسب تقارير صحفية.

هذا ويأتي منح ترخيص جديد لجامعة إيرانية أخرى في إطار مساعي إيران لتوسيع توغلها في سوريا تحت غطاء علمي وثقافي، بعد أن نجحت في فرض نفوذ عسكري وأمني غير مسبوق خلال السنوات الماضية، ومع انشغال روسيا بالصراع الأوكراني، منذ شباط/فبراير الماضي.

تم تأسيس جامعة “بيان نور”، وهي إحدى المؤسسات الإيرانية الرئيسية، في عام 1988، وهي مرتبطة بوزارة العلوم والبحوث والتكنولوجيا.

الجدير ذكره، أن جامعتا دمشق وطهران وقعتا على مذكرة تفاهم منتصف عام 2021، أرست الأساس لجميع اتفاقيات الانضباط الأكاديمي بين الطرفين، كما تم توقيع مذكرة تفاهم بين وزارتي التربية والتعليم في دمشق وطهران، تتضمن تبادل الخبرات والتجارب في المجالات العلمية والتعليمية، وتقديم الخدمات الفنية والهندسية، وترميم المدارس.

وفي حين لا يزال مستقبل قطاع التعليم السوري غير واضح، لأنه لا يمكن التنبؤ بما سيحدث بعد ذلك، فربما بعد عقود قادمة قد تتغير الهوية الثقافية السورية بسبب التدخل الإيراني الروسي في ظل صمت الحكومة على ذلك، بل وتشجيعها لهذا الأمر.

هذا وتشير تقديرات منظمة “اليونيسيف” لعام 2019، إلى أن نصف الأطفال السوريين بين 5 و17 عاما بلا تعليم، وطبقا لتقديرات المنظمة، فإن 2.1 مليون طفل في داخل سوريا و700 ألف طفل بدول الجوار محرومين من التعليم، كما أن 1.3 مليون آخرين عرضة للتسرب من المدارس أو الحرمان من التعليم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة