على ما يبدو فقد بدأ تأثير القرار الأميركي برفع العقوبات عن شمال سوريا، بالتداول داخل أروقة أصحاب الأموال السوريين داخل البلاد، والذي جاءهم كالصاعقة، خصوصا وأنهم عولوا على جني ثمار وقوفهم مع حكومة دمشق خلال السنوات السابقة، بعد محاولة الأخيرة إعادة التطبيع مع الدول العربية، رغم رفضها لأي خطوات تقود مسار الحل السياسي إلى السكة الصحيحة.

حيتان دمشق في اجتماع سري

خلال الأعوام السابقة، تأثر رجال الأعمال بالعقوبات المفروضة على دمشق وهي سلسلة من العقوبات الاقتصادية التي فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ما بعد عام 2011.

قرار واشنطن برفع العقوبات عن شمال سوريا، والذي ضيق الخناق على مناطق نفوذ الحكومة السورية، جاء وفق وصف رجل الأعمال السوري منير الزعبي، خارج حسابات العديد من رجال الأعمال الذين اصطفوا إلى جانب حكومة دمشق، وأحدث ارباكا كبيرا، خصوصا وأن معظمهم باشر بسحب أمواله في الخارج وإعادتها إلى سوريا.

وكشف الزعبي، أن اجتماعا جرى اليوم الأحد، في مجلس الأعمال السوري-الإيرلندي، بطلب من حازم قرفول الحاكم السابق لمصرف سوريا المركزي، بالإضافة إلى غسان القلاع، وسامر الدبس، وحسان عزقول، وعمار البردان وعرفان دركل.

كما بيّن الزعبي خلال حديثه لـ”الحل نت” بأن رجال الأعمال الذي تبقوا في دمشق كانوا قسمين، الأول قرر البقاء في البلاد من أجل جني ثمار ما بعد الحرب، والتي عادة ما تكون أرباحها عالية جدا، وفي الوقت ذاته اكتسبوا ثقة السلطات في البلاد للمرحلة المقبلة، وهؤلاء غالبا تأثروا بشكل كبير.

أما القسم الآخر، فيشير الزعبي، إلى أنهم الحيتان الذين ظهروا خلال الحرب، بعد استبدال الفئة التي كانت تسيطر على اقتصاد البلاد قبل الأزمة، مثل رامي مخلوف، وهؤلاء اكتسبوا الثروة سريعا عبر انتهاكات من بينها مصادرة الأملاك للسوريين والتهريب، والشركات الوهمية، مكتسبين القوة من أصحاب النفوذ في دمشق.

خطة الهروب نحو “الأرض الموعودة”

بحسب تصريحات مساعدة وزير الاقتصاد في الحكومة السورية للنمو الاقتصادي والعلاقات الدولية، رانيا أحمد، فقد بلغ حجم الصادرات في عام 2021، 664 مليون يورو، بارتفاع نحو 46 مليون يورو عن 2020. في حين بقيت الواردات قريبة من 2020 عند نحو أربعة مليارات يورو.

هذه العوائد لا تسر خاطر التجار ورجال الأعمال في سوريا، إذ أن سوريا التي تتوسط دول البحر الأبيض المتوسط، يجب أن تغدق عليهم أموالا أكثر، بحكم موقعها والخيرات التي تكتنزها، بعيدا عن النفط الذي كان محتكرا من قبل أشخاص متصلين بالدولة.

فحوى الاجتماع، وطبق لما نقله الزعبي، كان يتضمن محورين، الأول هو جذب اهتمام تجار في شمال سوريا، سواء في المناطق التي تخضع للنفوذ التركي، أو شرقا في مناطق الإدارة الذاتية، وإحداث شراكة سرية معهم من أجل توسيع أعمالهم والاستفادة من قرار رفع العقوبات.

أما المحور الآخر، فكان عبر إحداث شركات وهمية، ونقل أموالهم من البنوك الصعبة إلى المناطق المعفاة من العقوبات، وبدء مرحلة جديدة من الأعمال والتجارة، فيما كانت المعضلة هي وجود “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقا)، في الوسط.

وخروجا من هذا المأزق، اقترح الدبس فتح باب العلاقات مع التجار في مدينة إدلب، للضغط على “تحرير الشام” من أجل فتح المعابر مع حكومة دمشق، خصوصا وأن هذه المنطقة لم تستثن من العقوبات الأميركية.

الجدير ذكره، أن الشركات والصناديق الاستئمانية السرية والمجهولة الهوية، ليست غريبة على رجال الأعمال في سوريا، حيث تلعب دورا رئيسيا في غسيل الأموال وتوجيهها، إذ تخفي وراء ستار من السرية هوية الأفراد الفاسدين والشركات غير المسؤولة المتورطة في أنشطة غير مشروعة.

هذا ويعود السبب لانتشار شركات الفانتوم (أي الشركات الوهمية) في سوريا، للهروب من قانون العقوبات الأميركي “قيصر”. حيث يسعى رؤوس الأموال السوريين ولا سيما المقربين من السلطات السورية إلى الالتفاف على العقوبات بتأسيس شركات وهمية.

رخصة أميركية خاصة لشمال سوريا

وبغية تحسين الأوضاع الاقتصادية في الشمال السوري، أعلنت الإدارة الأميركية، استثناءها الخاص بشأن إعفاء بعض مناطق الشمال السوري من العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا.

وزارة الخزانة الأميركية، أعلنت مساء الخميس الفائت، عن إصدار ترخيص عام يمنح مناطق شمالي سوريا غير الخاضعة لسيطرة حكومة دمشق استثناءات من العقوبات في مجموعة من القطاعات بما فيها الزراعة والبناء والتمويل، ما عدا مناطق إدلب وعفرين.

وزارة الخزانة الأميركية ومكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة، أصدر رخصة عامة جديدة تسمح باستثمارات القطاع الخاص وأنشطة أخرى في المناطق غير الخاضعة لسيطرة دمشق في شمال شرق وغرب سوريا، ويدعم التفويض الجديد استراتيجية إدارة بايدن لهزيمة تنظيم ” داعش”، من خلال تعزيز الاستقرار الاقتصادي في المناطق المحررة من سيطرة الجماعة الإرهابية.

وفي إحاطة خاصة عبر الهاتف مع نائب مساعد وزير الخارجية لسوريا، إيثان غولدريتش، وإريك وودهاوس، نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون مكافحة تمويل التهديدات والعقوبات، وزهرة بيل، مديرة مجلس الأمن القومي في العراق وسوريا، الجمعة الفائت، شرح المتحدثون للصحفيين المشاركين كيف تم تصميم الرخصة الجديدة لتحسين الظروف الاقتصادية في المناطق غير الخاضعة لسيطرة السلطات السورية، في شمال شرق وغرب سوريا، ودعم جهود الاستقرار الجارية في المنطقة، دون استفادة الحكومة السورية من ذلك.

وأوضح نائب مساعد وزير الخارجية، أن “هذا التفويض لا يلغي أي عقوبات سورية على نظام الأسد، ولا يسمح بأي تعاملات مع نظام الأسد، لذا ما فعلناه اليوم ليس تنازلا عن العقوبات، وتظل العقوبات على سوريا أداة حيوية للضغط من أجل المساءلة في سوريا، خاصة بالنسبة لأولئك الذين ارتكبوا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان”.

وفي حديثه، أكد غولدريتش، أن هذا ترخيص عام مفتوح، لأي شركة مهتمة بفرص الاستثمار الخاص في قطاعات الاقتصاد التي يتم تحديد نطاقها في الترخيص، وفي المناطق الجغرافية التي يشملها الترخيص. منوها إلى أنها ليست خطوة سياسية، إنها خطوة اقتصادية وخطوة استقرار للمساعدة في تحسين ظروف الأشخاص الذين يعيشون في هذه المناطق، وجلب المزيد من الدخل إلى المناطق التي فقط كانت تستفيد من خلال المساعدة الإنسانية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.