تشكيل الصدر للمعارضة البرلمانية أثار كثيرا من الجدل في الأوساط العراقية، فمع استمرار الأزمة السياسية في البلاد، نتيجة عدم الاتفاق على تشكيل الحكومة الجديدة، خرج زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بتصريح، كان بمثابة مفاجأة للرأي العام، أعلن فيه توجهه للمعارضة، التي أسماها بـ”الوطنية“، نتيجة فشله بتشكيل حكومة الأغلبية.

حديث الصدر هذا جاء بعد سلسلة من المبادرات السياسية، التي أطلقت من الإطار التنسيقي الموالي لإيران، وأيضا من النواب المستقلين، بهدف الخروج من أزمة الإنسداد السياسي، والإسراع بتشكيل الحكومة. لكن جميع تلك المبادرات لم تفلح بتقريب وجهات النظر بين التيار الصدري والإطار التنسيقي.

الصدر أعلن في خطابه أنه “لن يتحالف مع القوى السياسية للثلث المعطل”، مؤكدا أن تلك القوى “استخدمت جميع الوسائل المشروعة وغير المشروعة، فقط لضمان المحافظة على الامتيازات في الحكومة الجديدة”.
هذا الخطاب، واحتمال تشكيل الصدر للمعارضة البرلمانية، اعتبرا بمثابة الهزة السياسية، إذ أنهما يعنيان أن عملية تشكيل الحكومة الجديدة ستستغرق وقتا أطول، وسط دعوات لتدخل الأمم المتحدة، بوصفها طرفا وسيطا لحل الأزمة.

تقديم التنازلات، وليس تشكيل المعارضة البرلمانية، هو الحل

الباحث السياسي أحمد الأنصاري أشار إلى أن “الإطار التنسيقي تقدم بمبادرة سياسية، كما قدم الصدر مبادرة أخرى. وفي ظل المعطيات الحالية فلا يوجد أمام القوى السياسية خيارات سوى القبول بالمبادرة التي تم تقديمها من قبل النواب المستقلين”.

مبينا، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن “النواب المستقلين يعتبرون طرفا محايدا، وبالتالي على الإطار التنسيقي والتيار الصدري تقديم تنازلات لإنهاء الأزمة، التي سيكون وقعها أشد على المواطن العراقي إن طالت أكثر. وتشكيل الصدر للمعارضة البرلمانية لن يساهم في إنهاء الأزمة سريعا”
.
وأضاف أن “القوى الموالية لإيران ترفض تقديم التنازلات، ومستعدة لحرق البلاد عن بكرة أبيها، في سبيل الحفاظ على مكاسبها. لأنها تدرك أن عدم مشاركتها بالحكومة المقبلة يعني إنهاء وجودها السياسي، وتلاشي دورها في المرحلة المقبلة”.

وقدم الإطار التنسيقي مبادرة سياسية، كان أبرز مضامينها إعطاء فرصة للنواب المستقلين لتقديم مرشح لرئاسة الحكومة العراقية.

وألقى تأخر تشكيل الحكومة العراقية بظلاله على الأوضاع المالية والإدارية في العراق، إذ حذّر رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي من أن “عدم وجود موازنة، سيؤدي لمشاكل كبرى في ملفي الكهرباء والغذاء”.

ومؤخرا ألغت المحكمة الاتحادية، وهي أعلى سلطة قضائية في العراق، قانون الأمن الغذائي المقدم من الحكومة العراقية، باعتبار أن الحكومة الحالية برئاسة مصطفى الكاظمي هي حكومة تصريف أعمال، ولا يمكنها صرف الأموال. وبالتالي فإن تشكيل الصدر للمعارضة البرلمانية سيؤخر التوصل لحكومة لها صلاحيات أوسع لمواجهة المشكلات الحالية.

موقف النواب المستقلين من الصراع بين الصدر والإطار

مصطفى سند، النائب المستقل في البرلمان العراقي، يقول إن “المستقلين تقدموا بمبادرة سياسية، وتواصلوا مع القوى المختلفة، وهم ليسوا طرفا في الصراع القائم بين التيار الصدري والإطار التنسيقي، أو احتمالية تشكيل الصدر للمعارضة البرلمانية”.

ويضيف، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن “النواب المستقلين ليس لديهم مشكلة في المشاركة في الحكومة المقبلة، سواء تم تشكيلها من قبل التيار الصدري، أو الإطار التنسيقي، وليس هدفهم الحصول على الامتيازات”.

متابعا حديثه بالقول: “ما يعنينا في الوقت الحالي هو كيفية الخروج من الأزمة الحالية، لأن المتضرر الأكبر هو المواطن العراقي، الذي تعطلت مصالحه، نتيجة عدم وجود حكومة تقر الموازنة، التي تستند عليها الوظائف والمشاريع الخدمية”.

ومنذ بروز احتمال تشكيل الصدر للمعارضة البرلمانية، ساد الصمت أوساط التحالف الثلاثي المقرّب من الصدر.

ويضم التحالف الثلاثي، بالإضافة للصدر، كلا من الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، وتحالف السيادة برئاسة محمد الحلبوسي، وهو أيضا رئيس البرلمان العراقي.

مقالات قد تهمك: النواب المستقلون في العراق: لماذا تتنافس الكتل السياسية التقليدية على استقطابهم؟

لا حكومة مع تشكيل الصدر للمعارضة

المحلل السياسي أحمد السراج يؤكد أنه “من الصعب تأسيس حكومة جديدة مع تشكيل الصدر للمعارضة البرلمانية، لأن هذه الحكومة ستفشل، وستصطدم باحتجاجات شعبية من أنصار التيار الصدري”.


لافتا، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن “الصدر من الممكن أن يقتنع بمشاركة قوى معينة في الإطار التنسيقي، لكنه يرفض مشاركة جميع أطراف الإطار، وتحديدا زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، والفصائل المسلحة القريبة من إيران”.

وأوضح أن “الخطوة الأولى، التي تنهي الأزمة، تتمثل باتفاق الكرد، وتحديدا الحزبين الكرديين الرئيسين، الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني الكردستاني، على تسمية مرشح رئاسة الجمهورية، لأن الانتهاء من تسمية هذا المنصب، يعني حل نصف الأزمة، وقد يمنع تشكيل الصدر للمعارضة البرلمانية”.

مضيفا: “إذا تم هذا فإن القوى الشيعية ستكون محرجة، خاصة بعد تسمية السنة لرئيس البرلمان، والتوافق فيما بين القوى السنية. وعندها ستضطر القوى الشيعية المتصارعة للاتفاق، عن طريق عقد التفاهمات بينها، أو من خلال الضغوط التي ستمارس عليها من قبل إيران”.

ويرى مراقبون أنه من دون تدخل الأطراف الإقليمية والدولية فإن الأزمة السياسية العراقية ستطول أكثر، وخاصة مع احتمال تشكيل الصدر للمعارضة البرلمانية، بعد الخلاف بين القوى الشيعية على تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر، التي ستسمي رئيس الحكومة الجديد، وهو المنصب الأهم في العراق، حسب دستور البلاد، الذي أقر في عام 2005.

خطوة كردية للاتفاق

وكشفت مصادر سياسية مطلعة عن تقاربٍ بين الأحزاب الكردية، سيفضي لاتفاق بين الحزبين الرئيسين لتسمية مرشح رئاسة الجمهورية العراقية.

وأوضحت المصادر لموقع “الحل نت” أن “وساطة داخلية وخارجية نجحت في تقليل الصراع الإعلامي بين الحزبين، وهناك زيارة قريبة لقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى مدينة السليمانية، معقل الاتحاد الوطني الكردستاني، لأجل حسم الخلاف، وتوحيد البيت الكردي، وتسمية مرشح واحد لمنصب رئاسة الجمهورية”.

وبالتالي فهنالك شبه إجماع بين المراقبين أن مفتاح حل الأزمة قد يكون بيد القوى الكردية، القادرة على إقناع الصدر، في حال اتفاقها، على عدم تشكيل المعارضة البرلمانية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.