من الواضح جدا، أن الفساد في العراق ليس مجرد كلام، إذ يمكن ملاحظته في كل مفصل من مفاصل الحياة، ولعل أخره ما حصل في حادث انهيار المختبر الوطني للتحليلات المرضية التابع لوزارة الصحة في منطقة الكرادة وسط العاصمة بغداد، الذي انهار يوم السبت الماضي.

حادثة المختبر الوطني التي لم يتم الإعلان عن عدد الضحايا الذين لقوا حتفهم فيها بشكل رسمي حتى الآن، لكن مصادر تتحدث عن عشرات القتلى والجرحى، فتحت الباب على الفساد الذي ينخر الدولة العراقية، ومن ضمنه الفساد في مناقصات المقاولات الحكومية والمشاريع الاستثمارية.

إذ تُمثل المناقصات الحكومية، التي لا ترسو على مقاول إلا بعد أن يدفع الرشاوى للوسطاء والموظفين الحكوميين، وبعدها يتم تنفيذ المشروع بالحد الأدنى من الجودة ليؤمّن المقاول لنفسه ربحا، بعد أن يذهب معظم المال المرصود إلى جيوب المنتفعين من المعنين في تسهيل حصول المقاول على المناقصة، من السياسيين والموظفين المعيّنين من قِبلهم، بحسب دراسة نشرها الاتحاد الديمقراطي العراقي.

ويدر الفساد المالي في العراق الذي تديره الأحزاب والميليشيات، مبالغ مالية كبيرة تنتفع بها أطراف السلطة في نظام ما بعد 2003، على حساب المواطنين ومقدرات الدولة ومؤسساتها التي بدأت بالانهيار جراء ذلك.

تلك الأموال التي يوفّرها الفساد في العراق، يأتي عبر تقاسم الأحزاب والميليشيات، للموارد المالية للوزارات والمؤسسات الحكومية من خلال ما يُعرف بالهيئات الاقتصادية، التي تُعرف بأنها الجهة المخوّلة بصرف النفقات والتخصيصات وإبرام العقود في المؤسسات الحكومية التي تتولى الأحزاب التي تنتمي لها إدارتها، وذلك بما يتعلق بالعقود كافة ودون استثناء وزارة عن أخرى.

بدوره موقع “الحل نت“، تحدث مع بعض المصادر التي كشفت عن طبيعة آلية الفساد، وقال علي نيازي، وهو اسم مستعار لمقاول عراقي فضّل عدم الإفصاح عن اسمه الحقيقي تجنّبا للمسائلات القانونية، وملاحقة جهات متنفذة كما وصفها، بإن “المشاريع الاستثمارية والمقاولات تمثل عصب الحياة بالنسبة لأطراف النظام السياسي بأكمله ودون استثناء“، مبيّنا أن “تلك الجهات تعيش على الأموال التي تدرها لهم عملية الرشاوى والكومشنات، التي يتم استحصالها من خلال المشاريع“.

اقرأ/ي أيضا: الصدر يغرد والكاظمي لأربيل يتودد.. هل عاد حلم الولاية الثانية؟

الفساد وتباعته والجهات المسؤولة عنه

نيازي، أضاف أن “كل حزب سياسي لديه هيئة اقتصادية، ومن لا يمتلك هيئة اقتصادية فهو يعتمد على الوزراء والمدراء العامين الذين يقوم بتعينهم في المناصب التي تكون من حصتهم، تعمل على إدارة الملف المالي للحزب، وتغذيته من خلال ما يوفره المنصب الذي يكون من حصتهم من مشاريع“.

كذلك أوضح، “غالبا ما تعمل تلك القوى السياسية على انشاء شركات وهمية يتم تأسيسها لغرض زجها في المناقصات الحكومة، وبالتالي يقوم الوزير التابع للجهة السياسية ومن معه من مدراء عامين على إرساء المناقصة على تلك الشركة التابعة لهم، والتي تتقدم للحصول على المشروع على أنها شركة خارجية“.

فيما بعد “تذهب الشركة والمقاول التابع لها إلى تنفيذ المشروع بأقل التكاليف، وأحيانا تقوم أساسا ببيع المشروع لشركة أخرى بعد استحصال أربحاها الخاصة، وإذا ما قامت بتنفيذ المشروع فستكون الجهة الحكومية التي سلّمته المناقصة على تسهيل له عملية الإنجاز والتغاضي عن المعاير التي يتم وضعها في بنود الصفقة، لينتهي الحال كما حدث مع المختبر الوطني“، بحسب نيازي.

وأردف بالقول: “لذلك تجد القوى السياسية تتصارع على الحصول على المناصب الحكومية، وتصرّ على مضي العملية السياسية في إطار المحاصصة وتقف بوجه كل من يعارضها، لأنها تضمن لهم وجودهم، وتغذي عملهم السياسي“، لافتا إلى أنه “ترك عمل المقاولات لأنها أصبحت عديمة الفائدة، على اعتبار أن الجميع يطالبه بدفع الرشاوى منذ اللحظة الأولى لحصوله على أي مشروع وحتى لحظة تسلميه“.

نيازي، اختتم حديثه بالإشارة إلى أن “إذا ما أتت جهة مُنصفة لمتابعة المشاريع المنجزة منذ 2003 وحتى آخر مشروع، ستجد أن 98 بالمئة من المشاريع غير مستوفية للشروط الحكومية، وجميعها مُررت بصفقات فساد، بل وقد يكون نصفها غير منجَز على الرغم من تسليم مستحقاته للمقاولين“.

والثلاثاء اليوم، أعلنت مديرية الدفاع المدني العراقي، انتشال جثتي طفلة وأمها من تحت ركام بناية المختبر الوطني المؤلفة من 4 طوابق في منطقة الكرادة بساحة الواثق وسط بغداد، والتي انهارت بسبب عدم تحمّل أساساتها، بعد إضافة طابقَين إلى البناية القديمة.

وذلك على الرغم من أنه في كانون الأول من عام 2020 افتُتح المختبر الوطني، هذا ما دفع لجانا نيابية وجهات تنفيذية الى المطالبة بفتح تحقيق عاجل وحقيقي لمعرفة أسباب ما حصل، معللين ذلك بوجود فساد حقيقي في منح إجازات الاستثمار وغياب مراقبة حقيقة للإنشاءات الهندسية، لاسيما وأن مصادر عدة تؤكد أن أسباب الانهيار تعود إلى إضافة طابقين إلى البناية التي تتكون في الأصل من أربعة طوابق دون تخطيط لها، ما أدى لانهيارها.

اقرأ/ي أيضا: هل يحتاج العراق إلى تعديل دستوري؟

مواقف حول انهيار المختبر الوطني

مديرية الدفاع المدني وفي بيان لها قالت، إن “فرقها انتشلت جثتي طفلة وأمها من تحت ركام بناية المختبر الوطني، بعد عمليات بحث وحفر استمرت لساعات طويلة“، وذلك بعد أن أعلن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، فتح تحقيق بالحادث والتدقيق بالإجازة الممنوحة للمبنى خلال عمل الحكومات السابقة، مشيرا إلى أن الحادث يؤكد صحة جهود مكافحة الفساد، وإيقاف منح الإجازات العشوائية.

أيضا، كان الدفاع المدني قد أشار في وقت سابق، إلى أنه تم انقاذ 13 شخصا من تحت انقاذ المبنى، وتم نقلهم إلى المستشفيات القريبة بإصابات متفاوتة، إضافة إلى انتشال جثة حارس المبنى أول أمس الأحد.

في حين كانت الهيئة الوطنية للاستثمار قد نأت بنفسها عن حادثة انهيار المبنى، فيما أشارت إلى أن الجهات المسؤولة عن المبنى المنهار في وزارة الصحة وأمانة بغداد، وقالت في بيان، إنها “شكلت خلال الساعات الماضية غرفة عمليات طارئة استوضحت خلالها أولويات الموضوع المستندة إلى عدد من الحقائق“.

إذ أن “هذه البناية حاصلة على الإجازة الاستثمارية من قِبل هيئة استثمار بغداد بتاريخ 29/ 1/ 2018، بالرقم 403، وأعطيت لشركة عراقية وفق قانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2006 المعدل، كمختبر للتحليلات المَرضية بالتعاون مع وزارة الصحة وفق الضوابط والشروط المطلوبة والموثقة من قبلهم آنذاك“.

العراق والفساد

وأشارت إلى أن “هذه البناية حاصلة على الموافقات القطاعية الأخرى ممثلة بأمانة بغداد كجهة مسؤولة عن التصميم، ووزارة الصحة كجهة قطاعية مختصة في الوقت نفسه“، لافتة إلى أنها “كجهة راعية ومشرفة على نشاط الاستثمار في العراق مستمرة في متابعة تفاصيل الموضوع بكل دقة، ومعرفة الأسباب الحقيقية وراء حادث الانهيار المؤسف“.

الهيئة أكدت أيضا، أنها “لن تتوانى عن محاسبة جميع المقصرين في هذ الحادث بعيدا عن أي مجاملة أو تسويف، وتحويل المتورطين من المسؤولين السابقين كانوا أو الحاليين إلى النزاهة، وتؤكد ذلك رؤيتنا المستمرة بأهمية المتابعة والإشراف والتدقيق على المشاريع حتى بعد حصولها على إجازات الاستثمار“.

فيما دعت “كل الجهات المعنية بالدولة لدراسة مستفيضة وإعادة النظر بالكثير من الإجراءات المتعلقة بمتابعة المشاريع“، واعدة بأنها ستوافي المواطنين بالتفاصيل لاحقا.

يشار إلى أن العراق يحتل مراتب متأخرة في مؤشرات الفساد. فهي الدولة الثالثة عشر الأكثر فساد في العالم، حسب مؤشر “ترانسبارنسي أنترناشيونيال“، وكلّف الفساد العراق أكثر من 300 مليار دولار، حسب تصريحات رسمية.

لكن رغم كثرة عدد القضايا المطروحة أمام محاكم النزاهة، غالبا ما لا يتم الإعلان عن أسماء المتهمين، وفي حالات كثيرة يتم إسقاط التّهم أو يحصل المدانون على العفو.

وفي أحيان أخرى، يُعلن الحكم بحق شخصيات شغلت درجات وزير، وأعضاء في مجلس النواب، وما دون من مدراء عامين، إلا أن في الغالب يفلتون من العقاب، وفي العام 2021، بلغ عدد المتورطين بالفساد 11 ألفا و605 مسؤولين، بينهم 54 وزيرا، بحسب هيئة النزاهة العامة.

اقرأ/ي أيضا: طهران تصرف الأنظار عن احتجاجات الداخل بقصف المناطق الكردية العراقية؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.