الإرث العمراني لبغداد: لماذا تترك الحكومة العراقية الأبنية الأثرية عرضة للسرقة والانهيار؟

الإرث العمراني لبغداد: لماذا تترك الحكومة العراقية الأبنية الأثرية عرضة للسرقة والانهيار؟

تمتلئ العاصمة العراقية بغداد بالمباني الأثرية، التي تعود للعصر العباسي والمملوكي والعثماني، وتمتلك قيمة تاريخية ومعمارية كبيرة، إلا أن الظروف الصعبة التي مرّ بها العراق، من حروب وإرهاب وفساد وإهمال حكومي وتغيرات مناخية، جعلت هذه الآثار في حالة يرثى لها.

وترتفع أصوات المهتمين بالتراث والمختصين في علوم التاريخ والآثار، مطالبةً بإعادة ترميم هذه المباني؛ ومحذرةً من اندثارها بشكل كامل، إذ يؤكد عدد من الباحثين أن الآثار في مناطق متعددة من بغداد، مثل “العلاوي” و”الكاظمية”، وشوارع “حيفا” و”البتاوين” و”الشواكة” و”العيواضية” و”الرشيد”، آيلة للسقوط، في حين تحوّل عدد منها إلى مأوى للعائلات العراقية الفقيرة، فضلاً عن سيطرة بعض الجهات المتنفّذة، التابعة لأحزاب السلطة، على قسم آخر منها.

موقع «الحل نت» حاول استقصاء حال التراث المعماري في بغداد، والأسباب الذي تجعله يلقى كل هذا الإهمال وسوء المعاملة.

 

ليس تنظيم داعش وحده من يدمّر الآثار

«أيدت القوى المتنفّذة في الدولة والحكومة العراقية أزالت مجمعاً تراثياً نادراً، هو دار استراحة الملك “غازي”، ابن الملك “فيصل الأول”، التي تقع في “مشتل الحرية” في منطقة “الكرخ” ببغداد، وتحوي كثيراً من الشواهد التراثية الجميلة». بحسب “كريم فرحان”، الموظف في أمانة العاصمة بغداد.

“فرحان”، فضلاً عن كونه موظفاً حكومياً، معروف باهتمامه بالأوابد المعمارية الأثرية في المدينة، وقال في إفادته لموقع «الحل نت»: «منذ ثمانينيات القرن المنصرم تصاعدت الاعتداءات على الأبنية الأثرية في بغداد، إذ تمت إزالة مدرسة في شارع “الرشيد”، يعود تاريخها إلى أربعة قرون خلت، وبُنيت مكانها عمارة لتخزين الألبسة، إلا أن الاعتداءات وصلت إلى مرحلة غير مسبوقة في أيامنا، واليوم تدمّر أو تسرق جميع تحفنا المعمارية النادرة، ليس فقط في مدينة الموصل، التي سقطت تحت سيطرة تنظيم داعش؛ أو في بغداد، الخاضعة لهيمنة الأحزاب المتنفّذة، بل كذلك في مدن مثل البصرة وكربلاء والنجف، التي لم تحمها أهميتها الدينية من نهب الناهبين».

مضيفاً: «الشناشيل والقباب والزخارف، وهي من أهم العناصر المعمارية التراثية، التي تشكّل الهوية الجمالية للمدن العراقية، تعاني اليوم من السرقات والإهمال والتآكل».

من جهته تحدث المهندس المعماري “حسين السامي” لموقع «الحل نت» عن «بوابة بغداد الأثرية، التي تقع في منطقة “باب الشيخ” بالعاصمة، والتي تعاني من الإهمال، ما أدى لتغيّر ملامحها، بعد تآكل أجزاء من بابها الأوسط، فضلاً عن سقوط أجزاء من مدرجاتها، وتلاشي أجزاء أخرى من معالمها».

ويضيف: «يعود تشييد هذه البوابة إلى أكثر من ألف ومئة عام، وكانت أحد معاقل الدفاع القديمة  عن المدينة، ومحاطة ببحيرة اصطناعية، وسور يربط شرق بغداد بغربها. كما كانت سابقاً متحفاً يضم مقتنيات تاريخية ثمينة، ولكنها اليوم، وبعد كل ما مرّت به البلاد، باتت مهملة تماماً، ومعرّضة للسقوط في أية لحظة».

مبينا أن «هيئة الآثار في الحكومة العراقية عزت سبب الإهمال إلى الأزمة الاقتصادية والمالية، التي تعاني منها البلاد».

 

السيطرة على قلب بغداد

“أبو محمد قانوني”، من سكان منطقة “باب الشيخ” الأثرية وسط العاصمة بغداد، أوضح لموقع «الحل نت» أن «السلطات  العراقية تمنع هدم البيوت في المنطقة  بموجب قرار قديم، لكن هنالك أساليب كثيرة للتحايل على قرارات حكومية، لا تبدي الجهات الرسمية أي جدية أو اهتمام في تطبيقها».

مشيراً إلى أن «بعض ملّاك البيوت الأثرية يفتعلون فيها الحرائق، للإطاحة بها، وبناء  بيوت حديثة، أو بيع الأراضي المبنية عليها، إلى جهات محددة، وعلى رأسها كبار مسؤولي ومتنفذي أحزاب السلطة، كونها تقع في قلب العاصمة، والسيطرة على المنطقة يعني الحصول على مزيد من النفوذ السياسي، ولذلك باتت هدفاً لسماسرة العقارات، الذين يعملون لمصلحة المتنفذين في الدولة وأحزابها».

ومن جهة أخرى يبيّن “أبو محمد” أن «الموضوع لا يقتصر على الصراع للسيطرة على قلب بغداد، بل هنالك تجاوزات كثيرة نتيجة الجهل والإهمال، فبعض البيوت الأثرية تحوّلت إلى مكبّ للنفايات، وأخرى إلى ساحات لوقوف السيارات، بعد أن انهارت جدرانها وأبوابها».

إلى ذلك يشكو “أبو محمد” من «سوء الخدمات وضعف البنى التحتية في منطقته، ما يساهم في تآكل الأبنية الأثرية، ودفع كثير من أصحابها إلى بيعها بأبخس الأثمان».

ويختتم حديثه بالقول: «هذه المناطق تحتاج إلى إعادة ترميم، وتحسين واقعها الخدمي، بغرض إنقاذ ما يمكن إنقاذه فيها من آثار».

 

موقف حكومي

“سعد حمزة”، نائب رئيس دائرة الآثار التاريخية، التابعة للمتحف الوطني العراقي، أكد أن «الحكومة العراقية تعمل على الحفاظ على المباني الأثرية في بغداد، ضمن حدود إمكانياتها المتاحة».

ويتابع “حمزة”، في حديثه لـ«الحل نت»، أن «الدوائر الفنية والهندسية في أمانة بغداد تعمل باستمرار على تأهيل وتطوير الطراز العمراني والتراثي للآثار والأحياء القديمة في بغداد».

مبيناً أن الأمانة «قامت بترميم شارع “النهر”، الذي يعدّ من أبرز وأقدم شوارع العاصمة؛ كما قامت بتوحيد واجهات المحال التجارية، وإنشاء حديقة قرب “السوق العربي” في المدينة».

إلا ان حديث “حمزة” لم يبد مرضياً لأي ممن التقاهم «الحل نت»، الذين أجمعوا على أن الحكومة العراقية تركت واحدة من أهم مدن الشرق تحت رحمة الإهمال والتعديات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.